انقسام لبناني حول «القرار العربي» بشأن سوريا

الحريري يشعر بالخجل وحزب الله يصف القمة بـ«العبرية».. وميقاتي يبرر.. ورئيس الجمهورية يدعو الأسد إلى تنفيذ بنود المبادرة العربية فورا وفتح حوار مع المعارضة

صورة نشرت أول من أمس للاجئين سوريين في لبنان يستقبلون وفدا من فريق 14 آذار بالتصفيق والترحيب لدى زيارته لمخيمهم في مدرسة بوادي خالد قرب الحدود (رويترز)
TT

رفعت التطورات الأخيرة في الملف السوري، من حدة السجال الداخلي اللبناني بين فريقي الموالاة والمعارضة، حول موقف لبنان في التصويت ضد القرار العربي الأخير، فبينما رأى فريق المعارضة أن هذا القرار «مخجل»، كما قال رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، كان التبرير الرسمي على لسان رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، أن هذا الموقف «انطلق من اعتبارات تراعي الخصوصية الجغرافية والتاريخية بين لبنان وسوريا، التي يتفهمها الإخوة العرب».

وفي موقف لافت، دعا الرئيس اللبناني ميشال سليمان الرئيس السوري بشار الأسد إلى «تنفيذ بنود خطة جامعة الدول العربية»، مشيرا إلى أننا «لم نقف ضد قرارات الجامعة العربية، بل نحن ضد عزل أي دولة في المطلق». وقال سليمان خلال زيارته أمس مدينة طرابلس (شمال لبنان): «إن موقف لبنان الأساسي معروف بأنه يؤيد الديمقراطية ومع تداول السلطة بكل الدول المحيطة بنا، سواء سوريا أو غيرها»، لافتا إلى أن «لبنان لا يحبذ تحقيق الأهداف السياسية باستخدام وسائل العنف، وموقفنا نابع من تنفيذ المبادرة العربية بشكل سريع خلال اليومين المقبلين بكل تفاصيلها، ويفتح الحوار مع المعارضة والسير بالإصلاحات لأنها تحتاج إلى الشجاعة والسرعة».

وعن قرار سحب العضوية عن سوريا في الجامعة العربية، أشار سليمان إلى «أننا ضد عزل أي دولة عربية؛ نظرا للأضرار التي يؤديها العزل، كما يقطع العزل قنوات الحوار، والإقصاء من الجامعة هو إبعاده عن الانتماء للجامعة العربية، ويمكن للجامعة أن تتخذ القرارات التي تراها مناسبة بصرامة، ولكن دون أن تتجه إلى إقصاء سوريا، لأن العزل يمكن أن يؤدي إلى تدخل خارجي أيضا». وحول موضوع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قال سليمان: «الحكومة مع تمويل المحكمة الدولية، وإذا كنا قد انتقدنا المحكمة في بعض الأحيان فلأنها ارتكبت بعض الأخطاء وخسرت بعض الصدقية، وعليها الآن أن تستعيد صدقيتها، ونحن دائما مع القرارات الدولية».

أما رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، الذي كان في استقبال رئيس الجمهورية، وأقام مأدبة غداء على شرفه، فاعتبر أن «موقف لبنان في القاهرة بما خص ما يجري في سوريا، انطلق من اعتبارات تراعي الخصوصية الجغرافية والتاريخية بين لبنان وسوريا، التي يتفهمها الإخوة العرب، ويدركون أن لبنان سيبقى على تواصل وتفاعل مع العرب ويريد الحلول العربية التي تجمع». مؤكدا أن «الحكومة تريد تجنيب لبنان تداعيات الدخول في مغامرات غير محسوبة، كما أنها تريد الوقوف إنسانيا إلى جانب الإخوة السوريين الذين لجأوا إلى لبنان دون أي مجال للاستغلال السياسي».

وفي حين وصف حزب الله قمة وزراء الخارجية العرب التي انعقدت أول من أمس في القاهرة بـ«القمة العبرية»، عبر رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، عن خجله «من موقف الحكومة اللبنانية في جامعة الدول العربية»، داعيا «الشعب السوري إلى عدم اعتبار أن ذلك التصويت يعبر عن إرادة اللبنانيين، بل هو يعبر عن موقف حكومة حزب الله برئاسة نجيب ميقاتي». واعتبر الحريري في دردشة مع مستخدمي موقع «تويتر»، أن «ما حصل هو انتصار لجامعة الدول العربية، وهذا هو الوقت المناسب لنصلي في ذكرى من سقطوا على طريق الحرية وبشكل خاص في سوريا». وعما إذا كان يظن أن بشار الأسد ستكون لديه فرصة لسحق الثورة السورية، قال الحريري: «أعتقد أن بشار الأسد انتهى، وفي حال سقوط الأسد لن تكون هناك تأثيرات سلبية، بل على العكس، سيكون أفضل حدث للمنطقة».

وردا على سؤال عما إذا كان سيصوت ضد سوريا في الجامعة العربية لو كان هو رئيسا للحكومة، أجاب الحريري: «كنت سأصوت ضد النظام السوري، ولو نجح أحد بالوقوف ضدي لقدمت استقالتي؛ لأن لبنان لا يمكن أن يكون على الهامش في موضوع مماثل». وسئل: «إذا طُلب منك أن تقول كلمة واحدة لبشار فما هي؟»، فأجاب: «ارحل».

وأمل الحريري أن تساعد هذه القرارات الشعب السوري على نيل حريته «لأننا سنكون بخير»، وردا على مداخلة لأحد المشتركين يقول فيها: «إننا سنترحم على بشار الأسد في المرحلة التي ستلي»، قال الحريري متوجها إلى المستخدم: «كن رؤوفا وانظر بقلبك إلى هؤلاء الضحايا الذين سقطوا.. هذا ليس عدلا للسوريين». محذرا أيا كان من ضرب الاستقرار اللبناني؛ «لأنه سيكون مفضوحا أمام العرب والعالم».

من جهة ثانية، وصف عضو كتلة حزب الله، النائب علي المقداد، قمة وزراء الخارجية العرب التي انعقدت أول من أمس في القاهرة بشأن الوضع السوري بـ«القمة العبرية»، معتبرا أنها «لا تمت لأي عربي بصلة». وقال: «سنبقى نقاوم وندافع على الرغم من كل ما يحاك لنا من مكائد، وآخرها من قبل القمة العبرية لوزراء الخارجية، لأن قراراتها ليست عربية وهي تطبيق لنهج أميركي - صهيوني، وستبقى راية المقاومة ترفرف في أرجاء الوطن، ولا تقدر أي قوة في العالم أن تزحزحها من مكانها».

ورأى عضو كتلة حزب الله، النائب علي فياض، أن «القرارات غير القانونية للمجلس الوزاري العربي تجاه سوريا، لا تهدف إلى إيقاف العنف والسير في العملية الإصلاحية، بل إلى إضعاف سوريا واستنزافها ودفعها إلى الفوضى، وشرعنة العبث بأمن سوريا واستقرارها مع ما له من تأثيرات على الأمن القومي العربي برمته». ورأى أن «النوايا انكشفت وسقطت كل الادعاءات، خصوصا أن تلك القرارات لم تكترث بالاستعداد السوري غير المشروط وغير المسبوق للالتزام بكل بنود المبادرة العربية، وما يجري فعلا هو أن المجلس الوزاري العربي يُشعل حريقا على مستوى المنطقة من الصعب إطفاؤه، وما حصل هو العلامات الأولى لزلزال خطير سيضرب المنطقة، ونحن كلبنانيين علينا واجب حماية البلد من ارتداداته السلبية». وأبدى فياض أسفه «لتحول العجز تجاه الاعتداءات الإسرائيلية ضد فلسطين والقضايا العربية في لحظة إلى مبادرات سريعة وعاجلة ونشطة ضد بلد عربي آخر، بما يهدد مستقبله ووحدته».

إلى ذلك نظم مؤيدون للنظام السوري في لبنان تجمعا ظهر أمس أمام السفارة السورية في الحمرا، تنديدا بقرارات جامعة الدول العربية، وحملوا لافتات كتب عليها «الجامعة العربية ماتت». وألقى بشار الأسعد كلمة باسم السفارة السورية أمام الجمع، قال فيها: «إننا اليوم نتواجد لنؤكد للجميع أن سوريا ماضية بطريق الإصلاح الذي أخذه الرئيس بشار الأسد، والذي لن تعيقه أي عوائق؛ لأنه نهج وتعبير عن مبادئ قيادتنا وما يريده شعبنا، ويخطئ من يظن اليوم أن الضغوط والمؤامرات قادرة على أن تدفعنا للتنازل عن بعض حقوقنا ومبادئنا».