سفير اليمن لدى بريطانيا: اليمنيون بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد.. ولن تحدث ثارات سياسية في البلاد

الرضي لـ«الشرق الأوسط»: البعثات الدبلوماسية يجب أن تكون بعيدة عن الصراع السياسي بين الأطراف المختلفة داخل البلاد

عبد الله الرضي سفير اليمن لدى المملكة المتحدة
TT

أشار عبد الله الرضي، سفير اليمن في بريطانيا، إلى أن اليمنيين بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد يجتمع حوله كل أبناء اليمن بمختلف اتجاهاتهم السياسية والفكرية، من أجل أن تلتئم الجراح، وأوضح أنه لن تكون هناك ملاحقات قضائية أو ثارات سياسية في البلاد. وقال الرضي في حوار مع «الشرق الأوسط» في لندن، إن هناك توجها لدى بعض الدول لدعم وصول الإسلاميين إلى السلطة لتنفيس الاحتقان الذي تعيشه المنطقة بسبب التدخلات في العراق وأفغانستان وسياسات التعنت الإسرائيلية. وأضاف أن النظام يحظى بتأييد في أوساط الجالية اليمنية في بريطانيا، غير أن أنصار النظام يتحاشون الاحتكاك بأنصار المعارضة تجنبا للفتنة. ويرى الرضي أن البعثات الدبلوماسية للدولة ينبغي أن تكون ممثلة للمصالح العليا للبلاد، وألا تتدخل في الصراعات السياسية داخل البلاد. إلى الحوار

* اتخذت بعض السفارات مواقف من مطالب الشباب في بداية الثورة في اليمن، خاصة بعد يوم الجمعة الدامي، ثم تم التراجع عن هذه المواقف، فكيف تقيمون هذه المواقف؟ وكيف ترى أن تتعامل السفارات مع حالات كهذه؟

- الحقيقة أن السؤال يغفل عدة حقائق؛ فالموقف الذي عبرت عنه 99 في المائة من السفارات ينسجم انسجاما كاملا مع موقف الدولة ولا يتعارض مطلقا مع موقف القيادة السياسية, فخامة الرئيس كان واضحا وسباقا في إعلان تأييده لمطالب الشباب الداعية إلى التغيير ومعالجة الاختلالات، غير أن انحراف تلك المطالب المشروعة عن مسارها الحقيقي، ومن ثم عسكرة الوضع واتخاذها، مع الأسف، شكلا مسلحا بين أطراف مختلفة سقط على أثرها الكثير من الأبرياء، إضافة إلى استبعاد الشباب المستقل وطردهم من الساحات قد كشف عن الأهداف التي كان يريد البعض الوصول إليها، وكما شاهدنا جميعا فإن أبشع مظاهر عسكرة الصورة قد تمثلت في محاولة اغتيال فخامة الرئيس في جامع دار الرئاسة، لقد غير هذا الحدث كثيرا من المفاهيم والمواقف، وأصبح الشباب ضحية لهذا الصراع الدموي، وفقدت الثورة بريقها للأسباب التي ذكرت آنفا، ولأسباب أخرى لا يتسع المجال لذكرها في هذا الحديث.

أما في ما يتعلق بمواقف البعثات بصفة عامة، فإنه يمكن القول إن البعثات الدبلوماسية يجب أن تكون بعيدة عن الصراع السياسي، فهي تمثل المصالح العليا للوطن بغض النظر عن الخلافات السياسية الموجودة في الداخل، ومع ذلك فإن القيادة ووزارة الخارجية تعاملت مع بعض المواقف التي صدرت بمسؤولية كاملة بعيدة عن الانفعال، ونبهت إلى أن البعثات الدبلوماسية يجب أن يقتصر دورها على تمثيل البلد في الخارج بصورة مهنية بعيدا عن أي صراعات سياسية.

*هناك أنباء عن قرب التوصل إلى اتفاق سياسي في اليمن، بموجبه يتم تفويض نائب الرئيس اليمني بصلاحيات الرئيس. هل تعطينا بعض التوضيحات لبنود هذا الاتفاق؟

- لقد كان لصحيفتكم الغراء السبق في الإعلان عن الاتفاق، وفي اعتقادي أن الحل يجب أن يكون نابعا من المبادرة الخليجية والرؤية التي قدمها المبعوث العام للأمم المتحدة، على ألا يتم التطبيق بصورة انتقائية.. علينا أن ننظر إلى الحل من منطلق المصالح العليا للوطن، ولعلكم واقفون على التنازلات التي قدمتها القيادة السياسية والمؤتمر الشعبي العام, وعلى الطرف الآخر أن ينظر إلى هذه التنازلات بصورة إيجابية؛ لأن الهدف من تقديمها هو عدم زج اليمن في منزلق العنف والدخول في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. أما بالنسبة لبنود الاتفاق، فالمبادرة الخليجية واضحة والتصريحات الأخيرة التي نقلتموها واضحة كذلك.

* القرار الذي صدر مؤخرا عن مجلس الأمن تبناه البريطانيون، فهل يؤثر ذلك على علاقاتكم ببريطانيا؟ وكيف تقيم علاقتكم ببريطانيا في ظل الضغوط المتواصلة التي تقودها بريطانيا لنقل السلطة في البلاد؟ وماذا عن الدعم الذي تقدمه بريطانيا سواء في الإطار الأممي أو في إطار مجموعة أصدقاء اليمن؟

- من حيث المبدأ كنت، وما زلت، ضد التدويل؛ لأني أعرف مدى خطورته، ومع ذلك فقد رأينا صدور قرار مجلس الأمن متوازنا إلى حد ما، وتم الترحيب به من قبل الحكومة وإعلان الالتزام ببنوده.. لكن التجارب علمتنا أن الذهاب إلى مجلس الأمن قد يأتي بنتائج عكسية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الغالبية العظمى في اليمن ضد أي تدخل خارجي في شؤون اليمن، وترى أن أي حل تتم بلورته يجب أن يكون يمنيا في المقام الأول مراعيا للظروف المعيشة وبعيدا عن فرض أي حلول لا تراعي الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع اليمني.

أما بالنسبة لجهود بريطانيا فإنها ليست الدولة الوحيدة التي تبنت القرار، هناك عدة دول أخرى ساهمت في تبنيه، وكنت أتمنى ألا تكون بريطانيا طرفا في ذلك.. لقد أجرت الدول تعديلات كثيرة حتى أصبح القرار مقبولا إلى حد ما لجميع الأطراف، وبصورة عامة ننصح الأصدقاء والأشقاء بأن تتم مراعاة الحالة اليمنية، والوضع في اليمن، وحساسية اليمنيين تجاه التدخل في الشؤون الداخلية لبلادنا؛ لأن اتخاذ مواقف أحادية تؤيد طرفا ضد طرف آخر لا يمكن أن يسهم في حل الأزمة اليمنية، ومع ذلك لا أعتقد أنه سيؤثر على العلاقات المتينة بين البلدين؛ لأنها علاقات قديمة ضاربة جذورها في عمق التاريخ. نحن نحمل لبريطانيا كل احترام وتقدير ولا ننسى تبني بريطانيا دعم اليمن اقتصاديا وتنمويا من خلال مجموعة أصدقاء اليمن، كما أن التعاون ما زال قائما في مجال مكافحة الإرهاب، فنحن شركاء في هذا الجانب. اليمن بحاجة إلى دعم كل أصدقائه خاصة في المجال التنموي، وما تم تقديمه إلى الآن لم يكن بحجم الحاجة التي تعانيها اليمن، نحن بحاجة إلى مشروع «مارشال» لكي ينهض اليمن اقتصاديا ويلحق بركب الدول المتقدمة.

* في لقاء لي مع السفير البريطاني في صنعاء, ذكر أن بريطانيا لا تتخوف من أن يصل الإسلاميون إلى الحكم في اليمن، بينما يردد النظام أن الإسلاميين مرتبطون بتنظيم القاعدة, فهل هناك خلاف بينكم وبين البريطانيين حول هذه النقطة؟ ولماذا برأيك لم يتم التوصل إلى اتفاق يخرج اليمن من الوضع الراهن؟

- أولا يجب أن تعرف أننا لسنا في خلاف مع من يسمون أنفسهم بالإسلاميين، فالشعب اليمني كله مسلم ومحافظ، وعلى استعداد للدفاع عن عقيدته، كما أن الدستور اليمني يشير إلى أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريعات في ظل نظام تعددي ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، وليس هناك تحفظ على أي حزب يمني مهما كان توجهه.. الأهم في الأمر هو أنه اتضح في الفترة الأخيرة أن هناك ارتباطا بين بعض المجاميع المتطرفة، كـ«القاعدة» وعناصر محسوبة على التيار الإسلامي، وهذا الأمر يشكل خطورة ليست على اليمن فحسب، ولكن على الأمن الإقليمي والدولي، لكن يبدو أن هناك توجها لدى بعض الدول لدعم وصول الإسلاميين إلى السلطة، معتقدين أن من شأن ذلك أن يخفف من حالة الاحتقان الموجودة في العالم العربي والإسلامي، نتيجة التدخلات التي حدثت في العراق وأفغانستان، والتعنت الإسرائيلي، ورفضه لكل مبادرات السلام، ولكننا نعتقد أن هذا التفكير والسيناريو الذي يعد لن يكتب له النجاح، حتى وإن وصل الإسلاميون إلى السلطة؛ لأن الاحتقان موجود وتجب إزالة بؤر التوتر وعدم تجاهل القضايا العادلة للعالمين العربي والإسلامي. أما بالنسبة للاتفاق فأعتقد جازما أنه يأتي وفق المنظور الذي طرحته المبادرة الخليجية والتفصيلات التنفيذية المتصلة بها، والموقف الحكومي واضح في هذا الجانب، وتبقى فقط الاستجابة من الأطراف المعنية الأخرى للخروج بالوطن من هذه الأزمة.

* هل برأيك يتخوف النظام من مرحلة ما بعد ثورة الشباب من ملاحقات قضائية أو عمليات ثأر سياسي في البلاد؟

- لا أعتقد أن النظام متخوف من ملاحقات قضائية؛ فالنظام الحالي لم يأت من فراغ، فله مؤسساته الدستورية، وله أكبر حزب في البلد، كما أن فخامة الرئيس ليس بحاجة إلى حصانة، فهو محصن بشعبه ومؤسساته وما يقدمه من تنازلات هي في الحقيقة تجنب لإراقة الدماء. أما بالنسبة لعملية الثأر، فأتمنى ألا تثار لأن من شأن ذلك أن يقضي على كل شيء في اليمن، لأن دماء الذين أزهقت أرواحهم في مسجد الرئاسة أصبح موزعا في كل أنحاء اليمن. أتمنى ألا تفتح هذه الملفات (الثأر) وأن يترك للقضاء أن يأخذ مجراه، وأن تتم محاسبة كل من تلطخت يداه بالدماء البريئة مهما كان.

*بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن.. هل تعتقد أن الأوضاع في طريقها إلى الحل، أم أن القرار يزيد من تعقيدات الوضع؟

- أنا بطبيعتي متفائل، وقرار مجلس الأمن قد يساعد على إيجاد مخرج مقبول من قبل جميع الأطراف.. الناس تتوق إلى حل سلمي يحقن الدماء، وعلى الرغم من ذلك فإنني لا أعتقد أن القرار بحد ذاته سيفرض الحل في اليمن.. قد يكون عاملا مساعدا فقط، وأؤكد هنا أنه لو لم يكن القرار متوازنا لتفجرت الأوضاع في كل أنحاء اليمن، وأنا أعني ما أقول، وأعود وأؤكد أنه من أجل الوصول إلى حل جذري، يجب أن تبدي جميع الأطراف اليمنية النية الصادقة لاحتواء الأزمة.

* أشارت تقارير دولية صدرت مؤخرا إلى أن هناك خطورة على وحدة البلاد بسبب بقاء الوضع في اليمن على ما هو عليه.. فهل هناك بالفعل خطورة على الوحدة اليمنية في حال استمرار حالة المراوحة في اليمن، أو حتى بعد نقل السلطة؟

- بالنسبة للوحدة اليمنية لا أعتقد أن هناك خطورة عليها، فهي ستستمر على الرغم من التحديات التي تواجهها؛ لأسباب موضوعية، منها أن الأغلبية العظمى من أبناء الشعب، وخاصة المحافظات الجنوبية، هم مع الوحدة، كما أن المشكلات الموجودة في الجنوب هي نفسها التي يعانيها المواطنون في المحافظات الشمالية، وهذا يعني وضع المعالجة اللازمة والوقوف مليا أمام المطالب التي تطرح بهذا الخصوص، منها العمل على إقامة نظام حكم محلي واسع الصلاحيات في جميع المحافظات، وهذا ما تم، ويمكن تطوير نظام ينسجم مع خصوصية اليمن، كالأخذ بنظام المخاليف، وكلها مواضيع قابلة للنقاش والتحاور بين جميع الأطراف السياسية على الساحة اليمنية. لا بد من معالجة أي اختلالات تمت في الماضي، والوقوف أمامها لقطع الطريق أمام من يحوك المؤامرات ضد اليمن ووحدته.

* خلال الشهور الماضية نظمت بعض الوقفات الاحتجاجية ضد النظام أمام السفارة اليمنية وفي أماكن أخرى في العاصمة لندن.. فما هو تقييمكم لموقف الجالية في بريطانيا؟ وهل للنظام أنصار في أوساط المغتربين؟

- نحن نعيش في بريطانيا حيث حق التظاهر مكفول، كما أنه مكفول في بلادنا، ولكن دعني أقل إننا شهدنا مظاهرات مؤيدة للنظام كما شهدنا مظاهرات أخرى مناوئة، وهذا شيء طبيعي، نحن في اليمن لسنا بمعزل عن أجواء الديمقراطية وحق التعبير، فنظام الحكم ديمقراطي تعددي يكفل فيه الدستور للمواطن حرية التعبير بالطرق السلمية. لذا ننظر للمظاهرات باعتبارها أمرا طبيعيا. وبالنسبة للشق الآخر من السؤال دعني أقل إن عدد المغتربين يصل إلى 70 ألفا، وقد آثر أنصار النظام عدم الخروج في المظاهرات الماضية؛ حرصا منهم على التهدئة وعدم حصول أي صدامات بين مؤيد ومعارض، ومع ذلك فإن السفارة لا تقحم نفسها في هذه الأمور؛ لأن مهمتها الأساسية تكمن في خدمة جميع أبنائنا المغتربين بغض النظر عن توجهاتهم السياسية.

* ما هو الحل في تصوركم؟

- تصوري للحل أن يقف جميع اليمنيين أمام مسؤولياتهم بصورة صادقة، فالحل في تقديري يكمن في بناء الثقة بين جميع الأطراف، وإبداء قدر كبير من حسن النوايا.. الجرح كبير والمعالجة يجب أن تكون بحجم الحدث.. لقد تعرض المجتمع اليمني إلى ظروف لم يتعرض لها منذ ألفي عام, الانشقاقات التي تمت داخل القبيلة والمؤسسة العسكرية والمجتمع هي شيء لم يحدث في الماضي، وبغض النظر عن أي حل سنتوصل إليه فإن التسامح والمحبة والألفة يجب أن تسود، ونحن يجب ألا نغفل ما يجري، وبحاجة إلى وقت لتلتئم الجروح. اليمن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد يجتمع حوله كل أبناء اليمن بمختلف اتجاهاتهم السياسية والفكرية، وأن يفكر الجميع كيف نخرج اليمن من هذا المأزق، وأن نتطلع إلى المستقبل المشرق، فقد عانى اليمنيون كثيرا وسيعانون أكثر ما لم يقف الجميع صفا واحدا لتجاوز هذه الأزمة، ولا بد من تغليب المصالح الوطنية العليا على المصالح الشخصية الضيقة، وعلينا أن نفكر في حجم اليمن وأهميته التاريخية، وأن يكون الشباب الذين خرجوا فاعلين في المجتمع ومتفاعلين معه, وأن يكون لهم دور وإسهام في أي حل يتم الاتفاق عليه، ونتمنى أن يكون لهم الدور الريادي في ذلك.