مطالبة المالكي للبعثيين بالبراءة تثير جدلا سياسيا وقانونيا في العراق

قيادي بـ«العراقية»: الدعوة تأتي في توقيت مريب ومتزامن مع الانسحاب الأميركي

TT

أثارت الدعوة التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي للبعثيين لـ«إعلان التوبة والبراءة من حزب البعث» جدلا سياسيا وقانونيا في العراق، وذلك لجهة تعارضها مع القانون المعمول به طبقا للدستور العراقي وهو قانون المساءلة والعدالة، فضلا عن أنها تحيي ذكريات أليمة بالنسبة لأحزاب سياسية عراقية لها تاريخ طويل في العمل السياسي، مثل الحزب الشيوعي العراقي، بينما تعتبر من وجهة نظر أكبر شريك للمالكي الآن وهو ائتلاف العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي بمثابة إعلان صريح عن مشروع المصالحة الوطنية.

وفي هذا السياق، تحدث قياديون في الحزب الشيوعي العراقي ودولة القانون والقائمة العراقية، لـ«الشرق الأوسط»، إذ أكد عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي أن «هذه الدعوة ترتبط في أذهاننا نحن القوى والأحزاب السياسية التي كانت تعمل في الساحة العراقية بممارسات كانت مرفوضة تماما بالنسبة لنا ولقيادات الدعوة وباقي الأحزاب من قبل النظام السابق ورئيسه صدام حسين الذي كان كلما يحلو له يصدر تصريحا أو أمرا ارتجاليا»، مشيرا إلى أن «انتزاع البراءة من حملة الفكر، أي فكر مهما كان، يعتبر أمرا مرفوضا مهما كانت المسوغات لذلك، لأن البراءة أو التوبة بهذه الطريقة ليست هي الحل من وجهة نظرنا، لأنها تثير شعورا بعدم الارتياح بل وتذكرنا بالنزعة المكارثية التي بدأت في الولايات المتحدة الأميركية من قبل».

وأكد فهمي أن «من بين المخاطر التي قد تحملها هذه الدعوة بإعلان البراءة أنها يمكن أن تفتح الطريق أمام البعث الصدامي وذلك بأن يستعيد وضعه ويستفيد من هذه البراءة والتوبة، بينما يعيد تنظيم صفوفه»، مشيرا إلى أن «الحل يكمن في القانون والدستور، وهما يكفيان لمعالجة مثل هذه القضايا ما دام لدينا قانون، وهو قانون المساءلة والعدالة، ويمكن أن يتم كل شيء عن طريق القضاء».

من جهته، اعتبر القيادي في ائتلاف دولة القانون إحسان العوادي، أنه «ليس هناك وجه مقارنة بين ما كان يصدره النظام السابق ورئيسه صدام حسين من قوانين وإجراءات، وما أعلنه رئيس الوزراء من دعوة تأتي في إطار المصالحة الوطنية، وبالتالي فهي ليست أمرا مفاجئا بقدر ما هي محاولة لاستيعاب أكبر قدر ممكن من القيادات البعثية التي تريد التوبة».

وأضاف العوادي أن «صدام حسين لم يكن يطلق دعوات براءة إلا من باب ذر الرماد في العيون، بل كان كل ما يفعله في خصومه وبخاصة من حزب الدعوة والأحزاب الإسلامية الأخرى هو رميهم في المقابر الجماعية التي ملأت العراق ولا تزال تفتح حتى اليوم»، مؤكدا أنه «من الضروري التفريق بين ما دعا إليه المالكي وما كان يجري من ممارسات في السابق لا تمت لا لقانون أو عرف أو حقوق إنسان». وأوضح أن «دعوة المالكي ليست مصادرة لقانون المساءلة والعدالة، بل هي تعزيز له، وأن الهدف هو إعطاء فسحة جديدة من الأمل لمن هم مغرر بهم، خصوصا أن الدعوة شملت القيادات البعثية، وهو أمر يعتبر تطورا مهما في كيفية التعامل مع البعثيين مستقبلا».

أما القيادي في القائمة العراقية عصام العبيدي، فقد اعتبر «دعوة المالكي تذكرنا بما يمارسه الديكتاتوريون في العالم من حيث إصدار أحكام ارتجالية في وقت يفترض فيه أن يكون لدينا دستور وقانون ونظام ديمقراطي معلن على الأقل، وبالتالي فإن دعوة من هذا النوع لا يمكن النظر إليها إلا على كونها تأتي في توقيت مريب ومتزامن مع الانسحاب الأميركي من العراق، لا سيما أنها تأتي بعد حملة اعتقالات والتهديد بحملة أخرى». واعتبر العبيدي أن «هذه الدعوة أنهت عمليا مشروع المصالحة الوطنية لأنه من الصعب التعامل مع آلية من هذا النوع، وكل ما في الأمر أن المالكي بات يخرج يوميا ورقة من جيبه ليشهرها في وجه خصومه السياسيين كجزء من عمليات الضغط». قانونيا، اعتبر الخبير القانوني إبراهيم الصميدعي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التصريح في حد ذاته يعد ارتجاليا ما لم يتم إصدار أمر ديواني في هذا الخصوص، لأننا حيال مسألة تخضع للقانون والدستور، ورئيس الوزراء مقيد بذلك»، مشيرا إلى أن «المسألة تحتاج إلى تشريع لأنها لم تصدر عن حاكم يمكن أن يتحول كلامه بالتلفزيون إلى تشريع، وفي هذا الإطار فإننا نحتاج إلى آلية لإنضاج مثل هذه المسألة مثل الذهاب إلى المحكمة الاتحادية التي يمكن أن تحول هذا الكلام إلى تشريع برضا القوى السياسية المختلفة». على صعيد متصل، أكد مصدر في مجلس الوزراء العراقي أنه «ليست هناك صلة بين حملة الاعتقالات التي طالت بعثيين متهمين بتدبير انقلاب يستهدف العملية السياسية، وبين الموقف العراقي الرسمي مما يجري في سوريا». وقال المصدر الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه لـ«الشرق الأوسط» إننا «قلنا أكثر من مرة إننا من حيث المبدأ مع حق الشعوب في نيل حريتها، وإن العراق لم يساند (البعث) هناك ويحاربه هنا، فالبعثيون يمارسون عملهم بشكل طبيعي ما عدا أولئك الذين ثبت لدينا أنهم يخططون لعمل انقلاب، كما أن استهداف سوريا يمكن أن يؤثر على العراق بكيفية ما وهو ما يتطلب التعامل بحذر مع هذا الملف».