نبيل بن عبد الله لـ «الشرق الأوسط»: شيطنة حزب العدالة والتنمية الإسلامي أمر لا نفهمه

أمين عام «التقدم والاشتراكية» المغربي: هناك من كان ينتظر إعلان الدائرة التي سأترشح فيها للقيام بحرب حقيقية ضدي

نبيل بن عبد الله (تصوير عبد اللطيف الصيباري)
TT

قال نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المغربي (الشيوعي سابقا)، ووزير الإعلام السابق، إن حزبه يخوض المعركة الديمقراطية، والمعركة الانتخابية، ليس في إطار إعلان حرب ضد أي أحد أو ضد أي تيار سياسي، بل دفاعا «عن مشروعنا المجتمعي، وعن مبادئنا وقناعاتنا واعتقادنا الراسخ أن مصلحة الوطن تكمن في الديمقراطية الحقة والشفافية، وطي صفحة الماضي بشكل نهائي، وترك الفضاء السياسي يتهيكل بشكل طبيعي وبكل حرية».

وأوضح بن عبد الله، في حديث خص به «الشرق الأوسط» عبر الهاتف، أنه من مصلحة المغرب بناء هذا المشروع المجتمعي دون أن يتبوأ أي كان مكانة تخول له السيطرة على الساحة السياسية بأساليب ماضوية غير مقبولة، أساليب ندد بها الشارع أثناء الحراك السياسي والاجتماعي الذي جرى في بداية هذه السنة، مشيرا إلى أن «تشككنا في هذا التصور يجعل البعض لا يقبل استقلالية قرار حزبنا، ولا يقبل أن يدافع حزبنا باستماتة كبيرة على هذه التصورات، التي نعتبر أنها في صلب مصلحة الوطن، وتخدم استقراره، وتمكننا فعلا من أن نخطو خطوات كبيرة نحو الديمقراطية في إطار الاستقرار المؤسساتي». واعتبر بن عبد الله أن كل الأساليب الأخرى «تراهن بمستقبل البلاد، وتعرض المغرب لإمكانية حدوث اضطرابات، لا قدر الله، يصعب علينا جميعا أن نتنبأ بما يمكن أن ينتج عنها». وقال بن عبد الله موجها حديثه إلى جميع الأطراف السياسية الموجودة في البلاد: «ليس هكذا تبنى الديمقراطية، ليس بأساليب التكرار والضغط، بل في إطار التنافس الشريف، وفي إطار أن يكون هناك تطابق بين الخطاب والممارسة». وانتقد بن عبد الله بعض الأحزاب التي تضع نفسها في إطار بناء مشروع ديمقراطي وحداثي وهي خلف الستار تمارس أمورا «تعيدنا إلى عقود مضى عليها الزمان».

إلى ذلك، استغرب بن عبد الله «شيطنة» حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض من قبل بعض الجهات، وقال إن «شيطنة هذا الحزب أمر لا نفهمه». وفي ما يلي نص الحوار.

> هذه أول انتخابات تشريعية يخوضها حزبكم تحت قيادتكم. فما رهاناتكم عليها؟

- الرهان الأول هو أن هذه الانتخابات تأتي بعد مصادقة الشعب المغربي على دستور جديد، وهذا الرهان يرتبط بضرورة التفعيل السليم والحقيقي لهذا الدستور الذي يتوفر على مضامين ديمقراطية في مجالات مختلفة.. فالهدف هو بناء دولة ديمقراطية حديثة، وأن يصبح الدستور واقعا معيشا بالنسبة لمختلف فئات الشعب المغربي. أما الرهان الثاني، فيكمن في أن هذه الانتخابات يتعين عليها أن تمر بشكل لم يسبق له مثيل من حيث النزاهة والشفافية، والقدرة على إفراز نخب جديدة قادرة على ملء المؤسسات المنتخبة، وعلى رأسها البرلمان، بشكل يعيد لها المصداقية المفقودة، ويعطي حيوية جديدة للحياة السياسية في بلادنا، ويصالح المغاربة والمغربيات مع السياسة والشأن العام. أما الرهان الثالث، فهو أن نتمكن مع حلفائنا في الكتلة الديمقراطية من أن تكون لنا جميعا مكانة تؤهلنا لتوفير غالبية حكومية تمكننا من بلورة الأرضية البرنامجية المشتركة التي وضعناها، والتي تجدد دماء الكتلة التي تعود نشأتها إلى ما يناهز عقدين من الزمن. هذه أهم الرهانات التي نريدها من انتخابات 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وسنخوض معركة قوية من أجل إبعاد مظاهر الفساد كافة، ومحاربة المفسدين كافة الذين أثروا سلبا على الحياة السياسية والانتخابية المغربية.

> تراهنون على يقظة المواطنين والمواطنات والقطع مع ممارسات الماضي خاصة استعمال المال وشراء الأصوات واللجوء إلى مختلف أساليب الضغط والترغيب لتزوير الانتخابات، ألا ترون أن رهانكم هذا يظل طوباويا لا سيما أننا نوجد أمام الناخبين أنفسهم الذين لم يأتوا من كوكب آخر، وأمام الكائنات الانتخابية نفسها، وبالخلاصة، أننا أمام عقلية ثابتة لا تتزحزح قيد أنملة؟

- كلامكم صحيح، لأن الواقع السياسي المغربي، والواقع الانتخابي بشكل خاص يرتبط بظاهرة قد تؤثر سلبا على المشهد السياسي، وتؤثر سلبا بالخصوص على قوى تقدمية ديمقراطية تعتمد كثيرا على فئات بعينها هي النخب والفئات الوسطى، وعدد من الأوساط الشعبية الواعية. والحال أن ظاهرة الإمساك عن التصويت تجعلنا أمام عناصر فاسدة، وأحزاب تستعمل هذه العناصر الفاسدة عبر شراء الضمائر، واستعمال جيوش من المصوتين يسعون للتأثير المالي، ولذلك نحن أمام معركة حقيقية من أجل الرفع من نسبة المشاركة، والتمكن فعلا من بداية القطع مع الماضي. أما القطع النهائي مع الماضي، فإعتقد أنه، كما قلتم، سيكون من باب الخيال، لأننا في مرحلة البناء، ونحتاج إلى أن نطور أكثر فأكثر الحزب الديمقراطي، وثقافة المواطنة في مجتمعنا. وسنواصل هذه المعركة عسى أن يكون هناك تعاقد. وفي هذا الصدد، نقول للناخبات والناخبين: «هذا تعاقد بيننا.. نحن نعلم أنكم يائسون، وتتساءلون حول جدوى هذا التصويت؟ فشعارنا هو أن نتعاقد معا، ونقول لكم إن هناك أحزابا جادة كرست حياتها لأن تُشَيِّئ الديمقراطية في بلادنا، وأن هذه الأحزاب الجادة هي في أمس الحاجة إليكم اليوم. نحن قمنا بواجبنا من أجل تجديد دمائنا، والاستماع إليكم، فعليكم اليوم أن تقوموا أنتم بواجبكم، وأن تناهضوا معنا مظاهر الفساد كافة، وأن تحضروا معنا في كل الدوائر الانتخابية لمحاربة الفاسدين والمفسدين، ولإبراز نتائج تمكن قوى التحديث والتقدم والديمقراطية من أن تواصل مسار الإصلاح في بلادنا إلى جانب ملك البلاد الذي أكد في مختلف خطبه الأخيرة أنه يطمح أن تكون هناك حياة سياسية جديدة تمكن المغرب من قطع أشواط على مستوى البناء الديمقراطي. ووجه جلالة الملك كذلك خطابا إلى الأحزاب السياسية يطالبها بالقيام بدورها. ونحن، في (التقدم والاشتراكية)، نعتبر أننا قمنا بدورنا انطلاقا من طبيعة المرشحين الذين قدمناهم، ومن كفاءتهم، ومن كون أننا جددنا هؤلاء المرشحين بنسبة تفوق 60 أو 70 في المائة». وتوجه الملك محمد السادس أيضا إلى الناخبات والناخبين لحثهم على التصويت، كما توجه بشكل واضح إلى العناصر الفاسدة لتبتعد عن الحقل السياسي.

> ترفعون شعار «الكرامة الآن».. هل هذا راجع إلى إحساس حزبكم أن كرامته خدشت من بعض النافذين في الدولة؟

- الواقع أن «الكرامة» الآن هي شعار يجيب الآن عن عدة تساؤلات. أولا، الكرامة في ظل الدستور الجديد تعني الديمقراطية الحقة، وأن يشعر كل مغربي بأنه مواطن حقيقي ينعم بكل الحقوق، وبالجيل الجديد من الحقوق التي تضمنها الدستور الجديد (سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية وثقافية)، ولذلك نعتبر أن «الكرامة» هي شعار المرحلة لأننا في الوقت نفسه نعتبر أن هذا الشعار يعني كذلك ممارسة الحرية (حرية المواطن)، ويعني أن هناك فضاء جديدا لبلورة نمو اقتصادي قادر على أن يجعل «الإنسان» و«كرامته» في صلب المشروع المجتمعي. وهناك أيضا معنى آخر لهذه الكرامة هو «العدالة الاجتماعية» على أساس أن الثروات التي ينتجها مجتمعنا يتم توزيعها بشكل عادل. فهذه كلها معارك نخوضها تحت هذا الشعار الذي كان كذلك من أهم الشعارات التي رفعت أثناء الحراك الاجتماعي (20 فبراير/ شباط الماضي) الذي شهده المغرب في بداية هذه السنة. أضف إلى ذلك أننا نوجه، كما قلتم، خطابا واضحا ورسالة غير مشفرة لعدد من الأطراف السياسية لنقول لها إن هناك أحزابا ستحتفظ بكرامتها، واستقلالية قرارها، وستواصل النضال كما ناضلت منذ 70 سنة على غرار حزب التقدم والاشتراكية، وذلك من أجل أن يتمكن المغرب فعلا من أن يبني ديمقراطية سليمة، ويوفر ظروف عيش كريم لمواطنيه كافة.

> أعلنتم عدم ترشحكم للانتخابات والاكتفاء بالإشراف على الحملة الانتخابية. فهل ذلك يعود إلى خوفكم من التعرض لمقلب من قبل بعض خصومكم السياسيين خاصة حزب الأصالة والمعاصرة؟

- تلقيت مقترحات للترشح في 3 أو 4 دوائر انتخابية التي يوجد للحزب فيها حضور. وفي بعض الحالات كان هناك استعداد لدى بعض نواب حزبنا الذين يتوفرون على حظوظ وافرة للنجاح، لكي يتنازلوا عن دوائرهم لفائدتي، وذلك في إطار روح نضالية حقيقية أشكرهم عليها. وفي النهاية وبعد تفكير ملي، وبالنظر إلى أن هناك صراعا قويا نخوضه مع أوساط محافظة، وأوساط تريد أن تعاكس المسار التصاعدي لحزب التقدم والاشتراكية، إضافة إلى توصلنا لأخبار تقول إن هذه الأوساط تنتظر فقط الإعلان عن الدائرة الانتخابية التي سوف أترشح فيها للقيام بحرب حقيقية ضد الحزب وأمينه العام.. فتفاديا لأن ينشغل الحزب بكامله بهذه المعارك الجانبية، قررت شخصيا إلى جانب القيادة الوطنية للحزب بأن أتكلف بقيادة الحملة الانتخابية، وأن لا نترك الفرصة لخصومنا لحدوث صراعات جانبية لا فائدة للوطن ولشعبنا منها. من هذا المنطلق، أعتقد أن المنصب الحزبي الذي أمارسه اليوم يتطلب مني تضحيات كبيرة ووقتا كثيرا، وعلى هذا الأساس سأقوم بالمهمة المنوطة بي للاهتمام بقضايا حزبية أساسية.

> أعلنتم عن ترشيح أمين عام حزبكم السابق، ورئيس مجلس رئاسته، في مدينة سيدي سليمان بعدما تعرض رئيس بلديتها المنتمي إلى حزبكم لضغوطات جعلته يترشح باسم «الأصالة والمعاصرة».. كيف تفسر خضوع هذا الشخص لتلك الضغوطات وتغيير جلده بكل هذه السهولة؟

- الواقع أن هذا الشخص التحق بحزبنا منذ ما يناهز السنتين إلى جانب عدد من المستشارين والمنتخبين المحليين في البلدية التي يسيرها، وهي بلدية مدينة سيدي سليمان، واستطاع إلى جانب الحزب أن يصمد أمام عدد من الإكراهات والضغوطات طيلة السنتين الماضيتين. وفي الأيام الثلاثة التي سبقت يوم الشروع في تقديم الترشيحات سلمناه التزكية الحزبية الانتخابية، بيد أننا لم نتلق أي أخبار عنه، وذلك راجع إلى أن الأوساط المعادية لحزبنا استطاعت أن تسحب منه الغالبية التي يتوفر عليها في المجلس البلدي، وهددته بالمضي قدما في ذلك، وفي نهاية المطاف ترشح تحت لواء تلك الأوساط ذاتها أو بالأحرى الحزب الذي يقف وراء هذه المناورات. إن هذا الأمر هو الذي جعلنا نرفع التحدي من خلال القول إن «التقدم والاشتراكية» رفع تحديات جساما منذ تأسيسه، وواجه التزوير وواجه مختلف أشكال القمع، واستطاع أن يخرج إلى جانب الشعب المغربي منتصرا من هذه المعركة، وبالتالي، فإن حزبنا لا يركع وإنما سيواصل النضال. وربما أن البعض كانوا يتمنون بالنظر إلى قوة التدخلات والمناورات والضغوطات، دفعنا إلى اتخاذ رد فعل سلبي يصل إلى حد مقاطعة الانتخابات التشريعية؛ بيد أن جوابنا كان إيجابيا، وسياسيا، يتمثل في أن إسماعيل العلوي الأمين العام السابق للحزب، ورئيس مجلس رئاسته حاليا، الذي كان نائبا لهذه الدائرة إبان ظروف حالكة (عقد الثمانينات)، قرر في اتصال أجريته معه، أن يترشح، ليس للفوز بالمقعد، وإنما ليقول إلى جانب حزبه لهذه الأوساط إننا سنواجه كل هذه الممارسات، وإننا سنصمد، وعازمون على كسب معركة التغيير إلى جانب الشعب المغربي.

> يظهر من كلامك أن هناك حربا ضروسة بين حزبكم وحزب الأصالة والمعاصرة؟ فما حقيقة التشنج الحاصل بينكم وبين «الأصالة والمعاصرة» وعرابه فؤاد عالي الهمة؟

- في الواقع، نحن نخوض المعركة الديمقراطية، والمعركة الانتخابية ليس في إطار إعلان حرب ضد أي أحد أو ضد أي تيار سياسي. بل دفاعا عن مشروعنا المجتمعي، وعن مبادئنا وقناعاتنا واعتقادنا الراسخ أن مصلحة الوطن تكمن في الديمقراطية الحقة وفي الشفافية، وطي صفحة الماضي بشكل نهائي، وترك الفضاء السياسي يتهيكل بشكل طبيعي وبكل حرية. فمن مصلحة المغرب أن نبني هذا المشروع المجتمعي دون أن يتبوأ أي كان مكانة تخول له أن يسيطر على الساحة السياسية بأساليب ماضوية غير مقبولة.. أساليب ندد بها الشارع أثناء الحراك السياسي والاجتماعي الذي شهدناه في بداية هذه السنة. فتشككنا في هذا التصور يجعل البعض لا يقبل استقلالية قرار حزبنا، ولا يقبل أن يدافع حزبنا باستماتة كبيرة عن هذه التصورات، التي نعتبر أنها في صلب مصلحة الوطن، وتخدم استقراره، وتمكننا فعلا من أن نخطو خطوات كبيرة نحو الديمقراطية في إطار الاستقرار المؤسساتي. أما خارج ذلك، فنعتبر أن كل الأساليب الأخرى تراهن بمستقبل البلاد، وتعرض المغرب لإمكانية حدوث اضطرابات، لا قدر الله، يصعب علينا جميعا أن نتنبأ بما يمكن أن ينتج عنها، لذلك نحن نقول لجميع الأطراف السياسية الموجودة في البلاد: «ليس هكذا تبنى الديمقراطية»، ليس بأساليب التكرار والضغط؛ بل في إطار التنافس الشريف، وفي إطار أن يكون هناك تطابق بين الخطاب والممارسة. لذلك لا يمكن لأحد أن يقول إنه يضع نفسه في إطار بناء مشروع ديمقراطي وحداثي وهو خلف الستار يمارس أمورا تعيدنا إلى عقود مضى عليها الزمان. فهذا أمر ربما لا يقلق البعض، وهذا ما يجعل هناك من يريد عكس ما نريده نحن. والحمد لله، نحن اليوم لسنا وحدنا في هذا المعترك، هناك أحزاب الكتلة الديمقراطية وأحزاب أخرى ترفض هذا التوجه، ومتمنياتنا هي أن نخرج جميعا منتصرين من هذه المعركة.

> اعترف عباس الفاسي رئيس الحكومة أن هناك ارتباكا داخل الأغلبية الحكومية، ألا ترى أنه اعتراف جاء متأخرا؟

- ربما. وعلى أية حال، فبالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية، وفي إطار ممارسة الأخلاق السياسية الرفيعة، كنا دائما أوفياء لتحالفنا الحكومي، وتحملنا مشاق هذا التحالف، وتحملنا النتائج الإيجابية، وتحملنا أيضا السلبيات والنقائص والاختلالات التي تستمر، والتي تجعلنا اليوم نقول إن هناك ضرورة لرفع التحديات من خلال جيل جديد من الإصلاحات في الفضاء السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي للتغلب على كل هذه الاختلالات، لكننا كنا أوفياء، وعندما اقترب موعد الانتخابات، لاحظنا أن هناك بعض مكونات الأغلبية الحكومية تحالفت في خندق آخر مع بعض أحزاب المعارضة، وبدأت تخرج عن واجب التضامن الحكومي الذي يوجد في الدول الديمقراطية العريقة كافة. ونددنا بذلك في وقته سواء تعلق الأمر بالقوانين الانتخابية وبوضع تعديلات في البرلمان مع هذه الأحزاب المعارضة أو مع بعض الأطراف الحكومية، أو تعلق الأمر، كما لاحظنا، بارتباك بالنسبة لقانون الموازنة لعام 2012. ففي كل هذه المحطات، أكدنا على أنه ليس هكذا تمارس السياسة، وليس هكذا يمكن أن نعطي صورة بناءة تتماشى مع مضامين الدستور الجديد. فأن تقرر أحزاب مشاركة في الحكومة أن تتحالف مع بعض الأحزاب الأخرى الموجودة في المعارضة، فلها الحق في ذلك قبل موعد الانتخابات لكن على أساس أن تنهي مشوارها الحكومي في ظروف تحترم التضامن الحكومي. لذلك أتفهم أن يكون الأستاذ عباس الفاسي قد أعلن في لقاء صحافي مؤخرا أنه ينتقد بشدة هذا الارتباك، الذي شعر البعض أنه يدخل في معركة انتخابية قبل الأوان، وكذلك في حملة انتخابية سابقة لأوانها. وبدورنا، نؤكد أننا كنا في «التقدم والاشتراكية» أول من ندد في بيانات مكتبه السياسي بهذا الارتباك الحكومي.

> لكن ألا ترون أن انتقاد هذه الأحزاب، واعتبار ما قامت به «بدعة سياسية»، هو انتقاد غير ذي موضوع، خاصة أن الفاسي قبل منذ تشكيل حكومته بتعيين وزير تعليم ينتمي لحركة سياسية تحولت في ما بعد إلى حزب سياسي، ألا ترون أن القبول بذلك هو بدعة سياسية أيضا؟

- عندما نعود إلى مرحلة تشكيل الحكومة لم يكن آنذاك وزير التعليم الحالي ينتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، لسبب بسيط هو أن «الأصالة والمعاصرة» لم يكن له وجود آنذاك، وكنا نستمع فقط إلى إمكانية تأسيس جمعية أو حركة سميت في ما بعد «حركة من أجل كل الديمقراطيين»، وكان يقودها آنذاك وزير التعليم الحالي. وبعد ذلك، أعلن هذا الأخير عن تجميد عضويته في حزب الأصالة والمعاصرة، وهكذا استمر في الحكومة باعتبار أنه لم يعد له أي نشاط سياسي يذكر داخل ذلك الحزب، وهذا ما جعل الأستاذ عباس الفاسي يقبل هذا الأمر، ويستمر في هذا النهج.

> ما الأخطاء التي لا تغتفر التي ارتكبتها الحكومة الحالية في نظرك؟

- أخطاء لا تغتفر بهذه الصيغة القوية، لا أعتقد أن هناك ما يمكن أن يصنف في هذه الخانة. الآن، هناك سلبيات واختلالات ونقائص إلى جانب نقاط إيجابية عديدة. والحكومة الحالية استطاعت أن تواصل مشوار الإصلاح سواء في مجال الورشات الكبرى، والمحافظة على التوازنات المالية الأساسية بالنسبة لبلادنا في سياق وضع مالي واقتصادي عالمي مترد. وهذا يحسب لهذه الحكومة، إلى جانب إنجازات أخرى في مجالات متعددة، لكن من الضروري أن نقول إن هناك إخفاقات كبرى على مستوى النظامين التعليمي والصحي، لا سيما تعثر مسألة تعميم التغطية الصحية لكل المغاربة، وهو أمر ليس بالهين، وأيضا على مستوى ظاهرة الفقر والهشاشة الاجتماعية في عدد من القرى والمدن وضواحيها، كما أنه رغم ما عرفناه من تراجع للبطالة، فإن هناك استمرارا لظاهرة بطالة الشباب، خاصة الحاصل على شهادات جامعية عليا. ودون ذلك، فإن هذا يجعلنا نؤكد على أن للحكومة الحالية رصيدا إيجابيا على العموم، لكن الشعب المغربي ينتظر اليوم قدرا من الإنجازات والمكتسبات ليشعر بأن هناك تغييرا في حياته اليومية. هناك أيضا بعض القضايا الرمزية التي قدمت فيها الحكومة الجديد لكن ليس بالقدر الكافي، ويتعلق الأمر بمحاربة مظاهر الفساد سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، خاصة ظاهرة الرشوة التي يصنف المغرب بشأنها في مراتب متأخرة، وكذلك استمرار بعض المجالات التي يسيطر فيها اقتصاد الريع، والحال أننا ندخل عهد الشفافية والحداثة وهناك بعض القضايا المرتبطة بتحسين الحكامة لم تتمكن الحكومة الحالية من الإقدام على إنجازات عميقة بشأنها رغم المجهودات التي بذلت. ونحن في حزبنا نقول ذلك من باب تحملنا المسؤولية، ورغم مشاركتنا في هذه الحكومة بوزيرين فقط، فإننا نتحمل كل الأعباء في إطار المسؤولية المشتركة والتضامن الإيجابي، ونفتخر بذلك، كما أننا نتحمل السلبي، وسنفسر في إطار حملتنا التواصلية والانتخابية أسباب هذا التأخر، ولماذا ما زال هناك استمرار في عدد من الاختلالات.

> ألا ترون أن أحزاب الكتلة الديمقراطية، وأحزاب الغالبية الحالية استنفدت دورها في تسيير الشأن العام، وأن المغرب الآن في حاجة إلى متنفس شبيه بحكومة التناوب التوافقي، التي جنبت البلد، قبل أكثر من 10 سنوات، التعرض لسكتة قلبية؟

- هذا سؤال مشروع، لكن الجواب عنه هو الأصعب، بحيث إننا حتى إذا افترضنا أن الأمر كما قلتم، فثمة تساؤل مفاده: هل هناك قوى سياسية أخرى تحظى بثقة الشعب قادرة على أن توفر غالبية حكومية، وأن تبلور تصورات جديدة للقضاء على كل أشكال الاختلالات والسلبيات التي ذكرتها؟ ربما البعض يفكر في التحالف الذي أنشئ مؤخرا، وهو تحالف قديم في لباس جديد.

> أنا أشرت أيضا إلى استنفاد أحزاب الأغلبية الحالية دورها في تسيير الشأن العام، بما فيها المنخرطة في التحالف الجديد؟

- لذلك أقول لك هذا تحالف قديم بلباس جديد، فهو يضم حزبين ينتميان للأغلبية الحكومية الحالية، إضافة إلى أحزاب أخرى كانت في وقت ما، بشكل أو بآخر، تسير الشأن العام حينما وصل المغرب إلى مرحلة السكتة القلبية، كما أكد على ذلك الملك الحسن الثاني رحمه الله. فلا يكفي الإتيان ببعض الفصائل التي كانت تنتمي لليسار لمحاولة ذر الرماد على عيون المغاربة.

هناك أيضا إمكانية أخرى تكمن في أن يحصل حزب معارض هو حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى، وهذا من الفرضيات الممكنة. لكن هل يستطيع هذا الحزب أن يشكل غالبية حكومية؟ ومع من يمكنه أن يتحالف؟ نحن نعلم أن حزب العدالة والتنمية يؤكد على أن موقعه الطبيعي يوجد في إطار الكتلة الديمقراطية، لكنه لم يتقدم بأي طلب للانضمام الرسمي إليها، والحال أن الكتلة نفسها لم تناقش في أي لحظة هذه الإمكانية، وبالتالي نعتقد أن أحزاب الكتلة، وعلى الأقل بالنسبة لحزبنا، أقول إننا استطعنا أن نقوم بخطوات تجديدية، وقدمنا قيادة جديدة، وأمينا عاما جديدا، وأساليب عمل مغايرة، والاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال يعملان اليوم على أن يقدما هذا الوجه الجديد. حقا الكتلة الديمقراطية لم تكن حاضرة بالمستوى نفسه من الانسجام والتضامن خلال السنوات العشر الأخيرة، ودخولنا المشترك إلى الحكومة جعلنا نركز أكثر على التناقضات الداخلية، وهذا ما يفسر ربما ما شهدناه منذ سنة 2008 من انحرافات كبيرة لأن الكتلة لو ظلت موحدة لما استطاع البعض القيام بما قام به. لكن فوق هذا وذاك، وبالنظر إلى ما هو متوفر في الساحة السياسية، وبالنظر إلى أنه ليس هناك أي حزب سياسي بإمكانه أن يحصل على الأغلبية لوحده، وبالنظر إلى أن جزءا من القوى التي كانت تتحرك في إطار الحراك السياسي والاجتماعي في بداية هذه السنة، قررت مقاطعة الانتخابات، وهو موقف سياسي نحترمه بيد أنه موقف لا يضاهيه وزن انتخابي، وبالتالي فإنه رغم كل هذه الاعتبارات، فإن أحزاب الكتلة الديمقراطية تظل هي التي تتوفر في الساحة السياسية اليوم على أكبر قدر من المصداقية، فهي التي يمكن أن تعتمد عليها البلاد للمصالحة مع الذات، ولإعطاء نفس جديد للحياة السياسية لجعل المواطنين يشاركون بكثافة في الاستحقاقات المقبلة، وتكون هناك إمكانية في أن يصبح الدستور الجديد بمضامينه المختلفة واقعا ملموسا، وخارج ذلك سندخل في عالم التكهنات التي ربما أنها من حيث المقاربة التحليلية التي يمكن أن يقوم بها علماء السياسة والمحللون السياسيون، قد تكون مفيدة لتغذية التفكير، ولكنها غير جدية وغير ذات جدوى بالنسبة للواقع السياسي، لأن الواقع لا يرتفع، وعلينا أن نتعامل معه كما هو.

> ألا ترى أن الكتلة الديمقراطية ضيعت فرصة التحالف مع «العدالة والتنمية» «في مواجهة حزب الأصالة والمعاصرة؟

- ربما كان هناك من يراهن في حساباته على أننا في أحزاب الكتلة الديمقراطية سنرتمي في أحضان «العدالة والتنمية»، وأنهم سيستعملون ذلك في ما بعد للقول: «هذا ما قلناه لكم»، وكأن حزب العدالة والتنمية بمثابة الشيطان الذي لا إمكانية للتعامل معه. وعلى أي حال، نحن نؤكد بوضوح على اختلافاتنا وخلافاتنا الجوهرية مع هذا الحزب في ما يتعلق بالمشروع المجتمعي والقيم والحريات والمساواة بين الرجل والمرأة.. ولكننا نقدر مواقف هذا الحزب الإيجابية أثناء الحراك السياسي والاجتماعي، وحينما تطلب الأمر الصمود أمام الانحرافات التي شهدتها الساحة السياسية، كما نقدر مواقفه من الدستور الجديد ونداءه بالتصويت بنعم، ولذلك فإن شيطنة هذا الحزب أمر لا نفهمه. فهذا حزب موجود، والديمقراطية تفترض أن نحترم وجوده، وأن نعارض توجهاته. فذلك يدخل في إطار الصراع الديمقراطي، لكن أن يسعى البعض إلى أن تدخل الكتلة الديمقراطية في تحالف جديد معه للقول إننا أصبحنا نهدد المؤسسات ونراهن باستقرار البلاد وغير ذلك من الخطط الواهية، فتلك لعبة ومناورة لن تنطلي على أحد، ولذلك نحن في الكتلة الديمقراطية نقول إننا سندخل المعركة الانتخابية في إطار الأرضية البرنامجية المشتركة التي قدمناها قبل أكثر من أسبوعين، وإن هذه الأرضية هي أساس الميثاق الذي يمكن أن يجمعنا مع أي قوى تريد أن تشكل معنا غالبية حكومية بعد الانتخابات، أي إننا لا يمكن أن نتنازل عن قضايا جوهرية تتضمنها هذه الأرضية، وبالتالي، فإن من يريد أن يشتغل معنا عليه أن ينخرط معنا في هذه الأرضية؛ وإلا، فإن هناك احتمال آخر. بيد أن على الجميع أن يتساءل بشأن هذا الاحتمال، ألا وهو أن تلتحق الكتلة الديمقراطية بمكوناتها الثلاثة بصفوف المعارضة. فعلى الجميع أن يفكروا مليا في هذا الاحتمال، ويطرحوا سؤالا مفاده: هل يمكن اليوم بالنظر إلى الأوضاع الدولية، وبالنظر إلى ما تشهده قضية الصحراء من تطورات، وبالنظر إلى الحراك السياسي والاجتماعي الذي شهدناه، واستمرار عدد من المشكلات الاجتماعية الشائكة.. هل من مصلحة البلاد أن تكون أحزاب الكتلة في موقع المعارضة؟ قناعتنا أن الأمر ليس كذلك؛ فأحزاب الكتلة يمكن أن تشكل سندا أساسيا لاستمرار مشروع الإصلاح إلى جانب جلالة الملك، الذي يحمل هذا المشروع المجتمعي، ونتمنى أن تفرز الانتخابات قوى سياسية قادرة فعلا على أن تواكب مع الملك محمد السادس هذا المشروع.