عبد الواحد الراضي.. رجل الاعتدال وسط اليساريين وتقدمي مع اليمينيين

الاتحاد الاشتراكي تعرض لتصويت عقابي بسبب مشاركاته الحكومية

عبد الواحد الراضي (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

يتحدث عبد الواحد الراضي عادة بنبرة «رجل الدولة» وليس «رجل الحزب». خلال تقديمه لبرنامج الحزب ومرشحيه، حضر متأخرا نسبيا عن الموعد الذي حدد للصحافيين، وهي «ظاهرة مغربية» اعتاد عليها الناس، لكنه سرعان ما أشاع جوا من الاسترخاء داخل قاعة أنيقة، في مقر أنيق في حي «الرياض»، وهو حي الطبقة الوسطى في العاصمة المغربية.

يحمل الراضي أزيد من سبعة عقود فوق كتفيه، حيث يبلغ الآن من العمر 76 سنة، لكنه يعمل بطاقة كبيرة سواء على صعيد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أو مجلس النواب الذي يتولى رئاسته، أو حتى في مهامه الخارجية، حيث يترأس حاليا الاتحاد الدولي للبرلمانات.

منذ تأسيس «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» في عام 1959، نتيجة انشقاق عمودي داخل حزب الاستقلال، تبوأ الراضي موقعا متقدما داخل الحزب، وكان من الشباب القريبين كثيرا من المهدي بن بركة، السياسي المغربي اللامع، الذي ظل يشغل المغرب والمغاربة، في حياته وبعد رحيله. متوسط القامة، يسير دائما على مهل، وفي مشيته بعض الرشاقة. يستيقظ عادة في الصباح الباكر، ويفضل أن يخلو إلى نفسه أثناء تناول الإفطار. عاش في حياته يتيما حيث فقد والديه وهو بعد طفل. متزوج من سيدة فرنسية ولهما ثلاثة أبناء هم طارق وليلى ولمياء.

شعر رأسه يتداخل فيه اللونان الرمادي والأبيض، مع شارب أبيض ولحية أكثر بياضا، يرسمان شبه دائرة على وجه ممتلئ. عينان لامعتان خلف نظارتين سميكتين. يتحدث بصوت خفيض. ويجيد الإصغاء للآخرين، يستقبل ضيوفه بكثير من الدماثة واللطف وحسن الضيافة. يقرأ كثيرا، ما إن يصدر كتاب حتى يرسل في طلبه، رصين وحازم ودقيق. ظل رجلا يتمتع بصلابة خلقية تدعو للإعجاب. فولاذي الأعصاب. يسير إلى هدفه بصبر وأناة. له «تهذيب الأقوياء».

يتحدر من أسرة فلاحية عملت في مجال الزراعة في منطقة الغرب في ضواحي مدينة «سيدي سليمان»، لذلك يضمن دائما ولاء منطقته، ليس بسب السياسة ولكن بحكم التقاليد، وهو يعتبر «عميد البرلمانيين المغاربة». طلب منه المهدي بن بركة أن يترشح في دائرته الحالية في عام 1963، وكان مفاجئا أن يفوز الشاب عبد الواحد الراضي، الذي يبلغ من العمر آنذاك 27 سنة، وظل يفوز خلال الانتخابات التي جرت في أعوام 1977 و1984 و1993 و1997 و2002 و2007، إنه نائب دائم في مجلس النواب.

لفت انتباه الملك الحسن الثاني عام 1964 أثناء مداخلاته عند اقتراح المعارضة سحب الثقة من الحكومة في تلك الفترة، وكان التلفزيون ينقل مباشرة مناقشات البرلمان حينئذ. دافع الراضي بطريقة جلبت إليه الأنظار عن موقف المعارضة، وستقود تلك الواقعة إلى تعزيز علاقته لاحقا مع الملك الحسن الثاني، الذي أعجب به منذ ذلك الوقت، وتوطدت علاقاتهما إلى حد أنه كان يخرج معه في رحلات الصيد الخاصة. هذه العلاقة جعلته المحاور المرغوب فيه من طرف القصر الملكي. ربما لا يبهرك الراضي من بعيد، لكن من الصعب ألا تحترمه عن قرب. لا يقدم بسرعة بل يحاذر.

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي ظل حزب المعارضة الأساسي خلال سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات وحتى أواخر التسعينات، بقي حزبا يعد بمثابة «الخيمة الكبيرة لليسار»، لكن انقسامات وانشقاقات ومشاركة حكومية منذ عام 1998، والمناخات التي أدت إلى تقدم «الإسلاميين»، وتراجع لمعان اليسار، خصمت من زخم الاتحاد الاشتراكي الكثير. خلال جميع المنعطفات التي مر بها الحزب، سرعان ما يتحول الراضي إلى جزء من الحل. إذ ظل واحدا من هؤلاء الناس الذين تتجلى مزاياهم في إدارة المواقف الصعبة، وتتحمل أعصابهم تداعياتها، ويمتلكون قدرات النفاذ من سطح الحوادث إلى عمقها بحثا عن تصور رشيد وحل مقبول يرضي جميع الأطراف.

الراضي رجل ليس لديه حضور دائم يزكيه وإنما لديه أزمة تستدعيه على عجل. صعد إلى قيادة الحزب نتيجة «الصراع عند القمة» بين عبد الرحمن اليوسفي ومحمد اليازغي. هو الرجل الأول في الحزب الآن، لكن لقبه الرسمي «الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي»، وهذا نحت مغربي في الألقاب السياسية. هو «فلاح» وسط التكنوقراط، و«فيلسوف» درس الفلسفة بين السياسيين، و«نقابي» في صف المتحزبين، إذ تولى عدة مهام نقابية، من بينها قيادي في «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»، وكان نقيبا لأساتذة الجامعات. ورجل الاعتدال وسط اليساريين، وتقدمي مع اليمينيين.

قادر أن يحول جميع مواقعه الرسمية إلى مواقع مهمة، إذا تولى رئاسة مجلس النواب، كما هو شأنه حاليا، يصبح نفوذ مجلس النواب في نظره أكبر حتى من نفوذ الحكومة، ويقبل أن يكون ولو عمدة في قرية فتصبح «العمودية» مهمة وطنية والقرية عاصمة. عبر الراضي عن خشيته من استعمال المال في الانتخابات الحالية، وقال إن ذلك سيؤدي إلى كارثة لأن النائب الذي يفوز بالغش، سيجعل المؤسسة كلها مزيفة. لم يقل ما هي توقعاته لحزبه، الذي يتخذ من «الوردة الحمراء» شعارا، ويخوض الانتخابات تحت شعار «من أجل بناء مغرب المواطنة».

حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ظل يطرح نفسه باستمرار كحزب الحداثة، لكنه عانى كثيرا من تجاذباته الداخلية. استمر حزب الشرائح المتعلمة، ويتجسد هذا الأمر في أن 80 في المائة من مرشحيه جامعيون. وعلى الرغم من ذلك، تراجعت نتائج الحزب في الانتخابات التي جرت عام 2007 حيث احتل الصف الخامس، وهو ما شكل أرقا للاتحاديين. منذ عام 1998 وهم يشاركون في الحكومات، لذلك تعتقد مصادر داخل الحزب أنهم باتوا يتعرضون لتصويت عقابي من طرف الناخبين. يسعى الراضي الآن جاهدا إلى أن يسترجع الحزب موقعه داخل الخريطة السياسية في المغرب.. هل يستطيع ذلك؟

الراضي له «ثقافة فلاح» حتى في أسلوب حديثه. الفلاحون يعرفون أن موسما زراعيا ناجحا يتطلب صبرا ومثابرة. الموسم الفلاحي إذا بدأ بطريقة مرضية، وكانت البذور والتقاوي من النوع الجيد، ومياه الري متوافرة، والتربة خصبة، فإن التوقعات ستكون إيجابية. الراضي يأمل عبر «ثقافة الفلاح» بأن يعود «الحقل الاتحادي» مثمرا. من الواضح أنه يراهن على المتعلمين والمثقفين. عبد الواحد الراضي طرح نفسه دائما على أساس أنه رجل الساعات الحرجة والمهمات الكبيرة.