«هيومن رايتس ووتش» تتهم سوريا بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» وتطالب بتعليق عضويتها في الجامعة العربية

مدير المنظمة في بيروت لـ «الشرق الأوسط» : نتمسك بدخول مراقبين مستقلين تحت مظلة «الجامعة» أو مفوضية حقوق الإنسان لتوثيق الانتهاكات

أهالي حي الإنشاءات في حمص يطالبون بوقف القتل (موقع أوغاريت)
TT

اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» النظام السوري بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» بعد أن قامت قواته «بتجاوزات» بشكل منهجي ضد المدنيين في قمعهم حركة الاحتجاجات منذ ثمانية أشهر، داعية «جامعة الدول العربية إلى تعليق عضوية سوريا». وطالبت، في تقرير مفصل نشرته أمس، «الأمم المتحدة بفرض حظر على الأسلحة وكذلك عقوبات على أعضاء في النظام وإحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية»، مشددة على أن «اللجوء المنهجي إلى تجاوزات ضد المدنيين في حمص من قبل قوات الحكومة السورية بما يشمل التعذيب والقتل التعسفي، يثبت أنه تم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية».

وتستند المنظمة الحقوقية على إفادات 110 من الضحايا والشهود في تقريرها الذي حمل عنوان «وكأننا في حرب: قمع المتظاهرين في محافظة حمص». والتقرير، الذي جاء في 63 صفحة ويبرز حمص بصفتها مركز المعارضة الأساسي لحكومة الرئيس بشار الأسد، يركز على انتهاكات قوات الأمن السورية منذ أواسط أبريل (نيسان) وحتى نهاية أغسطس (آب) الفائت، لافتا إلى أنه «أثناء تلك الفترة قتلت قوات الأمن ما لا يقل عن 587 مدنيا، وهو أعلى معدل للخسائر البشرية في أي محافظة».

وفي هذا الإطار، أوضح مدير مكتب «هيومن رايتس ووتش» في بيروت نديم حوري لـ«الشرق الأوسط» أن «المقابلات تمّت على مستويين، الأول من خلال مقابلات شخصية مع مواطنين سوريين عقدت في البلدان المجاورة بعد منع المنظمات الحقوقية من الدخول إلى سوريا، حيث التقاهم ممثلو المنظمة في لبنان وتركيا والأردن ومصر، في حين أن القسم الآخر من اللقاءات تم عبر (سكايب) مع مواطنين في الداخل السوري».

ووضع حوري منع الجمعيات الحقوقية ووسائل الإعلام من الدخول إلى سوريا في إطار «سياسة ممهنجة لممارسة التعتيم على حقيقة ما يجري في سوريا»، مذكرا «بتعرض من قام بنشر معلومات إلى التوقيف إلى درجة بات فيها من يحمل كاميرا كأنه يحمل سلاحا». وتابع: «نيّة التعتيم هذه تزيد من الشكوك بأنهم يخفون ما يقومون به، والأدلة التي نوردها في تقريرنا مبنية على إفادات أشخاص وشهود عيان».

وفيما أشار حوري إلى أن سوريا «لم تلتزم» بما تعهدت به في ورقة الحل العربية، و«من تمكن من الصحافيين من الدخول كان برفقة أمنيين»، أكد التمسك بمطلب «دخول مراقبين مستقلين تحت مظلة جامعة الدول العربية أو المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة لتوثيق الانتهاكات التي تحصل سواء أكانت صادرة عن النظام السوري أو عن الجماعات المسلحة كما يدعي النظام».

وكانت مسؤولة منطقة الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش» ساره ليا ويتسون أوضحت أن «حمص هي المكان الذي تتركز فيه وحشية الحكومة السورية»، وقالت: «على الجامعة العربية أن تقول للرئيس بشار الأسد إن انتهاك الاتفاق له عواقب، وإنها تدعم من الآن وصاعدا تحركا من مجلس الأمن لوقف المذبحة».

وفي سياق متصل، كشف حوري أنه «منذ الإعلان عن موافقة سوريا على مبادرة جامعة الدول العربية في الثاني من الشهر الجاري، سقط أكثر من 140 قتيلا، 104 منهم في مدينة حمص وحدها»، مشددا على أن المطلوب هو «تحرك جدي وملموس يترجم بتعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية».

وتؤكد «هيومن رايتس ووتش» في تقريرها أنها «تمكنت من التحقق من أن عشرات الهجمات شنتها قوات الأمن والميليشيات الموالية للنظام ضد مظاهرات كانت سلمية بشكل كامل تقريبا»، لافتة إلى أن «قوات الأمن استخدمت أسلحة رشاشة ثقيلة (...) لإطلاق النار على الأحياء وترويع الناس قبل أن تقتحمها بناقلات الجند. وقطعت الاتصالات ونصبت حواجز تحد بقوة من التحركات وحتى من توزيع المواد الغذائية والأدوية».

ويفيد التقرير عينه بأن القوات السورية «أوقفت بشكل تعسفي آلاف الأشخاص بينهم أطفال ونساء ومسنون وأخضعتهم لتعذيب منهجي، فيما مئات الأشخاص لا يزالون مفقودين». وفي هذا الإطار، نقلت المنظمة عن محتجزين مفرج عنهم أشارتهم إلى أن «قوات الأمن استخدمت قضبانا معدنية ساخنة لحرق مختلف أجزاء الجسد، وتم صعق المحتجزين بالكهرباء، وأُجبروا على اتخاذ أوضاع مؤلمة ومجهدة لساعات أو لأيام في كل مرة، مع استخدام أدوات مثل إطارات السيارات لإجبار المحتجزين على اتخاذ وضع يسهل من عملية ضربهم على مناطق حساسة في الجسد، مثل على أخمص القدمين أو على الرأس». ويورد التقرير وصف أحد الشهود للتعذيب الذي تعرض له في قاعدة للمخابرات العسكرية في حمص قائلا: «نقلوني إلى مكان أحسست أنه حجرة كبيرة فيها الكثير من الناس. كنت معصوب العينين لكن سمعت الناس حولي يصرخون ويتوسلون في طلب المياه. كنت أسمع صوت صواعق كهرباء وأوامر من المحققين بتعليق الناس من أيديهم. ما إن وصلوا إلى حتى بدأوا في الاستهزاء بي، وقالوا: (مرحبا يا زعيم الثورة) وسألوني عما يحدث في تلكلخ. قلت لا أعرف، ثم بدأ التعذيب». ويضيف: «ضربوني بالكابلات ثم علقوني من يدي إلى ماسورة تحت السقف، فكانت قدماي تلامسان الأرض بصعوبة. ظللت معلقا هكذا ست ساعات، رغم أنه من الصعب معرفة الوقت. ضربوني، وسكبوا علي المياه، ثم استخدموا صواعق الكهرباء. وفي الليل، وضعوني في زنزانة، مساحتها نحو 3 في 3 أمتار، ومعي نحو 25 محتجزا آخرين. احتشدنا جميعا داخلها. في الصباح التالي نقلوني لاستجواب آخر. هذه المرة قاموا بطي جسدي، وضعوا ساقي ورأسي في إطار، وقلبوني على ظهري، وبدأوا في جلدي على قدمي».

وتؤكد المنظمة تحققها من «مقتل 17 شخصا قيد التوقيف في حمص، قضى 12 منهم من جراء التعذيب»، معتبرة أن من «أسوأ تداعيات حملة القمع المكثف على المتظاهرين في سوريا هي تزايد عدد الوفيات رهن الاحتجاز». وتوضح في هذا السياق أنه «تقريبا في جميع حالات الوفاة رهن الاحتجاز الـ17 التي تمكنت هيومن رايتس ووتش من أن تؤكدها، قال شهود إنه لم يكن لديهم معلومات عن مصير أو مكان أقاربهم بعد أن احتجزتهم قوات الأمن من مظاهرات أو نقاط تفتيش، حتى يوم تلقوا مكالمة، هي عادة من المشفى العام المحلي، يُطلب منهم فيها الحضور لأخذ جثمان القريب». وشددت على أنه «في 12 حالة على الأقل راجعت فيها هيومن رايتس ووتش صورا أو مقاطع فيديو للجثث، كانت عليها علامات تشير بوضوح للتعرض للتعذيب، ويشمل ذلك الكدمات والجروح القطعية والحروق».