الهند وباكستان تعيدان الدفء لعلاقاتهما

إسلام آباد تمنح نيودلهي وضعا تفضيليا في التجارة.. والبلدان يتبادلان الدعم في الأمم المتحدة

TT

دخلت العلاقات بين الخصمين النوويين اللدودين، الهند وباكستان، طورا جديدا من العلاقات الودية، ففي خطوة دبلوماسية بارزة، منحت باكستان الهند وضعية «الدولة الأولى بالرعاية»، والذي تطلب عقدا ونصف العقد من الزمن حتى تتمكن باكستان من اتخاذ قرار مماثل للقرار الذي اتخذته الهند من جانب واحد عام 1996 والذي جعل من باكستان الدولة الأولى بالرعاية من جانبها. بيد أن القرار لا ينبئ بتغيير جذري في النظرة الباكستانية تجاه الهند، فبموجب بنود وأحكام منظمة التجارة العالمية، ينبغي على الدول الأعضاء تبادل وضعية «الدولة الأولى بالرعاية» مع بعضهم البعض، ومن ثم يصبح بمقدور كل الدول الاستفادة بشكل متكافئ من التعريفات الجمركية المنخفضة.

لكن الخطوة الحالية تحمل أهمية كبيرة من الناحية السياسية، حيث تبدو دليلا على جدية باكستان في الحوار الذي استؤنف بعد توقف دام ثلاث سنوات. وكانت الهند قد أوقفت الحوار مع باكستان في أعقاب هجمات نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 في مومباي.

وعلى هامش قمة إقليمية في المالديف، دفعت الهند وباكستان أمس إلى التقدم على صعيد العلاقات الدبلوماسية بينهما وتعهدتا بفتح «صفحة جديدة» في الجولة الرسمية المقبلة من محادثات السلام. وأجرى رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ ونظيره الباكستاني يوسف رضا جيلاني مناقشات دامت ما يقرب من ساعة في منتجع بجزر المالديف والتي تعكس تقاربا بين البلدين في الآونة الأخيرة. وقال جيلاني للصحافيين بعد الاجتماع مع سينغ على هامش اجتماع لزعماء جنوب آسيا: «الجولة التالية من المحادثات ستكون إيجابية وبناءة بشكل أكبر وستفتح صفحة جديدة في تاريخ البلدين. ما أستطيع أن أؤكده لكم فقط هو أنني ناقشت كل القضايا الأساسية». وبدوره، قال سينغ «سنستأنف هذا الحوار بتوقعات بأن تتم مناقشة كل القضايا التي أفسدت العلاقات بين البلدين. حان الوقت لفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقة بين البلدين».

وسيسمح تطبيع العلاقات بين الهند وباكستان بالحصول على مكاسب اقتصادية من واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في العالم. وقد اتخذت إسلام آباد في الأسابيع القليلة الماضية بعض القرارات اللافتة. فقبل أسبوعين، عندما حطت مروحية عسكرية هندية على متنها ثلاثة من كبار ضباط الجيش الهندي ضلوا الطريق بسبب سوء الأحوال الجوية في عمق الأراضي الباكستانية، وتحديدا في منطقة سياتشن الحساسة بكشمير، أصدرت القيادة العامة للجيش الباكستاني في روالبندي قرارا بالسماح للمروحية بالعودة في غضون ساعات في لفتة نادرة من كلا الجانبين. وفي الوقت ذاته، دعمت الهند طلب باكستان بالحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مع رد باكستان على ذلك بدعم المرشح الهندي لمنصب الأمين العام لمنظمة الكومنولث، كما وافقت باكستان على إرسال لجنة للتحقيق في أحداث الهجوم الإرهابي على مومباي.

لماذا سمحت القوات الباكستانية لذلك بالحدوث؟ هل كان ذلك نتيجة لتزايد هوة الشقاق بين إسلام آباد وواشنطن من جهة، وعدم استعداد بكين للدخول في مواجهة مع الهند؟ مهما كانت الأسباب، فإن قرار باكستان بمنح الهند وضع «الدولة الأولى بالرعاية» سيضفي مزيدا من التأكيد على رغبة القيادة الباكستانية في استمرار مسار الحوار مع الهند، بغض النظر عن فتور في علاقات إسلام آباد مع واشنطن. ونظر البعض إلى القرار بأنه إجراء لبناء مزيد من الثقة بهدف تطبيع العلاقات المشحونة، ولكن البعض أيضا اعتبره أحدث إضافة في التحول السريع للاقتصاد السياسي في جنوب آسيا. ويحمل مغزى وتوقيت القرار أهمية كبرى لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

وبالفعل، تطورت الوقائع على الأرض في جنوب آسيا بسرعة في السنوات القليلة الماضية. وهناك مخاوف متزايدة من العزلة في المنطقة نظرا لتزايد التوتر مع الولايات المتحدة، ومن ثم تتعرض باكستان لضغوط هائلة لإثبات مكانتها كلاعب إقليمي مسؤول في ضوء الأزمة في أفغانستان، وتدهور الوضع الأمني الداخلي. وقد خفضت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من مساعداتها للجيش الباكستاني، وتدهورت العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة بشكل حاد منذ عملية قتل أسامة بن لادن في أبوت آباد، داخل باكستان، والتي كانت تأمل من أن تتمكن الصين من ملء الفراغ، لكن الصين كانت مترددة في اتخاذ القيام بدور المنقذ لباكستان.

وإضافة إلى ذلك، يعيش الاقتصاد الباكستاني وضعا محفوفا بالمخاطر نتيجة تراجع معدل النمو إلى 2.4 في المائة في السنة المالية الماضية. وبعد رفض إسلام آباد الاستمرار في تطبيق وصايا صندوق النقد الدولي بتوسيع قاعدتها الضريبية في مارس (آذار) 2010، قرر الصندوق وقف صرف 11 مليار دولار لها.

وعلى مدار السنوات الـ15 الماضية، ربطت باكستان قضية وضع «الدولة الأولى بالرعاية» بقضية كشمير. وفي ظل عدم تمتع الهند بوضعية «الدولة الأولى بالرعاية»، كان يتحتم على نحو 20.000 نوع من الصادرات الهندية إلى باكستان المرور عبر دولة ثالثة. ويبلغ حجم التجارة بين الدولتين حاليا نحو 2.6 مليار دولار في السنة، لكن الحاجة الملحة لتطبيع العلاقات بين البلدين الجارين يتضح من خلال حجم التجارة غير المشروعة أو غير الرسمية التي تتدفق بحرية عبر الحدود، والتي تقدر بنحو ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار، ومن ثم فإن الاقتصادات على الجانبين تميل نحو تطبيع العلاقات الثنائية، ويتوقع أن يبلغ حجم التجارة بين البلدين ما يقرب من 6 مليارات إلى 8 مليارات دولار سنويا.

والحقيقة، أنه عندما أصبح آصف علي زرداري رئيسا لباكستان في عام 2008، أكد الحاجة إلى مزيد من التعاون الاقتصادي مع الهند إلا أن دعوته تلك قوبلت بالرفض من قبل الجيش. ولهذا السبب، فإن إعلان إسلام آباد منح الهند وضع «الدولة الأولى بالرعاية»، يعني أن جميع المؤسسات الرسمية، بما في ذلك المؤسسة العسكرية والدفاعية الباكستانية شاركت في اتخاذ القرار. ولم يكن مستغربا أن ترحب الهند بهذا القرار، مؤكدة أن العلاقات الاقتصادية والتجارية وإزالة الحواجز أمام التجارة وتسهيل النقل البري من شأنه أن يساعد المنطقة.