الحملة الانتخابية في «العيون» انطلقت هادئة وفاترة.. والناس منشغلون بالتخمينات

21 لائحة تتنافس فيها.. وضباط الـ«مينورسو» في وضعية استرخاء تام

سيارات الـ«مينورسو» في أحد شوارع العيون («الشرق الأوسط»)
TT

تجلس مجموعة من ضباط الـ«مينورسو» (البعثة الأممية المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار في الصحراء) في صالون فندق «المسيرة» الذي يتوسط العيون، يتبادلون أحاديث بصوت خفيض، ومن الواضح أنهم مسترخون تماما في مهمة يمكن اعتبارها «سياحية»، قياسا بالمصاعب التي تواجهها «القبعات الزرق» في باقي أنحاء العالم.

من الشارات التي على أكتاف الضباط يتضح أنهم جاءوا من فرنسا وإيطاليا وكرواتيا والبرازيل والبرتغال ومصر. كان هناك ثلاثة من الضباط المصريين يحملون رتبة نقيب في حين يحمل الرابع رتبة رائد، انتحوا جانبا في صالون بهو الاستقبال، يتناقشون حول الوضع في مصر وحادثة «ماسبيرو». هم أيضا يتحدثون بصوت خفيض، وهو أمر لافت. لا أحد من ضباط الـ«مينورسو» تشغله حملة انتخابية انطلقت هادئة وفاترة نسبيا، في هذه المدينة التي اتسعت وتمددت. هؤلاء الضباط يقيمون في فنادق المدينة الثلاثة، وهي: «المسيرة» و«النكجير» و«برادور»، يتنقلون منها يوميا بسياراتهم البيضاء ذات الدفع الرباعي، التي عليها شارات الأمم المتحدة من هذه إلى مقر بعثة الـ«مينورسو» في العيون، يراقبون وقفا لإطلاق النار في الصحراء منذ سبتمبر (أيلول) عام 1991، لم يخرق ولو مرة واحدة. هذه البعثة الأممية هي الأكثر راحة بال في العالم بأسره.

انتشرت في العيون أعداد من سيارات الأمن المغربية عند مفترقات الطرق، هذا الانتشار الأمني ازداد كثافة منذ أحداث معسكر «كديم إزيك» في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، وهو معسكر نظمه صحراويون محتجون على أوضاعهم الاجتماعية، لكن قوات الأمن تدخلت بعد مرور أسابيع على إقامة المعسكر خارج العيون وعملت على تفكيكه بالقوة، وأسفرت تلك الأحداث عن قتلى وجرحى معظمهم من رجال الأمن بسبب تدخلهم دون سلاح. ولا يزال الناس يتحدثون عن تلك الأحداث، ومحاولة فهم ما جرى، خصوصا مع تضارب الروايات. من بين مطالب الشباب الذين شاركوا في معسكر «كديم إزيك» مسألة توظيف العاطلين في المدينة.

في هذا الصدد يقدر خليل الدخيل، والي العيون، نسبة العاطلين في المدينة بنحو 20 في المائة، وقال الدخيل لـ«الشرق الأوسط» إن السلطات اعتادت في السابق تقديم مساعدات نقدية للشباب العاطل، في إطار برنامج يعرف باسم «الإنعاش الوطني»، لكن ذلك الأسلوب لم يكن مجديا، خصوصا أن أعدادا كبيرة من شباب المدن الصحراوية تخرجوا من الجامعات. وفي هذا الصدد يقول الدخيل إن العيون هي المدينة الوحيدة في المغرب التي تستطيع أن توفر لكل طفل مقعدا دراسيا. ويتواصل التعليم في المدينة حتى مرحلة الثانوي، ثم ينتقل الطلاب إلى جامعات الرباط ومراكش وأغادير لمتابعة دراستهم الجامعية، لكن الدخيل قال إن نواة لمؤسسة جامعية شرع الآن في تشييدها في العيون. ويعتقد الدخيل، هو يتحدر أصلا من العيون، أن حل معضلة البطالة في المدينة يكمن في إنشاء تنمية اقتصادية محلية وتشييد مشاريع مندمجة في الاقتصاد المغربي.

يركز مرشحو مختلف الأحزاب خلال الحملة الانتخابية، وبطريقة لافتة، على موضوع العمل وبطالة الشباب. وعلى الرغم من وجود 21 لائحة متنافسة وتضم كل لائحة ثلاثة مرشحين، ذلك أن العيون سيكون لها ثلاثة نواب في البرلمان المقبل، فإن مصادر محلية تقول إن هناك ما بين ثلاث إلى أربع لوائح هي التي سيحتدم بينها التنافس خلال الاقتراع في الـ25 من الشهر الحالي. في أحد الأحياء الشعبية، وداخل بناية حديثة، كانت هناك حركة وضجيج لأشخاص كثيرين داخل مقر المرشح «الجيد الكارح»، وهو من حزب الحركة الشعبية، وهو عضو في مجلس النواب، الذي أوشكت ولايته على الانتهاء. وكانت هناك لافتة ضخمة من قماش تدلت فوق المبنى الذي يتكون من عدة طوابق. كان الكارح مشغولا مع أنصاره وهو يكلفهم بمهام تنظيمية في التجمعات التي انطلقت في أحياء المدينة، وسمح له وقته بالكاد ببضع دقائق، كانت توقعات الكارح أن تتراوح نسبة الاقتراع في العيون ما بين 40 إلى 45 في المائة. ويضع والي العيون كذلك النسبة في هذه الحدود، حيث يقول إنها ستكون في حدود 45 في المائة، مشيرا إلى أن الناخبين يقبلون أكثر في هذه المنطقة على الانتخابات البلدية.

ويقول الكارح إن برنامجه هو برنامج الحزب الذي ينتمي إليه، لكنه أشار كذلك إلى مسألة البطالة والتزامه بإيجاد حلول لها. خارج المقر كانت هناك مئات المنشورات الانتخابية ملقية على الأرض، وهو ما يؤشر على أن آلاف المنشورات وزعت على المشاركين في الحملة الانتخابية لتوزيعها على الناخبين من خلال التجمعات الانتخابية. وكان الوالي الدخيل اجتمع مع جميع المرشحين وطلب منهم عدم تنظيم مواكب بالسيارات في الشوارع تعرقل حركة المرور، وكذا الاقتصار على توزيع المنشورات الانتخابية خلال التجمعات، تفاديا لاحتكاكات ربما تحدث بين المشاركين في هذه الحملات.

في مدينة العيون القديمة، وداخل «مركز عبد الخالق الطريس»، كان يوجد حمدي ولد الرشيد، مرشح حزب الاستقلال، الذي يعتقد كثيرون في المدينة أنه من أكثر المرشحين حظوظا، وهو يشغل كذلك رئيس بلدية المدينة، واستطاع تقديم الكثير من الخدمات للسكان على صعيد البنيات التحتية أو المساعدات المادية ومشاريع السكن.

كان «مركز عبد الخالق الطريس»، وهو في الأصل مركز للمنظمة الشبابية لحزب الاستقلال، يعج بالناس من المشاركين في حملة ولد الرشيد، الذي يعتقد كثيرون بأنه داهية سياسية. عندما سألت ولد الرشيد حول أولويات مشروع برنامجه الانتخابي المحلي تحدث بدوره عن مسألة توسيع سوق العمل والحد من بطالة الشباب. وهو يعتقد بثقة أن الناس تعرف لمن ستصوت، متوقعا أن يفوق الإقبال نسبة 60 في المائة، وقال: «كلما ارتفعت نسبة المشاركة تعززت حظوظ لائحتنا». وهو ينفي ما يتردد على نطاق واسع في العيون من أن القبلية تلعب الدور الحاسم أكثر من الولاء الحزبي في تصويت الناخبين، ويقول إن دليله على ذلك أن المرشحين الاثنين معه في اللائحة هما من قبيلتين لا علاقة لهما بقبيلته.

بدا الرجل بشهية مفتوحة للحديث وثقته كبيرة في مقدراته. وردا على مسألة تدخل السلطات في الانتخابات، قال: «حتى الآن، وأقول حتى الآن، لم نسجل أية مخالفة».

تعد سوق «بوكراع» من أكثر الأسواق ازدحاما في العيون، وعلى الرغم من أن الحملة الانتخابية انطلقت هادئة وإلى حد ما باردة حيث تتوقع مصادر محلية أن تتصاعد وتيرتها مع مرور الوقت، فإن الناس في هذه السوق يتحدثون كثيرا عن الاحتمالات، والواقع أن جميع الذين التقيتهم يشاركون في التخمين حول اللائحة التي يتوقعون فوزها، بيد أن الأمر سيقرره في نهاية الأمر 103 آلاف ناخب سجلوا في لوائح الناخبين في مدينة العيون وضواحيها، في انتخابات يراد لها أن تكون مختلفة في كل شيء.