الملفات العالقة تسرق الأضواء من الاستحقاق البرلماني في مصر

أبرزها موعد انتخابات الرئاسة والانفلات الأمني ووثيقة المبادئ الدستورية

TT

رغم اقتراب موعد أهم استحقاق برلماني في مصر بعد ثورة 25 يناير، التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك بعد 30 عاما من الحكم، لا تزال ملفات كثيرة عالقة تستحوذ على اهتمام القوى السياسية والرأي العام. فخلال أسبوعين، هي كل ما يفصل المصريين عن موعد الاقتراع، بدا أن البلاد مقبلة على أزمات سياسية وأمنية واقتصادية تسرق الضوء من الانتخابات البرلمانية وقد تعرقل مسيرتها.

وتوعدت قوى إسلامية وثورية بالاعتصام في ميدان التحرير بوسط القاهرة، بداية من الجمعة المقبل 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، من أجل الضغط على المجلس العسكري الحاكم في مصر، لوضع جدول زمني لانتقال السلطة إلى رئيس منتخب في الأسبوع الأول من مايو (أيار) القادم.

ولم يفلح اجتماع جمع رئيس أركان القوات المسلحة المصري الفريق سامي عنان، وعددا من رؤساء الأحزاب، في تهدئة مخاوف القوى السياسية بشأن رغبة المجلس العسكري في تسليم السلطة. وتراجع عدد من الأحزاب التي وقعت على «وثيقة عنان» عن مضمون الاتفاق، الذي ربط بين إجراء استفتاء شعبي على دستور البلاد الجديد، وبدء الانتخابات الرئاسية.

وقال قيادي بحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إنه «على الرغم من الدور التاريخي الذي لعبته المؤسسة العسكرية في حماية الثورة؛ لن يكون بقاء المجلس العسكري في السلطة لعام آخر، مأمون العواقب».

ويتحفظ المجلس العسكري على الاعتصام في ميدان التحرير، وخلال الاعتصامات اللاحقة على سقوط نظام مبارك، حمّل المجلس مسؤولية حماية المنشآت العامة والخاصة للمعتصمين، كما فض عددا من الاعتصامات بالقوة، وهو ما تسبب في تراجع شعبيته بين القوى الثورية والنشطاء السياسيين.

ويقول مراقبون إن الاعتصام المرتقب هو الأكثر خطورة بين الاعتصامات السابقة، خاصة أن قوى إسلامية سلفية ستشارك فيه للمرة الأولى، بالإضافة لجماعة الإخوان المسلمين التي لم تؤكد بعد نيتها في الاعتصام وإن أكدت مشاركتها في المليونية.

ووعد المجلس العسكري عقب توليه إدارة شؤون البلاد في فبراير (شباط) الماضي، بتسليم السلطة لرئيس مدني خلال ستة أشهر، وعاد وأكد في رسالة له على صفحته بالموقع الاجتماعي «فيس بوك» أنه عازم على تسليم السلطة قبل عام 2012.

ويبرهن مراقبون أن الجدول الزمني الغامض لانتخابات الرئاسة، بحسب ما هو مطروح في الإعلان الدستوري الذي وضع خارطة طريق للمرحلة الانتقالية يعني أن تسليم السلطة لرئيس منتخب لن يتم قبل عام 2013.

وتشابكت أزمة موعد الانتخابات الرئاسية مع أزمة وثيقة «المبادئ الحاكمة للدستور»، حيث رفضت قوى عديدة وثيقة طرحتها الحكومة المصرية لتكون أساسا يحكم عمل اللجنة التي من المقرر أن ينتخبها البرلمان في صياغة الدستور.

وقالت مصادر بمجلس الوزراء أمس، إن الدكتور عصام شرف رئيس الحكومة سيتولى بنفسه الإشراف على هذا الملف المعلق، بعد أن كان نائبه الدكتور على السلمي مكلف بإدارته. وهو ما يعني بحسب مراقبين أن الحكومة عازمة على المضي قدما في سبيل إيجاد مخرج سياسي لجعل المبادئ المقترحة ملزمة للقوى السياسية.

وتصاعدت حدة الأزمة حول وثيقة «المبادئ الحاكمة»، بعد تضمينها مادتين، قالت القوى السياسية إنهما تمنحان سلطات مطلقة للمجلس العسكري، وعلى الرغم من تعديل المادتين، فلا تزال الاعتراضات قائمة، ومن المقرر أن يجتمع عدد من مرشحي الرئاسة المحتملين وقوى سياسية بارزة على رأسها جماعة الإخوان المسلمين لبحث الرد على الوثيقة المقترحة يوم غد (الأحد).

وأعلنت القوى السياسية الرافضة للوثيقة نيتها المشاركة في الدعوة المليونية يوم الجمعة القادمة، وهو ما يزيد من احتمالية تفجر الوضع الميداني، مع إصرار عدد من القوى على الاعتصام في الميدان.

وكان المجلس العسكري تراجع في عدد من القرارات عقب تنظيم مظاهرات حاشدة في ميدان التحرير، والميادين الرئيسية في مختلف المحافظات المصرية، وقال خالد عبد الحميد القيادي في تحالف الثورة مستمرة لـ«الشرق الأوسط» إن «استجابة المجلس للضغط ولدت شعورا لدى القوى السياسية أن سلاح التظاهر لا يزال يمتلك فعالية في مواجهة قرارات المجلس.. لذلك نحن نعول كثيرا على حسم عدد من الملفات العالقة خلال الأسبوع المقبل».

وبينما تنتظر البلاد تنامي حدة الأزمة السياسية، اشتعلت بالفعل الأوضاع الأمنية. وطالبت شخصيات عامة وقوى سياسية بتأجيل الانتخابات تحت إلحاح الهاجس الأمني، حيث لم تتعاف المؤسسة الشرطية بعد من تراجع قدراتها.

ويقول مراقبون إن الشواهد تؤكد خطورة إجراء الانتخابات في أجواء مشحونة، وسط غياب أمني، حيث تفجرت صراعات بين عائلات كبرى بصعيد البلاد، كان آخرها صراع عائلتين بمحافظة سوهاج (التي تبعد عن القاهرة بنحو 467 كلم جنوبا) أدت إلى تدخل عناصر الجيش وإعلان حظر التجول بقريتين، كما اشتعل صراع بين مدنيين بمحافظة كفر الشيخ (التي تبعد 140 كلم شمال القاهرة) وسقط خلال الاشتباكات عدد من القتلى والجرحى، أول من أمس.

وتشهد مصر أحداث عنف خلال الانتخابات التي تسيطر عليها العصبيات العائلية، والقبلية، كما تخشى القوى السياسية من استخدام قيادات الحزب الوطني «المنحل» للبلطجية، وهي تهمة طالما وجهتها المعارضة للحزب الحاكم سابقا والذي هيمن على البرلمان على مدار العقود الثلاثة الماضية.

وتنعكس الأزمات الأمنية على حالة البلاد الاقتصادية في دولة يعاني أغلبية مواطنيها من الفقر، وحذرت الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية مواطنيها من السفر إلى مصر خلال الانتخابات خشية أعمال عنف.

ويقول خبراء إن المدى الزمني الطويل للعملية الانتخابية الذي يصل إلى ثلاثة أشهر قد يؤثر بشدة على اقتصاد لم يتعاف بعد ويعتمد على عوائد السياحة بشكل كبير.