تقرير وكالة الطاقة الذرية: 1000 صفحة من الوثائق تثبت مساعي إيران لإنتاج رؤوس نووية

التقرير استقى معلوماته من دول ومصادر مستقلة لتحاشي تكرار سيناريو أسلحة الدمار الشامل العراقية

TT

كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أدلة جديدة تقول إنها «ذات مصداقية» تثبت أن إيران قد أجرت أنشطة ذات صلة بتطوير سلاح نووي، وأن المشروع النووي الإيراني قد يكون مستمرا حتى الآن.

وبعد طول انتظار، كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الثلاثاء، عن تقرير يعتبر الأقوى خلال صراعها الممتد لنحو عقد من الزمان لاختراق السرية التي تكتنف البرنامج النووي الإيراني. وقد أثارت هذه النتائج جدلا كبيرا بين الحلفاء الغربيين وإسرائيل حول ما إذا كان تزايد الضغوط الدبلوماسية والعقوبات سيتمكن من إيقاف برنامج إيران النووي أم أنه يجب اللجوء للخيار العسكري.

ويعلم المفتشون جيدا أن هذه النتائج ستتم مقارنتها بالمعلومات الاستخباراتية الخاطئة عن العراق قبل الغزو الأميركي للعراق في عام 2003؛ لذا خصصوا قسما من التقرير لـ«مصداقية المعلومات». وصرح المفتشون بأنه قد تم الحصول على تلك المعلومات من أكثر من 10 بلدان ومن مصادر مستقلة، وتم تدعيم بعضها من خلال مقابلات مع شخصيات أجنبية ساعدت إيران في برنامجها النووي.

وأكد التقرير أن إيران قد أجرت أبحاثا تضمنت نماذج محاكاة بالكومبيوتر في عامي 2008 و2009 لا يمكن أن تستخدم إلا لتطوير أسلحة نووية، كما أجرت تجارب على صواعق نووية. وقال التقرير إن المحاكاة قد ركزت على كيفية استخدام الموجات الناتجة عن المتفجرات التقليدية في ضغط الوقود في الجزء المركزي من السلاح النووي، الذي يبدأ سلسلة من التفاعلات تنتهي بالانفجار النووي.

وأضاف التقرير أن إيران قد تجاوزت هذه الدراسات النظرية لبناء هيكل كبير في قاعدة بارشين العسكرية، بدءا من عام 2000، لاختبار جدوى هذا الضغط. وقد أشار التقرير إلى أن هذه الاختبارات تعتبر بمثابة «مؤشرات قوية على تطوير الأسلحة».

وقد اتفق مفتشو الوكالة مع المعلومات الصادرة عن هيئة التقديرات الاستخباراتية القومية في عام 2007، التي تشير إلى أن الجمهورية الإسلامية قد توقفت عن جهودها الشديدة والمركزة لتصنيع قنبلة نووية في أواخر عام 2003، لكنها أشارت إلى استئناف العمل في الآونة الأخيرة، وإن لم يكن بالدرجة نفسها من التنسيق.

ولا يدعي التقرير أن إيران قد أتقنت كل التكنولوجيات الضرورية لتصنيع السلاح النووي، كما لم يكشف عن الوقت الذي ستستغرقه إيران حتى تكون قادرة على إنتاج سلاح نووي. ولا يشير المفتشون إلى وجود مختبر أسلحة بعينه أو يقدمون أدلة على تصنيع أسلحة نووية بشكل كامل، لكن التقرير يصف ما يقرب من 10 مشاريع مختلفة، وهي المشاريع التي تعاملت معها الدول التي تمكنت من تصنيع أسلحة نووية – الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل والهند وباكستان – بشكل أو بآخر. كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد كشفت عن تقرير في شهر مايو (أيار) الماضي وأدرجت من خلاله 5 فئات من المعلومات التقنية، وقد استشهد تقرير المفتشين بـما يأتي:

- وثائق تشير إلى أن إيران كانت تعمل على الحصول على مصدر لليورانيوم يصلح للاستخدام في برنامج تخصيب لم يتم الكشف عنه حتى تتمكن من تصنيع وقود لقنبلة نووية.

- دليل على أن إيران «قد حصلت على معلومات لتصميم تفجيرات نووية».

- معلومات تفيد بأنها قد بدأت في تجارب على متفجرات تقليدية لكي تتمكن من ضغط المعادن في كتلة كثيفة مناسبة لبدء سلسلة من التفاعلات.

- وثائق «عما لا يقل عن 14 تكرارا لتصميمات متقدمة» للحصول على رؤوس صاروخية قادرة على حمل رؤوس نووية إلى أهداف بعيدة.

وقد تم إعداد هذا التقرير تحت إشراف يوكيا أمانو، وهو دبلوماسي ياباني سابق ويدير وكالة الطاقة الذرية منذ ما يقرب من عامين، ثم تم تقديمه إلى مجلس محافظي الوكالة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقال أمانو في التقرير إن المفتشين قد جمعوا «أكثر من ألف صفحة» من الوثائق، التي من المفترض أنه قد تم تسريبها من إيران. وقال أمانو إن الوثائق تظهر أنه قد تم عمل «أبحاث وتطويرات واختبارات» على التكنولوجيات التي من شأنها أن تستخدم في تصميم سلاح نووي. وأضاف أن «عددا من الأفراد» المتورطين في الأنشطة الإيرانية قد قدموا معلومات «متسقة» مع المعلومات الاستخباراتية «لأكثر من 10 دول»، بما في ذلك بعض «تقنيات التصنيع الإيرانية لمكونات معينة شديدة الانفجار».

وتعتبر الوثائق التفصيلية الواردة في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية مختلفة تمام الاختلاف عن تلك التي صدرت عام 2003 عندما ادعت الولايات المتحدة وبريطانيا أن العراق كان يسعى لإحياء برنامجه النووي. ووقتئذ حذرت الوكالة من أن حجة إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش كانت ضعيفة وأن بعض الأدلة كانت مزورة، والآن تؤكد الوكالة أن السنوات التي قضتها في الدراسة قد أدت إلى استنتاج مفاده أن إيران قد شرعت في برنامج نشط لتصميم رؤوس نووية، من بين تقنيات أخرى، على الرغم من أن إيران تنفي ذلك.

وقال دبلوماسي غربي مطلع على التقرير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته؛ لأنه كان يناقش تقييم الوكالة الداخلي للتقرير: «إن مستوى التفاصيل الواردة في التقرير أمر لا يصدق؛ حيث يصف التقرير تقريبا جميع الخطوات اللازمة لصنع رؤوس نووية والتقدم الذي حققته إيران في كل من هذه الخطوات».

ومع ذلك، لم تكن الأدلة الجديدة مفاجئة لإدارة أوباما، التي كانت تمتلك بعض هذه المعلومات الاستخباراتية منذ سنوات، لكنها قد وضعت مزيدا من الضغوط على إيران، مع الوضع في الاعتبار فقدان المصداقية التي عانتها الولايات المتحدة نتيجة المعلومات الاستخباراتية الخاطئة عن البرنامج النووي العراقي.

والآن، تواجه الولايات المتحدة مجموعة جديدة من الخيارات الصعبة؛ حيث تأثرت إيران نتيجة العقوبات المفروضة عليها منذ سنوات، لكن التقرير يوضح أن هذه العقوبات لم تجبر إيران على إعادة النظر في برنامجها النووي. وقد عادت الجهود الرامية إلى وقف البرنامج الإيراني إلى 10 سنوات مضت؛ حيث تم اللجوء إلى فيروس كومبيوتر يدعى «ستوكس نت»، الذي يبدو أنه عبارة عن عمل مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة. لم يرد ذكر ذلك في التقرير، لكن الخبراء يقولون إنه ساعد على إبطاء عملية تخصيب اليورانيوم في إيران.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه إسرائيل عن ضرورة شن عمل عسكري، أكدت كل من إدارة بوش وإدارة أوباما أن شن أي غارات جوية على إيران لن يفلح في إبطاء البرنامج الإيراني، وأن ذلك سوف يزيد من السرية المفروضة على البرنامج.

* خدمة «نيويورك تايمز»