الخارجية الأميركية: نملك أدلة تؤكد قصف الخرطوم لمواقع في السودان الجنوبي

المهدي في واشنطن: نواجه كارثة.. ونريد تغيير نظام البشير.. لا إسقاطه

جنوبيون في احد الموانئ النهرية السودانية انتظارا لترحيلهم إلى دولة الجنوب (رويترز)
TT

رفض مصدر في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» تصريحات مسؤولين سودانيين بأن القوات السودانية المسلحة لم تقصف مناطق في السودان الجنوبي. وقال: «نملك أدلة كافية على أن قوات الخرطوم قصفت مواقع في دولة مجاورة، هي دولة السودان الجنوبي». وأضاف: «نحن نريد من حكومة السودان وقف هذا القصف. وفي الوقت نفسه، نريد من حكومة السودان الجنوبي التمهل في الرد على مثل هذه الأعمال وذلك حتى لا يتدهور الموقف أكثر على الحدود بين الدولتين».

وكانت وكالة «رويترز» نقلت تصريحات على لسان الصوارمي خالد، المتحدث باسم القوات السودانية المسلحة، قال فيها: «السودان الجنوبي دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة. نحن نحترم القوانين الدولية.. ولا يمكن أن نفعل ما يدعى علينا».

لكن، كان البيت الأبيض أصدر بيانا أكد فيه القصف، ووصفه بأنه «عمل شائن» . وقال بيان البيت الأبيض: «كل المسؤولين عن هذا القصف يجب أن يتحملوا مسؤولية أعمالهم». وأضاف البيان: «تطلب الولايات المتحدة من حكومة السودان وقف القصف الجوي في الحال. ونلح على حكومة السودان الجنوبي التأني في الرد».

ورفض مصدر الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» تصريحات أدلى بها العبيد مروح، المتحدث باسم الخارجية السودانية، التي اتهم فيها سوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة، بأنها تنسق مع حكومة السودان الجنوبي ضد حكومة السودان. وقال المصدر: «أفضل ألا أدخل في مثل هذه التصريحات الشخصية. أنا متأكد من أن سفيرتنا في الأمم المتحدة تنفذ سياستنا الواضحة نحو دولتي السودان والسودان الجنوبي، وهي تحقيق الاستقرار ومنع تدهور الموقف بينهما، وحماية المدنيين. كل ما قالته السفيرة رايس هو أن قصف حكومة السودان أدى إلى مقتل مدنيين في الجنوب».

وكانت «رويترز» نقلت على لسان مروح قوله: «يتعين على سوزان رايس، بدلا من أن تذرف دموع التماسيح على ما تسميه قصف المدنيين، أن تقنع أصدقاءها في دولة السودان الجنوبي بتجريد الجيش الشعبي الموجود في الشمال من السلاح». وأشار إلى ما سماهما الفرقتين العسكريتين التاسعة والعاشرة التابعتين للجيش الشعبي والمتمركزتين في ولاية جنوب كردفان بقيادة عبد العزيز الحلو، وفي ولاية النيل الأزرق بقيادة مالك عقار الذي كان سحب قواته بعد مواجهة مع قوات حكومة الخرطوم، وبعد أن عزله الرئيس عمر البشير من منصبه كحاكم للولاية.

وقال مراقبون في واشنطن إن هناك انقساما داخل إدارة الرئيس باراك أوباما حول الموقف من الرئيس السوداني عمر البشير.. فبينما يرى جانب استغلال «ربيع العرب» وتأييد إسقاط البشير، حتى لو كان ذلك عن طريق القوة، مثل التجربة الليبية، يرى جانب أن السودان دولة هشة بسبب انقساماتها العرقية والدينية والقبلية، وأن ظهور دويلات سودانية متعاركة سيهز الوضع في المنطقة. ويقول هذا الجانب إن الحكومة الأميركية تفضل أن تستمر على خط اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب التي وقعت سنة 2005، والتي أدت إلى استقلال الجنوب في بداية هذه السنة، على أن تواصل الحكومة الأميركية جهود تحقيق استقرار في السودان ومنع الحرب بين الدولتين، وإقناع البشير بتأسيس نظام ديمقراطي.

وأشار المراقبون إلى أن برنستون ليمان، مبعوث الرئيس أوباما للسودان، قال قبل شهرين إن إسقاط البشير ليس خيارا أميركيا، وإن الولايات المتحدة لا تدعو لفرض حظر طيران في السودان، لأن ذلك سوف «يزيد الصراع، ولن يحقق الحرية والديمقراطية». وقال إن الوضع في السودان يختلف عن الوضع في ليبيا.

ورغم أن ليمان وصف الوضع في جنوب كردفان والنيل الأزرق بأنه «في غاية الخطورة»، شدد على أن الحل العسكري لن يحسم الموضوع، وسيزيد المشاكل.

من ناحية أخرى، قال مركز «إيناف» (كفاية) في واشنطن، وهو واحد من منظمات ومراكز أميركية ظلت مناوئة للرئيس البشير منذ سنوات كثيرة، إن صورا بالأقمار الفضائية أكدت القصف الذي قامت به القوات السودانية المسلحة.

وقال جون برندرغاست، مدير «إيناف»، إن حكومة البشير تحاول إثارة السودان الجنوبي لإعلان الحرب عليه والانتقام من انفصال الجنوب. وقال: «نهاية اللعبة لهذا النظام هي الاستيلاء على حقول النفط في السودان الجنوبي على طول الحدود المشتركة بينهما، أو تحقيق موقف تفاوضي أقوى على عائدات النفط المشتركة وترسيم الحدود». وأضاف: «يجب التصدي لهذا الاستفزاز بالقوة الكاملة للمجتمع الدولي، وإلا يمكن أن تحدث حرب واسعة النطاق».

وفي ندوة في واشنطن أمس، كرر الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة، أن «السودان يواجه كارثة كبرى»، لكنه دعا إلى «تغيير النظام»، في إشارة إلى حكومة الرئيس البشير، بدلا من «إسقاط النظام»، إشارة إلى موجة الثورات التي اجتاحت المنطقة.

وانتقد المهدي اتفاق «كاودا»، في جنوب كردفان، بين الحركة الشعبية في جنوب كردفان والحركة الشعبية في النيل الأزرق، ومنظمات دارفورية مسلحة، الذي دعا لإسقاط نظام البشير بالقوة. وقال المهدي إنه لا داع لتكرار التدخل الغربي في ثورة ليبيا، وذلك لأن السودان يمكن أن ينقسم إلى دويلات صغيرة بسبب الاختلافات العرقية والقبلية والدينية. وقال إن السودان يمكن أن يسير على تجربة أميركا اللاتينية، وأشار إلى دول مثل البرازيل وأوروغواي، وقال إن الحكم العسكري فيها تغير سلميا إلى حكم ديمقراطي.

وحذر المهدي من تصريحات منظمات أميركية دعت إلى فرض الحظر الجوي على السودان بهدف حماية المدنيين، خاصة في جبال النوبة والنيل الأزرق والحدود بين الشمال والجنوب. غير أن المهدي أشار إلى احتمالات أخرى، منها «ثورة شعبية شبابية سلمية تخرج إلى الشوارع».

وقال المهدي إن حزبه رفض الاشتراك في حكومة البشير بسبب عدم الاتفاق على تحولات ديمقراطية مؤكدة ومبرمجة.

خلال الندوة، دافع أنور الحاج، ممثل الحركة الشعبية الشمالية في واشنطن، عن تحالف «كاودا»، وقال إنه ليس عسكريا فقط، وإنه سياسي أيضا، ويريد تغيير نظام البشير سلميا، قبل أن يكون التغيير عسكريا. وقال الحاج إن البشير يقدر على حقن دماء السودانيين، من كل الطوائف، إذا وافق على الرحيل سلميا.

ونفى الحاج أن حكومة الجنوب وراء اتفاقية «كاودا»، وقال إن اتفاقية «كاودا» فرضت على الأطراف التي وقعت عليها بسبب سياسات البشير الذي حاول نزع سلاح هذه المنظمات بالقوة بعد خسارة المؤتمر الوطني (الحاكم) في الانتخابات المحلية، وبسبب عدم تنفيذ حزب المؤتمر لبنود اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب عن المناطق المهمشة في الشمال.

وفي الندوة، نفى المهدي اتهامات له بأنه لا يوفر الحرية داخل حزب الأمة، وأنه يستغل مكانته في عائلة المهدي للسيطرة على الحزب، وأنه فاسد وارتكب مخالفات مالية.

ودعا المهدي السودانيين في الولايات المتحدة لتنظيم أنفسهم لاختيار بديل لنظام البشير، ولكتابة دستور ديمقراطي، ولإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

وقال مصدر سوداني في واشنطن يختلف مع المهدي لـ«الشرق الأوسط»، إن المهدي، رغم إعلانه رفض الاشتراك في حكومة البشير، يريد مرحلة انتقالية ليتنازل البشير عن الحكم بعد سنة، وإنه إذا وافق البشير على ذلك، فسيشترك المهدي في حكومته، وإن المهدي يريد استغلال ضعف البشير، ليس فقط بالنسبة لتدهور علاقته مع الولايات المتحدة، ولكن، أيضا، بسبب «ربيع العرب» الذي جعل البشير على رأس قائمة الحكام العرب الباقين في السلطة.