محكمة مصرية تقضي بحرمان أعضاء حزب مبارك من خوض الانتخابات البرلمانية

قالت في حيثياتها: «عليهم أن يذوقوا الحرمان لفترة مؤقتة لحين تطهير المجتمع من أفعالهم»

TT

أصدرت محكمة القضاء الإداري بمدينة المنصورة (شمال القاهرة) حكما، أول من أمس، يقضي بعزل أعضاء الحزب الوطني المنحل سياسيا، بحرمانهم من خوض الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وإلغاء قرارات اللجنة العليا للانتخابات بقبول أي مرشح كان ينتمي لحزب مبارك الحاكم سابقا.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها: إن إسقاط النظام يستتبع بحكم اللزوم والجزم سقوط أدواته، وإن الذي أفسد الحياة السياسية والاقتصادية هم أعضاء الحزب الوطني القائمون على شؤونه. وذكرت المحكمة أن من «زور بهتانا صفة تمثيل الشعب ليس لهم أن يطالبوا بحقوق طالما حرموا الشعب منها، بل عليهم أن يذوقوا الحرمان ذاته لفترة مؤقتة ولحين تطهير المجتمع من أفعالهم».

وبينما لا يعتبر هذا الحكم نهائيا، ويمكن الطعن عليه، قال خبراء قانونيون لـ«الشرق الأوسط»: إن القرار ينطبق فقط على أعضاء الحزب الوطني الذين أقيمت ضدهم الدعوى، وليس جميع أعضاء الحزب في عموم جمهورية مصر، لكنهم أكدوا أنه يمكن الاسترشاد به ورفع قضايا مماثلة في باقي المحافظات، حتى صدور قانون للعزل السياسي يمنع أعضاء الحزب الحاكم سابقا من ممارسة العمل السياسي لفترة معينة.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها، الذي صدر برئاسة المستشار حاتم محمد داود: «إن إسقاط النظام يستتبع بحكم اللزوم والجزم سقوط أدواته التي كان يمارس من خلالها سلطاته بحيث لا ينفك عنها، وأهم هذه الأدوات ذلك الحزب الحاكم الذي ثبت بيقين إفساده للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية».

وأضاف الحكم أن الذي أفسد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية هم أعضاء الحزب الوطني القائمون على شؤونه، وأن قيادات وكوادر وأعضاء الحزب الساقط أحدثوا هذا الفساد بأفكارهم وأفعالهم والسياسات المريبة التي ابتدعوها فعاثوا في مصر فسادا. وجاء في الحيثيات: «أعضاء الحزب الساقط جعلوا مصر فريسة لأطماعهم، فسلبوا مواردها ونهبوا ثرواتها وباعوا أراضيها ومصانعها وتراثها لكل مغامر، واستغلوا نفوذهم للحصول على منافع شتى لأنفسهم ولذويهم وأضروا إضرارا جسيما بالمصالح العليا للبلاد».

وقالت الحيثيات: «إن من أسقطه الشعب في ثورته المجيدة لم يكن الحزب الوطني الديمقراطي فقط، بل قيادات وكوادر وأعضاء هذا الحزب أيضا، ومن ثم فإن تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب الوطني يجب ألا يقتصر على مجرد استرداد مقار الحزب وأمواله المملوكة بحسب الأصل للدولة، وإنما يجب أن يمتد بالضرورة وبحكم اللزوم إلى قيادات وكوادر وأعضاء هذا الحزب باتخاذ الإجراءات وإصدار القرارات الكفيلة بمنعهم من مزاولة العمل السياسي بجميع صوره وأشكاله، بما في ذلك الترشح لانتخابات المجالس النيابية باعتباره أبرز صور العمل السياسي، الأمر الذي من شأنه أن يحول دون استمرارهم في إفساد الحكم والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد والتأثير سلبا على ثورة الشعب المجيدة، خاصة أن المهمة الأساسية لمجلسي الشعب والشورى تتمثل في انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد».

وبينما قال المحامي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان: إن الحكم يسري على كل أعضاء الحزب الوطني من الإسكندرية إلى أسوان، وكل الوزراء الحاليين أعضاء الحزب الوطني المنحل، مشيرا إلى أن أعضاء الحزب الوطني السابق يحق لهم الطعن في الحكم، قال خبراء قانونيون إن الحكم متعلق فقط بمن قامت ضدهم الدعوى.

وقال المستشار محمود الخضيري، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق: إن الحكم يسري على أعضاء الحزب الوطني بالمنصورة، وإنه يجب أن ترفع كل محافظة قضيتها على حدة، أو يصدر قرار من المحكمة الإدارية بالقاهرة، مؤكدا سهولة تنقية قوائم المرشحين للانتخابات وتنفيذ هذا الحكم فورا.

وأكد المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، لـ«الشرق الأوسط»، أنه طبقا لقانون مجلس الدولة وأحكام الدستور، فإن هذا الحكم يصدر واجب النفاذ ولا يجوز تعطيل نفاذه إلا بالطعن أمام المحكمة الإدارية العليا واستصدار أمر منها بوقف تنفيذه أو إجراء استشكال بتنفيذ أمام المحكمة ذاتها التي أصدرت الحكم، لكنه قال إن الحكم ينطبق على من صدر ضدهم الحكم فقط، ولا يترتب على هذا الحكم حرمان كل أعضاء الحزب، وبالتالي باقي الأعضاء يحق لهم دخول الانتخابات، ما لم تصدر ضدهم أحكام مماثلة.

وأشار حامد إلى أن الحزب الوطني شخصية اعتبارية مستقلة هي التي صدر ضدها الحكم السابق بحله، وبالتالي لا يجوز أن يوجد الحزب أو يمارس نشاطه، أو يجتمع أعضاؤه بالحزب نفسه، لكن حل الحزب شيء والمراكز القانونية، من حيث الحقوق العامة السياسية، شيء آخر لا بد أن يدان العضو بارتكاب أفعال تؤدي لحرمانه من مباشرة حقوقه السياسية.

وقال النقيب السابق للمحامين، سامح عاشور: إن الأفضل من هذه الأحكام أن يصدر قانون بعزل أعضاء الحزب الحاكم السابق من مباشرة العمل السياسي، بدلا من هذه الأحكام المنفصلة.

من جهته، عبر النائب السابق بالحزب الوطني، محمد سوستة، المرشح في الانتخابات الحالية، لـ«الشرق الأوسط»، عن حزنه لمثل هذا الحكم، مؤكدا أنه يجب التفريق بين أعضاء الحزب الوطني الفاسدين والشرفاء وأنه بدلا من صدور أحكام على الجميع يجب أن يتم التحري عن الأعضاء ومواقفهم السابقة وبالتالي مواجهة الفاسدين فقط وحرمانهم.

إلى ذلك، أصدر الدكتور حازم الببلاوي، وزير المالية، قرارا يقضي بحصر جميع المقرات التابعة للحزب الوطني المنحل، تنفيذا لحكم محكمة القضاء الإداري بحل الحزب، وعودة المقرات غير المملوكة للحزب والتابعة للغير سواء جهات حكومية أو قطاع خاص، إلى أصحابها مرة أخرى.