العراق يستعيد سيادته على الفضاء بلا طائرات أو منظومات دفاع جوي

القوات الأميركية تسلم ثاني أكبر محطة جوية في العالم بعد مطار هيثرو للعراقيين

TT

حتى نهاية حرب الخليج الأولى (1980 - 1988) التي نشبت بين العراق وإيران كان العراق يفاخر بأنه يملك أقوى أسطول من الطائرات الحربية المقاتلة فضلا عن واحدة من أفضل منظومات الدفاع الجوي. وخلال تلك الحرب الطويلة بين البلدين لعب الطيران المقاتل دورا فاعلا فيها مع تمكن العراق آنذاك من استمرار تطوير دفاعاته الجوية سواء بالصواريخ أو بأنظمة الرادار بالإضافة إلى شرائه المزيد من الطائرات المتطورة من الاتحاد السوفياتي آنذاك وفرنسا بما فيها «الميراج» وطائرات «السوبر اتندار» التي قصفت جزيرة خرج الإيرانية في أقصى الخليج العربي. لكن بعد عام 1990 وخلال غزو الكويت تمكنت قوات التحالف الدولي من شل قدرة الطيران الحربي ومنظومات الدفاع الجوي العراقي إلى درجة الصفر المئوي. وبينما أودع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين العشرات من طائراته المقاتلة لدى عداوته اللدودة إيران، ودفن بعضها الآخر تحت التراب، فإن الحصار الذي فرض على العراق طوال 13 عاما لم يتح للنظام السابق التفكير بإعادة الهيمنة الجوية التي كان يملكها العراق على سماء المنطقة. وبعد عام 2003 وعلى أثر احتلال العراق ومع حل الجيش وكل مؤسساته فإن الطبقة السياسية التي تولت الحكم لم تضع في حسبانها اليوم الذي تواجه فيه موقفا كالذي وضعها فيه الجانب الأميركي عندما بدأ بسحب قواته البرية والجوية من العراق دون أن يتم بناء جيش قادر على الدفاع داخليا أو خارجيا.

فمن الناحية العملية لم يتبق أمام انسحاب آخر الجنود الأميركان من العراق أقل من شهرين، وإذا كانت الجهات العراقية المسؤولة تتحدث عن وجود قدرات فنية وقتالية لحماية الجبهة الداخلية إلا أنه ليس بوسع أحد من السياسيين العراقيين بمن في ذلك المتخاصمون منهم الحديث عن قدرة ولو محدودة للجيش العراقي في الدفاع عن حياض الوطن في حال تعرضه لعدوان خارجي.

النظرية التي ينطلق منها كبار المسؤولين أن العراق لم يعد يهدد أحدا من الجيران وبالتالي فإن كل جيران العراق ورغم الاتهامات الموجهة لهم جميعا بالتدخل بالشأن العراقي فإنهم جميعا ليسوا عدوانيين بالدرجة التي تجعلهم يمكن أن يجتاحوا العراق بريا. فهم إما أصدقاء للولايات المتحدة الأميركية وهو ما يجعلهم «يحترمون» هذه الصداقة مثل تركيا أو الكويت أو هم أعداء مع الولايات المتحدة وهو ما يجعلهم «يخشون» التدخل العسكري خشية أن تتحول إلى مواجهة مفتوحة مع الأميركان الذين هم أصلا قريبون من المنطقة بأساطيلهم وقواعدهم.

لكن المفارقة اللافتة أن من باتوا يصنفون أصدقاء للولايات المتحدة هم بدرجة ما خصوم للطبقة السياسية الحاكمة في العراق اليوم، وبالعكس فإن من يصنفون كأعداء للولايات المتحدة فهم أصدقاء للطبقة السياسية الحاكمة في العراق. في ظل هذه الأجواء الملتبسة انسحبت الجيوش الأميركية من قاعدة بلد، وهي آخر قاعدة جوية عراقية أول من أمس، وهو ما يعني استعادة العراق سيادته الجوية. غير أن المفارقة الأهم هي أن هذه السيادة بلا مستلزمات. وفي الوقت الذي اعتبر فيه رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حسن السنيد أنه «بعد مغادرة آخر طائرة أميركية أجواء العراق، أول من أمس، فإن العراق سيعتبر أية طائرة تخترق أجواءه دون إذن مسبق طائرة معادية وسيتعامل معها وفقا للالتزامات الوطنية والدولية». من جهته أكد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حامد المطلك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «في الوقت الذي يشعر العراقيون فيه بالفرح لمغادرة الجيوش الأميركية سواء كانت برية أم جوية وهو ما يجعلهم يستعيدون سيادتهم ويتحملون مسؤولية ما يترتب على ذلك إلا أن الاحتلال هو من يتحمل مسؤولية بقاء العراق بلا جيش قوي وبلا أسلحة». واعتبر المطلك أن «السياسة التي اتبعها الأميركان تبدو سياسة مقصودة حيث إنهم أمعنوا تدميرا في العراق وجعلوه لقمة سائغة لكل من هب ودب بعد أن كان جيشه من أقوى الجيوش وطيرانه من أقوى الطيران». وحمل المطلك الطبقة السياسية الحالية في العراق «مسؤولية عدم بناء جيش قوي حيث إنها اهتمت بأمور أخرى مثل تدعيم مراكزها في السلطة وبناء جيش يعتمد على الميليشيات وغير مهني بالإضافة إلى أن عمليات الفساد المالي حالت دون تسليح حقيقي للجيش العراقي». وبشأن الكيفية التي يمكن للعراق مواجهة فضاء مفتوح، قال المطلك «إننا في الواقع لا نملك حاليا ما ندافع به وهو أمر يستدعي السرعة في تجهيز الجيش بالطائرات ومنظومات الدفاع الجوي لكي نستكمل سيادتنا بالفعل».

وكان متحدث باسم القوات الأميركية في العراق قد أعلن أول من أمس أن القوات الأميركية سلمت قاعدة بلد الجوية شمال بغداد التي كانت أحد أهم مقارها في العراق. وقال المصدر لوكالة الصحافة الفرنسية «قمنا بتسليم قاعدة بلد أمس (الثلاثاء الماضي) إلى السلطات العراقية».

وأوضح أنه «في 2006، كان يصل إلى قاعدة بلد 27 ألفا و500 شخص بين مغادرة ووصول وكانت تعد حينذاك ثاني أكبر محطة في العالم بعد مطار هيثرو في لندن».

وكانت الوحدة الجوية الـ332 إحدى وحدات القوة الجوية الأميركية، آخر المغادرين من بلد.

وقال المصدر إن «بلد كانت أفضل مركز طبي تمكن من الحفاظ على حياة 98 في المائة من الجنود الأميركيين والعراقيين الذين أصيبوا بجروح» خلال الأعوام الماضية.