برلسكوني مؤكدا عزمه على الاستقالة: أشعر أنني أصبحت حرا

قال إنه يشعر بحزن إزاء انشقاق حلفائه عنه.. والرئيس بين خياري حكومة جديدة أو انتخابات مبكرة

الأمين العام لحزب «شعب الحرية» أنجيلينو ألفانو أثناء وصوله إلى مقر إقامة برلسكوني في روما أمس.. وقال برلسكوني إنه ينوي تسليم قيادة الحزب الآن إلى ألفانو (أ.ب)
TT

اضطر رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني الذي طبع الحياة السياسية الإيطالية خلال السنوات الـ17 الأخيرة، إلى الإقرار بالهزيمة والموافقة على تقديم استقالته فور إقرار الإجراءات المتفق عليها مع الاتحاد الأوروبي لتجنب تفشي أزمة اليورو. وفي تأكيد لقراره، أعلن برلسكوني أمس أنه لن يترشح في حال جرت انتخابات مبكرة، وقال في مقابلة نشرتها صحيفة «لا ستامبا» أمس: «لن أترشح واشعر، حيث إنني أصبحت حرا»، موضحا أنه ينوي تسليم قيادة حزبه لنائبه أنجيلينو ألفانو. وأضاف: «إنه عهد ألفانو وسيكون هو مرشحنا. إنه رجل جيد وقيادته قبلت من الجميع».

وكان برلسكوني أعلن مساء أول من أمس أن «الحكومة لم تعد لديها الأغلبية التي كانت تعتقد أنها تحظى بها» في البرلمان، و«المهم هو القيام بما هو خير للبلاد». وجاء تنحيه مهينا له؛ إذ صدر إعلان استقالته عن رئاسة الجمهورية إثر اجتماع مع الرئيس جورجيو نابوليتانو. وأوضح البيان الرسمي أن برلسكوني سيتخلى عن مهامه فور إقرار البرلمان الإجراءات المالية والإصلاحات الاقتصادية المطلوبة. وأصدر الرئيس نابوليتانو بيانا آخر قال فيه إنه يتعين تشكيل حكومة جديدة أو الدعوة لإجراء انتخابات بعد إقرار قانون مالي جديد واستقالة رئيس الحكومة برلسكوني.

وفقدت حكومة برلسكوني أغلبيتها أول من أمس في مجلس النواب الذي أقر قطع حساب الميزانية العامة بعد امتناع المعارضة ومجموعة من «المستائين» من صفوف حزب برلسكوني «شعب الحرية» عن التصويت. وقال برلسكوني في حديث آخر مع شبكة «راي أونو» العامة، إنه «شعر بحزن كبير، بل وألم» إزاء انشقاق سبعة من أعضاء حزب «شعب الحرية» قال إنه كان يرتبط بهم «ليس بعلاقة تعاون سياسي فسحب؛ بل كذلك بعلاقة صداقة إنسانية».

وتحت وطأة الصدمة الناتجة عن التصويت، عمد على وجه السرعة إلى عقد اجتماع ضم ذراعه اليمنى جيانا ليتا وأقرب مقربيه من أقطاب رابطة الشمال حليفه الرئيسي، قبل التوجه إلى قصر الرئاسة. وشدد على وجوب إقرار تدابير التقشف والإصلاح المتفق عليها على وجه السرعة لأن «الأسواق لا تعتقد أن إيطاليا لها القدرة أو النية في إقرار هذه الإجراءات التي طالبت بها أوروبا». ويفترض إقرار الإجراءات التي فرضها الاتحاد الأوروبي بحلول 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي في مجلس الشيوخ وقبل نهاية الشهر في مجلس النواب. وشدد برلسكوني على أنه سيطلب من المعارضة الوسطية ومن اليسار التصويت عليها لتسريع العملية.

وبعد إقرار الإجراءات، سيستقيل برلسكوني وسيبدأ الرئيس الاستشارات مع جميع الأحزاب السياسية لمحاولة تشكيل حكومة جديدة. وفي حال لم يتوصل إلى ذلك لعدم توافر أغلبية كافية، يعمد إلى حل مجلسي البرلمان لتنظيم انتخابات مبكرة عن موعدها الطبيعي عام 2013. وقال برلسكوني إنه يرجح هذه الفرضية، مشيرا إلى أن القرار يعود للرئيس.

ورئيس الوزراء مقتنع بأنه لن يكون من الممكن تشكيل حكومة تملك أغلبية ثابتة، مما سيحتم العودة إلى صناديق الاقتراع.

ودعا حليف برلسكوني الرئيسي زعيم رابطة الشمال أومبرتو بوسي إلى تنحي رئيس الوزراء لصالح الأمين العام لحزبه أنجيلينو ألفانو الذي سيتمكن من تشكيل حكومة موسعة لتضم الوسطيين. غير أن هناك أسماء أخرى مطروحة منها جياني ليتا الذي يحظى بتقدير الديمقراطيين المسيحيين السابقين الذي يشكلوا القسم الأكبر من الوسطيين.

وقال مارك لازار، الخبير السياسي المتخصص في شؤون إيطاليا: «إنها بالتأكيد نهاية هذه الحكومة، لكن ربما أيضا نهاية عهد» هو عهد برلسكوني الذي قاد إيطاليا ثلاث مرات منذ دخوله الحياة السياسية قبل 17 عاما (سبعة أشهر في 1994 ثم في 2001 - 2006 ومنذ 2008). كما ستكون نهاية مسار شخص يتمتع بشخصية قوية ويتحدر من الطبقة البورجوازية في ميلانو، عمل في مطلع حياته في بيع مكانس كهربائية وتنظيم رحلات سياحية، قبل الانتقال إلى المقاولات وتأسيس شبكات تلفزيونية خاصة ليصبح أحد كبار أثرياء إيطاليا. وثمة احتمال آخر هو أن يتمكن الرئيس نابوليتانو من تشكيل حكومة وحدة وطنية مدعوما من مجموعة واسعة من الأحزاب، ترأسها شخصية مستقلة مثل المفوض الأوروبي السابق والخبير الاقتصادي ماريو مونتي.

وعبر معظم الصحف الإيطالية أمس عن أسفه «للاستقالة البطيئة» لبرلسكوني، وحاول بعضها تصور إيطاليا دون رئيس حكومة ترك بصماته بقوة على سياسة البلاد. وكتبت صحيفة «كوريري ديلا سيرا» تحت عنوان «الاستقالة ببطء» أن العملية التي أقرت يمكن أن «تسبب بعض الغموض الذي قد يكون مدمرا لبلد يواجه المضاربات المالية منذ أشهر». من جهتها، حاولت صحيفة «لا ستامبا» تصور إيطاليا «دون بي» معبرة عن أملها في أن تبني إيطاليا «نظاما دون نكات وسوقية» وتصبح «ديمقراطية سليمة وراضية عن نفسها».

وفي باريس، قال وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه بعد إعلان برلسكوني عزمه على الاستقالة، إن فرنسا تتوقع من الحكومة الإيطالية تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها بسرعة من أجل إحلال الاستقرار في منطقة اليورو. ووصف جوبيه استقالة برلسكوني بالخبر الجيد، مؤكدا أنه «يعود للإيطاليين أن يقرروا من سيتولى رئاسة حكومتهم».