السوريون يعالجون بالمنازل في شمال لبنان «خوفا من الأمن»

إحدى النازحات لـ «الشرق الأوسط»: نعيش في حياة كالسجن

TT

تزامنت زيارة وفد من قوى «14 آذار» إلى الحدود اللبنانية - السورية مع قرار مجلس الجامعة العربية الذي قضى بسحب عضوية سوريا من الجامعة، فكان رد الفعل الشعبي هناك مختلفا، إذ أعلن النائب أحمد فتفت (تيار المستقبل) بعيد انتهاء المؤتمر الصحافي الذي عقد في منطقة البقيعة قرب المعبر الحدودي، بعد أن وصلته رسالة عبر هاتفه الجوال عن «قرار الجامعة»، مؤكدا «بدء العد العكسي لنظام بشار الأسد»، فما كان من الحضور إلا أن صفق بحرارة. المشهد لم يختلف أثناء زيارة الوفد بين البلدات الحدودية. تنتهي كل جولة بتمنيات مكررة: «اجلبوا معكم الحكومة كي تنقذنا من هذه الحياة القاسية».

عاش الوفد في نهار واحد تجربة مختلفة. رأوا حرمان المنطقة بأم العين، شاهدوا الدراجات النارية (الوسيلة الوحيدة في تنقل الأشخاص هناك) التي تملأ الطرق الترابية المليئة بالحفر وأمعنوا النظر ولو سريعا في مشاهد الفقر الموزع بوفرة بين البيوت المتهالكة والصغيرة، واستطاعت كاميرات الإعلاميين أن تلتقط وللمرة الأولى ربما، صورا للأطفال والأولاد الذين يتجمعون في أكوام التراب وبين الحارات الصغيرة بأعداد كبيرة ويطلون من خلف الأبواب والنوافذ وهم يهللون لموكب السيارات الضخم التي تجاوز عددها الأربعين، مع حماية معززة ومواكبة وفرتها القوى الأمنية للوفد طوال الجولة، وذهابا وإيابا إلى العاصمة بيروت.

جال أفراد الوفد من النواب والسياسيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والإعلاميين في القرى والبلدات الصغيرة المحرومة والبعيدة عن الخدمات، حيث يختلط الفقر بجو من شظف العيش وهم ينظرون بتعجب وذهول إلى واقع الحرمان الذي تعيشه هذه المنطقة اللبنانية الحزينة، حيث علق أحد النواب سائلا: «هل هذه منطقة لبنانية حقا؟».

السكان المحليون ارتضوا استقبال الأهالي كـ«ضيوف وليسوا كنازحين أو هاربين» بحسب علي بدوي مختار بلدة الرامة في وادي خالد. أكد بدوي لـ«الشرق الأوسط»، أن «النازحين هم ضيوف عندنا. نحن عشائر وقبائل ولا نقبل أن يأتي إلينا ضيوف ولا يكرمون». وأوضح: «نحن نعتبر النازحين أهلا لنا والرغيف ينقسم بين أولادنا وأولادهم». وأشار إلى أن «الحكومة اللبنانية تركت هؤلاء يعيشون القسوة بعد أن منعت الوسائل الإعلامية من زيارتهم وتقصي حقيقة ظروفهم التعيسة». وأكد أن «الأهالي يعانون ظروفا معيشية صعبة بعد أن صارت المعونات التي تقدم إليهم ضئيلة وشحيحة».

يعيش سكان وادي خالد حياتهم متناقضة، فبعضهم يحمل الجنسيتين اللبنانية والسورية، وأراضيهم مترابطة على الحدود بين البلدين. يشترون أغراضهم ويستهلكونها من الداخل السوري. أما اليوم فالوضع تغير. لم يعد الداخل السوري يوحي بـ«التخفيف عن الأهالي ثقل الفقر. صارت سوريا جحيما بالنسبة إلينا» وفق أحد السكان الذي رفض ذكر اسمه، والذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «سوريا تعيش ربيعها بالدم وسكانها مظلومون ونحن لا نقبل هذا القتل المكثف للناس ونسكت. استقبلنا الأهالي في بيوتنا بعد أن لجأوا إليها هربا من آلة القتل المدمرة التي يمسك بها نظام الأسد»، مضيفا: «نحن فتحنا لهم بيوتنا ومدارسنا رغم الفقر الذي نعانيه لنؤويهم من الخوف والدمار الذي يعيشونه يوما بعد يوم في سوريا».

حط الوفد في بداية زيارته في بيت متواضع في بلدة «القنبر»، حيث تستقبل عائلات القرية في غرفه بعضا من الجرحى الهاربين من «ملاحقة الأمنيين التابعين لنظام الأسد في لبنان الساعين إلى تصفيتهم»، على ما يقول النائب معين المرعبي لـ«الشرق الأوسط». وأضاف المرعبي، إن: «هذا البيت هو نموذج من نماذج كثيرة موزعة في قرى عكارية أخرى سعت عائلاتها إلى استقبال الجرحى ومساعدتهم على الشفاء بعد أن حاولت مجموعات تابعة للنظام السوري ملاحقتهم وقتلهم في المستشفيات، حيث يعالجون بشكل سريع». أحد الجرحى أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «العلاج هنا شبه بدائي، حيث لا يستطيع أي شخص أن يتلقى علاجه خارج البيوت وبين الأهالي بسبب الخوف من أن يتم سحبهم إلى سوريا من خلال بعض الأشخاص التابعين لأحزاب لبنانية موالية للأسد في لبنان». وأشار الجريح الذي أصيب في رجله بعد مظاهرة خرج فيها في منطقة القصير الحدودية إلى أن «الجرحى يعانون معاناة إضافية أكثر من غيرهم من النازحين فهم ملاحقون أمنيا ومستهدفون من القوات السورية وبعض الحزبيين في لبنان الذين يستقصون عنهم».

تتوزع في وادي خالد العائلات السورية النازحة في بيوت ومدارس القرى الحدودية، حيث أخذت الزيارة طابعا «إنسانيا»، وفق فارس سعيد، منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار». لم يرفض سعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التأكيد على أن للزيارة «هدفا سياسيا». إذا أعلن عن «بداية خطوات جدية لقوى المعارضة اللبنانية لدفع الحكومة إلى القيام بتحرك ميداني واضح لمساعدة النازحين». يتفق معه النائب أنطوان زهرا (القوات اللبنانية) الذي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الزيارة هي لتوجيه رسالة إلى الحكومة الحالية للضغط عليها لفك الحصار الإعلامي عن المنطقة وللبدء بمساعدة النازحين وتغيير وضعهم المأساوي.

لم تغير الزيارة من معاناة النازحين الذين أصروا على عدم التقاط صور لهم. إذ أكدت السيدة هيام غازي من سراقب قرب حماه لـ«الشرق الأوسط»، أنها تتمنى لو تثمر هذه الزيارة في تغيير واقع النازحين المر»، موضحة أن «حياتنا أشبه بالجحيم هنا في المدارس، نشعر بأننا في سجن». مثلها مثل جارتها التي تسكن في غرفة مجاورة لها في مدرسة الرامة الرسمية التي تحولت إلى غرف إيواء للعائلات. تشير الجارة الأربعينية التي أخفت وجهها وراء قماشة زهرية إلى «حالة الخوف التي نعيشها لحظة بلحظة، إضافة إلى المعاناة اليومية»، مؤكدة أن: «الغرف تنقصها التدفئة والمازوت غائب، لا سيما أن الطقس بارد في هذه الأيام الشتائية». وتشير وطفة خلف من تلكلخ إلى أن «المساعدات توقفت منذ فترة ونعاني من نقص بالأغطية وننام في بعض الغرف على البلاط البارد، حيث لا شيء يسعفنا على الأمل»، موضحة «إننا نعيش أقل من نازحين وكأننا هاربون ونستحق العذاب».