أزمة الديون تهدد الاتحاد الأوروبي بالانقسام

بريطانيا تحذر من خلق «اتحاد داخل اتحاد».. وتتوجس من خطط تضر بالقطاع المالي في لندن

TT

بدأت بوادر صراع جديد في الظهور كأثر جانبي للمعركة العاجلة التي يتم خوضها لإنقاذ إيطاليا واليونان من الإفلاس، وهو صراع حول القوة والنفوذ داخل الاتحاد الأوروبي الذي يهدد بانقسامه إلى جزأين، واحد يمثل القلب الداخلي الذي يحدد السياسة الاقتصادية للقارة الأوروبية، وآخر مجبر على اتباع تلك السياسة. وأول من أمس حث نيك كليغ، نائب رئيس وزراء بريطانيا التي تعد عضوا بارزا في الاتحاد الأوروبي ولكنها لا تزال خارج منطقة اليورو، الدول الـ17 التي تتعامل باليورو على عدم خلق «اتحاد داخل اتحاد» خلال مساعيها لإنقاذ العملة الموحدة.

وقد جاءت تصريحاته تلك بعد يومين فقط من الاجتماع السري الذي عقدته الدول الـ10 في الاتحاد الأوروبي الواقعة خارج منطقة اليورو على العشاء في أحد فنادق بروكسل، بينما كان وزراء مالية منطقة اليورو يحاولون أسفل منهم إيجاد حل لأزمة اليونان. وكان اجتماع الدول التي لا تتعامل باليورو بمثابة إنذار بأنهم ينوون الدفاع عن مصالحهم، في الوقت الذي تحاول فيه أوروبا الحد من تداعيات أزمة الديون.

وعلى الرغم من أن المبدأ الذي بني على أساسة الاتحاد الأوروبي هو أن الدول الأعضاء تتكامل معا في مواجهة الأزمات، فإن هذا المبدأ بدأ في التفكك مع بدء التعامل باليورو وإنشاء منطقة شنغن للسفر دون جوازات سفر، حيث اختارت بعض دول الاتحاد عدم الاشتراك في أي منهما أو عدم الاشتراك في كليهما معا. وقد تكون الحاجة الملحة لدول منطقة اليورو للتخلي عن مزيد من السيطرة على مواردهم المالية لإنقاذ عملتهم هي التحدي الأكبر حتى الآن.

وتشعر بريطانيا بالقلق من أن الرؤية الاقتصادية لفرنسا الأكثر دولانية ستحظى بتأييد كبير بين دول منطقة اليورو المتكاملة لأن الدول الأكثر توجها إلى اقتصاد الأسواق الحرة - مثل بريطانيا والسويد والدنمارك وبولندا - سيتم استبعادها. والأسوأ من ذلك هو أن دول منطقة اليورو الـ17 قد تعقد اتفاقات في ما بينها قبل حتى أن تكون دول الاتحاد الأوروبي الـ27 قد ناقشت القضايا التي تؤثر على جميع الأعضاء.

وقد أثار الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، الثلاثاء هذه المخاوف من جديد عندما قال إن نموذج «أوروبا ذات سرعتين» هو السبيل الوحيد للمضي قدما، نظرا لاحتمال انضمام مزيد من البلدان إلى الاتحاد الأوروبي. وأفادت وكالة «رويترز» أن ساركوزي قال للطلاب الفرنسيين في مدينة ستراسبورغ: «نحن الآن 27 عضوا في الاتحاد، ومن الواضح أننا سنضم إلينا في وقت لاحق دول منطقة البلقان، وبالتالي سيصل عدد الدول الأعضاء إلى نحو 32 أو 33 أو 34. ولا يعتقد أحد أن الفيدرالية أو الاندماج الكلي قد يكونان شيئا ممكنا في ظل وجود هذا العدد من الدول».

وقد ناشد رئيس المفوضية الأوروبية، خوسيه مانويل باروسو، جميع الدول الأعضاء بالحفاظ على وحدتهم، في تصريحات كانت معدة ليلقيها الأربعاء، حيث قال: «إن الاتحاد المنقسم لن يكون صالحا لدول أوروبا، فهو يصلح فقط للدول ذات الأهداف المتناقضة، حيث يتكون اتحاد مثل هذه الدول من قلب أساسي متكامل وهيكل خارجي منفصل، وهو اتحاد يتسم بانعدام توازن القوى بداخله بشكل مضر».

وتشعر دول الاتحاد الموجودة خارج منطقة اليورو بقلق بالغ. وأشاد جاسيك روستوفسكي، وزير المالية في بولندا، التي تقع خارج منطقة اليورو، بتعميق التكامل داخل منطقة اليورو، يوم الثلاثاء، لكنه رحب أيضا بـ«أي إجراءات إضافية تضمن أن هذا التعميق للتكامل لن يترجم إلى فجوة بين الدول منطقة اليورو الـ17 والدول الـ10 الموجودين خارجها».

وأكد كليغ في خطابه الذي ألقاه في بروكسل على هذه النقطة، فقال: «ينبغي علينا التأكد من وجود ضمانات مع عملية إعادة الهيكلة التي تحدث في منطقة اليورو، كما أنه يجب دائما أن تشترك الدول الأعضاء الـ27 كلها في اتخاذ القرارات التي سيكون لها تأثير عليهم جميعا». وتشعر بريطانيا بانزعاج شديد من أن يؤدي النفوذ الفرنسي إلى وضع سياسة اقتصادية تزيد من الأعباء التنظيمية المفروضة على القطاع المالي الواسع في بريطانيا.

وأوضح كليغ مدى معارضته للخطط المالية التي تدعمها ألمانيا وفرنسا والتي تهدف إلى فرض ضريبة على المعاملات المالية في أوروبا، محتجا بأن هذا من شأنه أن «يكون له تأثير غير متناسب بشكل كبير على مدينة لندن»، وخصوصا على القطاع المالي. وتشعر بريطانيا بقلق خاص من التهديدات التي تتعرض لها السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، الذي يسعى إلى توحيد سياسات التبادل التجاري على مستوى جميع الدول الأعضاء.

ويشير الاجتماع الذي عقدته الدول الـ10 الواقعة خارج منطقة اليورو يوم الاثنين على العشاء، وهو الاجتماع الثاني من نوعه، إلى أن هذه الدول على الرغم من ذلك منقسمة في ما بينها، على الأقل بنفس قدر انقسام دول منطقة اليورو، فباستثناء بريطانيا والدنمارك، التي لديها خيار الرفض، فإن بقية الدول الـ10 ملزمة بالانضمام إلى العملة الموحدة في نهاية المطاف.

وعلى الرغم من أن الكثير من هذه الدول أرجأوا فكرة انضمامهم إلى العملة الموحدة في الوقت الراهن، فإن الكثيرين منهم ما زالوا يأملون في الانضمام ويشعرون بالقلق من تصنيفهم كمؤيدين لبريطانيا، التي استبعدت انضمامها إلى عضوية اليورو في المستقبل القريب. كما لا يوجد بين الدول الواقعة خارج منطقة اليورو اتفاق تلقائي بشأن فرض ضريبة على المعاملات المالية، على سبيل المثال، التي يوجد لها مؤيدون ومعارضون من دول منطقة اليورو والدول الواقعة خارجها على حد سواء.

وقال دبلوماسي، تحدث شرط عدم الكشف عن هويته، إن جاسيك روستوفسكي وزير المالية في بولندا التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي قد تم إدراجه في أحد المؤتمرات الهاتفية لمنطقة اليورو الذي عقد في هذا العام، فقط ليتم منعه من حضور أي اجتماعات تالية بعد اعتراضات من فرنسا.

وعلى الرغم من أن بولندا تضغط للحصول على صفة المراقب للمنظمات غير الأعضاء في اجتماعات دول منطقة اليورو، فإن السوابق التاريخية تشير إلى أنه من غير المرجح أن تنجح بولندا في مسعاها، حيث قاتل غوردن براون منذ زمن بعيد، وتحديدا في عام 1998، عندما كان وزير الخزانة البريطانية، للحصول على هذا الحق وخسر، لأن وزير المالية الفرنسي آنذاك، دومينيك ستروس - كان، رفض طلب براون معلقا بقولة إن الأزواج لا يأتون بالغرباء في غرفة نومهم.

* خدمة «نيويورك تايمز»