تونس: هيئة الدفاع عن رئيس وزراء القذافي تطلب تدخل راشد الغنوشي لمنع تسليمه إلى ليبيا

رئيس وزراء ليبيا السابق: قطر تسعى للعب دور أكبر في شؤون بلدنا

ليبيون عائدون إلى بلادهم من مالطا بعد أن غادروها أثناء المعارك التي نشبت خلال الأشهر الماضية بين الثوار وكتائب القذافي (أ. ف. ب)
TT

لم تفلح تعهدات المجلس الوطني الانتقالي الليبي في توفير محاكمة عادلة ونزيهة للدكتور البغدادي المحمودي، آخر رئيس وزراء العقيد الراحل معمر القذافي، في حال إقدام السلطات التونسية على تسليمه، في طمأنة فريق دفاع المحمودي، ولا المنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، التي حذرت من أن يلاقي المحمودي نفس مصير القذافي.

ولم تكن تأكيدات المستشار عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي، لوكالة الصحافة الفرنسية، أمس، بأن المحمودي سيحاكم «محاكمة عادلة» إذا تم تسليمه إلى ليبيا كما قرر القضاء التونسي، كافية على ما يبدو أمس لفتح الطريق نحو عودة المحمودي إلى وطنه الأصلي معتقلا تمهيدا لمحاكمته.

ويسعى المجلس الانتقالي للشروع في محاكمة كل رجال عهد القذافي والمقربين منه المعتقلين حاليا في سجون داخل ليبيا، لكن الطريقة التي قتل بها القذافي وابنه المعتصم بالإضافة إلى تعرض بعض المعتقلين للضرب والاعتداء في ظروف غامضة، تثير شكوكا حول مدى نجاح المجلس الانتقالي في إقناع الثوار المسلحين بالالتزام بمعايير حقوق الإنسان وعدم الإقدام على أي ممارسات انتقامية.

وفي غضون ذلك، كشف مبروك كرشيد أحد أعضاء هيئة الدفاع عن المحمودي، عن نيته طلب تدخل شخصي من قبل راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، لمنع تسليم المحمودي إلى سلطات المجلس الانتقالي الليبي.

وقال كرشيد لـ«الشرق الأوسط» إنه وجه رسالة إلى فؤاد المبزع، رئيس الجمهورية المؤقت، يطلب منه فيها عدم التوقيع على قرار تسليم موكله إلى السلطات الليبية، معتبرا أن للمبزع السلطة التقديرية النهائية في توقيع قرار تسليمه من عدمه. وقال أيضا إن هيئة الدفاع قدمت لأول مرة في تاريخ القضاء التونسي قضية استعجالية إلى المحكمة الدولية لمناهضة التعذيب التي يوجد مقرها في جنيف (سويسرا) حتى تمنع تونس من تسليم المحمودي، باعتبارها عضوا في هذه المنظمة، وبإمكانها القضاء بعدم تسليم شخص هناك مخاطر حقيقية بشأن تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة، على حد قوله.

ووجه كرشيد انتقادات للحكومة التونسية المؤقتة نظرا لسعيها للإسراع في غلق ملف البغدادي خلال الفترة الانتقالية قبل أن تنتصب الشرعية الجديدة في تونس، وهو ما جعل هيئة المحكمة التونسية تقدم جلسة النظر في قضية المحمودي من 22 إلى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وهو ما يؤكد تلك الشكوك، يقول كرشيد، الذي أوضح أن المحكمة الدولية لمناهضة التعذيب ستبت في القضية خلال ستة أيام على أقصى تقدير، وبالتالي على السلطات التونسية أن تمتنع عن تنفيذ أي إجراء خلال هذه المدة.

وقال كرشيد إن حملة دولية قوية تساند موقف هيئة الدفاع، وتقر بوجود مخاطر على حياة المحمودي، خاصة أن صورة النهاية التي عرفها العقيد القذافي ما زالت في الأذهان، مشيرا إلى أن منظمة العفو الدولية وجهت نداء إلى 150 دولة من دول العالم لمناصرة ملف المحمودي كما وجهت منظمة «هيومن رايتس ووتش» نداء عالميا لمنع تسليمه إلى السلطات الجديدة في ليبيا.

وحول إمكانية إسراع السلطات التونسية في تسليمه كما وعد بذلك الباجي قائد السبسي، رئيس الحكومة المؤقتة، خلال آخر زيارة له إلى ليبيا، وكما صرح بذلك عبد الجليل، قال كرشيد إنه من المفروض ألا تسلمه السلطات التونسية خلال هذه الفترة وقبل أن تبت المحكمة الدولية في تلك القضية الاستعجالية.

ويعترف مسؤولون في المجلس الانتقالي، الذي يعتبر أعلى هيئة سياسية للثوار، بصعوبة السيطرة عليهم وكبح جماحهم سواء فيما يتعلق بمنح المعتقلين من أتباع القذافي الفرصة الكاملة للمحاكمة العادلة أو بنزع أسلحة الثوار أنفسهم ودمجهم في مؤسسات الشرطة والجيش الوطني.

وقال مسؤول سابق في حكومة القذافي لـ«الشرق الأوسط»: «هذا اختبار حقيقي وقاس للثوار، سيتعين عليهم أن يقدموا الآن أنهم كسياسيين يحترمون القانون، هذا أمر لم يعتادوه من قبل».

ولفت المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه، في اتصال هاتفي من خارج ليبيا، إلى أن كشف كل الملابسات التي أحاطت بنظام القذافي ستضيع في النهاية بكل أسرارها الداخلية والخارجية إذا لم يخضع الثوار للقانون.

وإزاء حملة الضغوط التي يتعرض لها المجلس الانتقالي لتوفير محاكمات عادلة لرموز وبقايا نظام القذافي، دعا عبد المجيد سعد، وكيل نيابة بمكتب النائب العام في ليبيا، جميع المنظمات الحقوقية الدولية لزيارة ليبيا، من أجل الاطلاع على ظروف اعتقال ومحاكمة المحمودي.

وأكد أن كبار معاوني القذافي المعتقلين حاليا في ليبيا يقيمون في ظروف صحية داخل سجون تابعة لوزارة العدل، وتخضع للإشراف المباشر للنائب العام الليبي، ويتمتعون داخل السجن بكل وسائل العيش التي كانوا يتمتعون بها في منازلهم خلال فترة حكم القذافي.

ويوجد ضمن المعتقلين، عبد العاطي العبيدي وزير الخارجية السابق، ومنصور ضو قائد الكتائب الأمنية للقذافي، وأبو زيد دوردة رئيس جهاز مخابرات القذافي، ومحمد أبو القاسم الزوي رئيس البرلمان، وأحمد إبراهيم وزير التعليم الأسبق.

وقال عبد الجليل في أول تعليق رسمي له على الجدل الخاص بتسليم ومحاكمة المحمودي «سنؤمن له مكانا آمنا أولا وبعد ذلك سنضمن له محاكمة عادلة على الرغم من الأعمال التي قام بها ضد الشعب الليبي».

إلى ذلك، وفي تطور مفاجئ، قالت تقارير نشرتها عدة مواقع إلكترونية ليبية أمس، إن ثوار مصراتة أفرجوا عن الفريق بشير الصغير هوادي، أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة، التي قادها القذافي عام 1969 ضد العاهل الليبي الراحل إدريس السنوسي، مشيرة إلى أن الإفراج غير المتوقع عن الصغير، تم بمناسبة عيد الأضحى في إطار عفو شمل أكثر من 200 معتقل.

ومن المنتظر أن تصدر الحكومة الانتقالية التي يترأسها الدكتور عبد الرحيم الكيب، وسيعلن عنها خلال أسبوعين، عدة قوانين تمهد الطريق نحو ما يصفه الليبيون بـ«محاكمة القرن» لكل المتورطين من أتباع القذافي في جرائم حرب أو رشى مالية وسياسية.

على صعيد آخر، اتهم رئيس وزراء ليبيا السابق محمود جبريل، في تصريحات أذيعت أمس قطر بأنها تحاول لعب دور أكبر بكثير في شؤون بلاده، وتؤيد فصائل لم يسمها.

وكانت قد لعبت دورا رئيسيا في التحالف الدولي الذي ساعد في الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي في أكتوبر (تشرين الأول) بعد أكثر من 40 عاما في الحكم.

وفي مقابلة مع قناة «العربية» ومقرها دبي، قال جبريل الذي استقال في أكتوبر بعد القبض على القذافي ومقتله «قطر قدمت الكثير للثورة الليبية في بدايتها حقيقة وقامت بدور لا يمكن أن ينسى». وتابع جبريل دون أن يوضح «لكن أعتقد أن قطر الآن تحاول أن تقوم بدور أكبر من إمكانياتها الحقيقية».

وتحاول قطر وهي حليف للولايات المتحدة لعب دور بارز في الصراعات الإقليمية وتتوسط غالبا لحل الصراعات بما في ذلك في اليمن والسودان.

وفي وقت سابق هذا العام لعبت قطر دورا رئيسيا في صدور قرار من الجامعة العربية مهد الطريق أمام قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية المدنيين في ليبيا بعد اندلاع انتفاضة هناك في فبراير (شباط) الماضي، كما شاركت طائرات وقوات من قطر في الحملة التي قادها حلف شمال الأطلسي في ليبيا.

وقال مسؤولون ليبيون ودبلوماسيون غربيون إنهم يعتقدون أن قطر تقدم أموالا ومساعدة فنية لقادة عسكريين إسلاميين في ليبيا.

ولم يرد على الفور تعليق من قطر على تصريحات جبريل لكنها تنفي التدخل في شؤون الدول الأخرى وتقول إنها تستخدم مواردها ونفوذها من أجل صالح كل العرب. كما اتهم جبريل قطر بالوقوف إلى جانب فصائل لم يسمها في الحرب في ليبيا.

وقال رئيس الوزراء الليبي السابق: «قطر تمتلك ما يمكن أن يسمى أدوات القوى الناعمة. المال والإعلام. لكن سواء قطر أو غير قطر كل الدول عندما تصل إلى مرحلة يسمونها علماء السياسة الانتشار الأكثر من الإمكانيات هذا يؤدي إلى الانكسار من الوسط».

وأضاف جبريل أن قطر حاولت دائما لعب دور في الصراعات بالمنطقة بما في ذلك في إقليم دارفور بالسودان والقضية الفلسطينية. وقال: «الدور القطري في ليبيا إذا كان دورا يلبي مصالح الشعب الليبي فهو دور مرحب به لكن عندما تنحاز قطر إلى فئة أو إلى فئة ما ضد بقية الشعب الليبي فهذا قد لا يكون في صالح الشعب الليبي».

ومضى يقول: «ليبيا لن تكون تابعة لأحد سواء قطر أو غيرها ولا الولايات المتحدة ولا فرنسا ولا بريطانيا. نحن نشكر كل هؤلاء الحلفاء على دعمهم ومساندتهم للشعب الليبي لكن لا أعتقد أن الليبيين قد يقبلون بتدخل خارجي أو أن أي أحد (ينتهك) سيادتهم».