تكليف ماريو مونتي بتشكيل حكومة جديدة في إيطاليا

برلسكوني المستقيل يقول إنه «فخور» بما أنجزه ويريد «العودة إلى الحكومة»

ماريو مونتي وزوجته إيليا يغادران كنيسة في روما أمس (أ.ب)
TT

تم، مساء أمس، تكليف مفوض الاتحاد الأوروبي السابق، ماريو مونتي، بتشكيل حكومة جديدة في إيطاليا لتحل محل حكومة رئيس الوزراء المستقيل سيلفيو برلسكوني. جاء هذا بعد أن غادر برلسكوني، 75 عاما، السلطة مساء أول من أمس وسط شتائم وهتافات مناهضة له، لكنه عاد أمس وعبر عن «فخره» بما أنجزه خلال الأزمة الاقتصادية، مؤكدا أنه يريد «العودة إلى الحكومة».

ويعتبر مونتي، 68 عاما، رجلا معتدلا، وهو نقيض برلسكوني المتهم بنسف مصداقية البلاد. وتحلى مونتي، الذي يطلق عليه في بعض الأحيان اسم «الكاردينال»، بسمعة الكفاءة والاستقلالية طوال فترة توليه منصب مفوض أوروبي على مدى 10 سنوات (1994 - 2004). كان مونتي قد درس في جامعة بوكوني الراقية في ميلانو، التي تعتبر أفضل كلية اقتصاد في إيطاليا، ثم تابع دراساته في جامعة يال بأميركا؛ حيث تتلمذ لدى جيمس توبن الحائز جائزة نوبل، ومعد مشروع الضريبة على التحويلات المالية الذي يحمل اسمه. وفي عام 1970 بدأ التعليم في جامعة تورينو التي غادرها عام 1985 ليصبح أستاذا في الاقتصاد السياسي في جامعة بوكوني؛ حيث تولى مناصب مدير معهد الاقتصاد السياسي وعميد الجامعة، وأخيرا رئيسا عام 1994، وهو المنصب الذي لا يزال يتولاه حتى الآن. وفي عام 1994 رشحته أول حكومة لبرلسكوني لمنصب مفوض أوروبي لدى رئيس المفوضية آنذاك جاك سانتر الذي أوكل إليه السوق الداخلية والخدمات المالية والضرائب والاتحاد الجمركي. وحصل مونتي على دعم المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد وأجرى محادثات، أول من أمس، مع المدير الجديد للبنك المركزي الأوروبي مواطنه ماريو دراغي.

جاءت تسمية مونتي كرئيس جديد للحكومة إثر مشاورات أجراها الرئيس جورجو نابوليتانو، نهار أمس، مع رئيسي مجلس الشيوخ والنواب ومختلف الكتل البرلمانية ورؤساء الجمهورية السابقين.

وقبل نابوليتانو استقالة برلسكوني الذي اضطر لمغادرة القصر الرئاسي من باب خلفي؛ لأن المتظاهرين الذين تجمعوا أمام المدخل الرئيسي للقصر كانوا يصفقون فرحا ويرددون هتاف «مهرج مهرج». وقبل ساعة من ذلك استقبله الحشد بهتافات «مافيا» و«عار» و«السجن» و«بريمافيرا بريمافيرا (الربيع الربيع)»، في إشارة إلى الحركات الاحتجاجية العربية.

وقالت وكالة الأنباء الإيطالية (إنسا) إنه عبَّر لمقربين منه عن شعوره بـ«مرارة عميقة». واستمرت الاحتفالات في العاصمة حتى منتصف ليل السبت - الأحد. كانت حشود قد اجتاحت، بعد ظهر السبت، المواقع الرئيسية في العاصمة، وهي تردد: «استقالة استقالة». وحمل بعض المشاركين علم إيطاليا، بينما رفع آخرون لافتات كتب عليها «باي باي سيلفيو»، و«أخيرا!».

وفي ساحة القصر، قامت فرقة موسيقية مرتجلة تضم موسيقيين تجمعوا عبر الإنترنت بتقديم مقطوعات موسيقية وأغانٍ. وقالت متظاهرة وسط صفير حاد: «اليوم نحن هنا لأننا سعداء جدا لأن برلسكوني سيعود إلى بيته». وهتفت أخرى: «تشاو.. اذهب بلا عودة».

ومع ذلك رحب بعض المتظاهرين ببرلسكوني وصفقوا له. وقال ماسيمو ديلا سيتا، وهو عامل في الخامسة والعشرين من العمر: «إنه فريد ولا يمكن أن ينسى ولا أحد بمستواه». وعبرت ماريا تيريزا بورغيلي، 54 عاما: «نشعر أننا أصبحنا أيتاما». وقال داريو فرانشسكيني، من الحزب الديمقراطي، أكبر أحزاب المعارضة: «إن الستار ينزل اليوم على واحدة من أطول الصفحات وأكثرها إيلاما في تاريخ إيطاليا».

ووجه برلسكوني، أمس، رسالة إلى حزب اليمين، وهو حزب صغير يعقد حاليا مؤتمره في تورينو (شمال)، قال فيها: «إنني فخور بما أنجزناه خلال السنوات الثلاث ونصف السنة، التي اتسمت بأزمة دولية غير مسبوقة في التاريخ». وفي أول رد فعل علني منذ تنحيه عن السلطة وسط هتافات واستياء الحشود مساء السبت في روما، أضاف برلسكوني في رسالته: «أشاطركم قناعاتكم وآمل أن نعود مجددا إلى الحكومة». وأوضح برلسكوني أنه فقد الأغلبية المطلقة في البرلمان الثلاثاء لأن «بالنهاية في البرلمان انتصر منطق الابتزازات الصغيرة والتحولات التي هي من أقدم عيوب السياسة الإيطالية».

وهاجم برلسكوني رئيس مجلس النواب جيانفراكنو فيني، حليفه السابق الذي تحول إلى المعارضة قبل سنة، مؤكدا أن «التمرد» كان «الخطيئة الأساسية» التي نسفت ولاية البرلمان. ودافع برلسكوني، مجددا، عما أنجزه، مؤكدا أن إيطاليا «تحقق أصلا الكثير في مجال التقشف الاقتصادي وأنها وافقت بحس كبير بالمسؤولية على التضحيات التي فرضتها خطط التقشف المصادق عليها في يوليو (تموز) وأغسطس (آب)». وقال إن «البلد يصنف بمعايير المتانة في المرتبة الثانية في أوروبا، مباشرة وراء ألمانيا» ويعد نسبة بطالة «أقل بنقطتين من المعدل الأوروبي». وقد وضع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي إيطاليا التي ترزح تحت ديون عملاقة (قدرها 1900 مليار يورو، 120% من إجمالي الناتج الداخلي) تحت المراقبة.

ووصفت الصحف الإيطالية استقالة برلسكوني أمس بأنه «يوم تاريخي» يشكل «نهاية عصر». وكتبت صحيفتا «كوريري ديلا سيرا» و«لاستامبا»: «وداعا برلسكوني والطريق مفتوح أمام مونتي». أما صحيفة «لاريبوبليكا» فنشرت صورة لبرلسكوني وهو يجري اتصالا هاتفيا من سيارته وقد بدا عليه التعب وعنونت: «برلسكوني يرحل والحشد يحتفل». وكتبت الصحيفة في افتتاحيتها: «سقط قناع رجل الإغراء، وانتهى الكرنفال». أما صحيفة «إيل ميساجيرو» فكتبت «يوم تاريخي» تخللته «لحظات ستبقى في ذاكرة الإيطاليين». وقالت: «بذلك انتهت عشرون عاما مثل خلالها برلسكوني بالخير والشر المحور الذي تدور حوله السياسة الوطنية».

وإلى جانب رحيل برلسكوني، ركز عدد من الصحف على المهمة الصعبة التي تنتظر رئيس الوزراء المقبل. وكتبت صحيفة «إيل كوريري» أن «الطريق صعب، ولعبوره يجب عدم الوقوع في أخطاء». كان النواب الإيطاليون قد تبنوا، السبت، مجموعة إجراءات لتقليص الديون ودفع النمو طالب بها الاتحاد الأوروبي، مما يفتح الباب أمام الاستقالة المعلنة لرئيس الحكومة برلسكوني.