رئيس وزراء اليابان ينهج استراتيجية التقليل من الحديث للصحافة

«محب القيادة الآمنة» امتنع عن إجابة الصحافيين في 24 مناسبة من أصل 32

TT

عندما يجوب رئيس الوزراء الياباني، يوشيهيكو نودا، أروقة مكتبه، يتبعه نحو 50 مراسلا صحافيا، ويوجهون له وابلا من الأسئلة، آملين أن يتوقف ويتحدث إليهم، لكن نودا، في معظم الأحيان، لا يتوقف.

يتحدث نودا في عدد محدود من المؤتمرات الصحافية، ونادرا ما يجري مقابلات مع الصحافة الأجنبية. لكنه قد تجاهل المؤتمرات الإعلامية التي تعقد مرة أو مرتين يوميا التي اعتاد سابقوه إقامتها، لاعتقاده، بحسب قول مساعديه، أن ضررها أكبر من نفعها.

وقد أثار ذلك الاتجاه الممثل في رفض الاستماع أو الحديث إلى أي صحافي غضب العاملين بالصحف المحلية المؤثرة، الذين قدموا مؤخرا التماسا إلى مكتب نودا يطلبون فيه تسهيل الوصول إليه. لكنه يشير أيضا إلى استراتيجية تجنب جذب الانتباه التي ينتهجها نودا، بينما يحاول كسر حلقة القيادة قصيرة الأجل في اليابان، وإدخال إصلاحات على حزب حاكم مفكك. إنه يفضل العمل وراء الكواليس، بدلا من أن ينقل للصحافة تفاصيل المعارك التي يخوضها يوميا.

«هل من المنطقي بالنسبة لرئيس وزراء أن يقابل الصحافيين كل يوم؟ لا يفعل أي من قادة العالم البارزين الآخرين ذلك»، هذا ما قاله مسؤول رفيع المستوى بمكتب رئيس الوزراء، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته نظرا لمناقشته استراتيجية يشير إليها بمسمى «الحساسية».

وقد وصفت المقالات الافتتاحية في كبرى الصحف اليومية الصادرة في اليابان نودا، بعد شهرين من توليه منصبه، بأنه «محب للقيادة الآمنة»، حيث يتجنب الحديث للصحافة نظرا لخوفه من الوقوع في أخطاء. ويقولون إنه لا يشرح تفاصيل أسلوبه في التفكير، تاركا عامة الشعب من دون معلومات كافية عن القضايا الرئيسية في الدولة. غير أن معاوني نودا يقولون إنهم قد باتوا أكثر فهما. فقد أدركوا أن نودا لا يرغب في الحديث إلا حينما يكون لديه ما يقوله.

لقد غيرت هذه الاستراتيجية اتجاه الجدل المثار حاليا في اليابان بشأن الانضمام إلى اتفاقية تجارة حرة تشمل منطقة آسيا والمحيط الهادي، التي يحتمل أن تهدد عرش الزراعة. وقلما تحدث نودا، في الأسابيع الأخيرة، عن هذه الاتفاقية. وكان مقررا أن يعقد مؤتمرا صحافيا واحدا يوم أمس، بعد اتخاذ الحكومة اليابانية قرارها.

ويأتي ابتعاد نودا عن وسائل الإعلام كنوع من الانتقاد للنظام في اليابان، الذي تعمل من خلاله نواد صحافية (جماعات من المراسلين من الصحف والمحطات التلفزيونية الرئيسية) من داخل مكاتب حكومية، وتقوم في بعض الأحيان بمبادلة العلاقات المريحة بحق الحصول الحصري على القصص الإخبارية.

يذكر أن رئيس الوزراء الأسبق، جونيتشيرو كويزومي، متحدث موهوب، طرح نظام المؤتمرات الإعلامية اليومية منذ 10 سنوات مضت، موظفا إياها لمنفعته الخاصة من خلال بيانات موجزة إيجابية ليلية. لكن بالنسبة لجميع رؤساء وزراء اليابان الستة التاليين، تحولت هذه المؤتمرات الإعلامية إلى منابر للوقوع في أخطاء، لا للإدلاء بخطب بليغة. ففي يناير (كانون الثاني) الماضي، حينما قامت مؤسسة «ستاندرد آند بورز» بخفض التصنيف الائتماني لليابان، أعلن رئيس الوزراء ناوتو كان، أنه كان «يجهل تماما» تلك الخطوة.

وفي أعقاب كارثة الزلزال التي حلت باليابان في 11 مارس (آذار)، نأى كان بنفسه أيضا عن وسائل الإعلام، وهي ضرورة تقتضيها حالات الطوارئ، على حد قوله. لكن حينما تولى نودا منصب رئيس الوزراء يوم 2 سبتمبر (أيلول)، أصبح هذا الوضع دائما.

وبعد فترة تزيد بقليل على أسبوعين، ذكرت صحيفة «يوميوري» أن نودا كان يتوخى «الحذر الشديد» لدى حديثه إلى الصحافيين. وأشارت الصحيفة إلى أنه على مدار فترة استمرت 16 يوما، وجه الصحافيون أسئلتهم إلى نودا في 32 مناسبة، و«امتنع نودا عن الإجابة عن الأسئلة في 24 مناسبة منها».

وفي دولة تصدر بها أكبر الصحف في العالم (تضم اليابان أكبر خمس صحف في العالم)، ما زالت وسائل الإعلام التقليدية تستحوذ على تفكير العامة. لكن هذا مجرد جزء من الأسباب التي تجعل الصحافيين اليابانيين غير راضين عن سياسة نودا في التعامل مع الصحافة.

وقال إيتشي إيواتا، المحرر السياسي بتلفزيون «تي بي إس»: «في اليابان، نرى أنه يجب أن يكون هناك خيط رفيع يفصل بين القائد وشعبه»، وأضاف: «بهدف نيل القبول من المواطنين، يجب أن يظهر رئيس الوزراء بوضوح ما يحاول القيام به».

* أسهم المراسل الخاص أياكو مي في إعداد هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»