حدة الخلاف بين أحمدي نجاد وخامنئي تتعمق.. والرئيس يبدو أكثر قوة مما توقع خصومه

الرئيس الإيراني تجاوز الخطوط الحمراء بتوجيه اتهامات علنية بالفساد لكبار رجال الدين

TT

على مدار عدة أشهر، حاولت المؤسسة الدينية وقادة قوات الحرس الثوري تقويض سلطات الرئيس محمود أحمدي نجاد. وفي الأسابيع الأخيرة، رد الرئيس الصاع بالمثل، مستغلا خطبه العدوانية وتهديداته في كشف النقاب عن فساد معارضيه سعيا لإحكام قبضته على منصبه. وقد تبدو منهجياته ناجحة، بحسب أعضاء في البرلمان ومحللين.

وقد خالف أحمدي نجاد، الذي اعتقد أنه لم يعد يتمتع بشعبية سياسية، التوقعات، ويشير معارضوه إلى عدم اعتقادهم أنه سيتنحى عما قريب أو سيتم في هدوء مدة حكمه المقررة أن تنتهي في عام 2013. بل يقولون إنه يبدو عازما على محاولة الاستحواذ على السلطة بعد هذا التاريخ، من خلال تعيين مقربين منه في مناصب بارزة. وقد بدأ بالفعل في حشد قوى سياسية عبر أنحاء الدولة ويستعد لخوض معركة الانتخابات البرلمانية الرئيسية المزمع إجراؤها يوم 2 مارس (آذار) المقبل.

«لقد قللنا جميعا من شأن أحمدي نجاد»، هكذا تحدث سياسي من جبهة المعارضة، وأحد مؤيدي الحركة الخضراء التي التزمت الصمت الآن، الذي أصر على عدم الكشف عن هويته، لأنه أُمر، كعشرات آخرين، بالعودة إلى السجن لقضاء عقوبات محددة، وأضاف: «لقد عاد أحمدي نجاد كطائر عنقاء بعث من رفاته».

وبعد خلاف حدث في الربيع بين أحمدي نجاد والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، بدا موقف أحمدي نجاد ضعيفا. وعلى الرغم من أن الرجلين لم يعلنا صراحة عن تلك المشاحنة، فإن عددا من رجال الدين الشيعة وقادة الحرس الثوري الذين كانوا من قبل أنصارا لأحمدي نجاد أطلقوا وابلا من الهجمات الشرسة بلا هوادة ضد الرئيس وأوضحوا أن ولاءهم لخامنئي.

وحتى قبل حدوث الخلاف، كانت التوترات بين أحمدي نجاد وخامنئي قد بدأت تظهر على السطح منذ أكثر من عام. كانت حكومة أحمدي نجاد قد رفضت سن قانون يفرض على النساء الالتزام بما يعتبره رجال الدين المتشددون المواصفات المطلوبة للحجاب الشرعي، وروجت لتاريخ إيران ما قبل الإسلام وبدأت في إجراء محادثات مع الولايات المتحدة، وجميعها سلوكيات كانت بمثابة تحد للمرشد الأعلى أو حلفائه.

ويتهم معارضو أحمدي نجاد الآن الرئيس ومستشاريه المقربين بأنهم يمثلون «تيارا منحرفا» يحيك مؤامرة للاستيلاء على مقاليد السلطة من رجال الدين الشيعة الذين حكموا إيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979.

غير أن أحمدي نجاد قد رد الضربة بأخرى مماثلة لها في شدتها. لقد كان توجيه اتهامات بالفساد ضد كبار قادة النظام الإيراني أمرا محظورا لفترة طويلة، ولكنه أصبح الآن موضوعا متكررا في خطب الرئيس الإيراني. أصبحت تلك الاتهامات شائعة بين الإيرانيين العاديين، الذين طالما اتهم كثير منهم كبار رجال الدين بجمع ثروات طائلة عن طريق استغلال مناصبهم الرفيعة.

وفي هذا الشهر، تحدث أحمدي نجاد إلى 500 من مسؤولي الحملة الانتخابية في واحد من أكثر مقار الاجتماعات السياسية فخامة في طهران، على حد قول أحد الشهود. وفي خطابه، حذر من مواجهة لا مفر منها بينه وبين معارضيه، الذين، على حد قوله «يقضون عطلة مدتها ثلاثة أشهر حاملين معهم حقائب ممتلئة».

واتهم معارضيه بأنهم فقراء «تحولوا إلى مليارديرات» من خلال الفساد. وكان من المفترض أن يكون الخطاب غير رسمي، لكن نشر جزء منه على الموقع الإلكتروني «dolatema.com»، الذي يدعم حكومة أحمدي نجاد، ولكنه محظور في إيران، في إشارة إلى الضغوط المتزايدة الملقاة على كاهل الرئيس.

وقال: «الشعور بالألم وعدم الرضا الذي يعاني منه الناس راجع إلى هؤلاء الذين يزعمون دعمهم المرشد الأعلى».

وفي الوقت نفسه الذي نشر فيه الخطاب، سربت وثائق للصحافة تربط بين أحد ألد معارضي أحمدي نجاد في البرلمان، وواقعة اختلاس كبيرة. في الوقت نفسه، فاز الرئيس في تصويت رئيسي في البرلمان كان هناك اعتقاد منتشر على نطاق واسع بأنه سيخسره.

وبعد التصويت، تقدم أحد المشرعين، ويدعى علي مطهري، باستقالته، التي رفض قبولها أعضاء آخرون في البرلمان. وقد لخص سيطرة أحمدي نجاد على القادة الإيرانيين في صحيفة «طهران إمروز» بقوله: «شخص لديه بعض الوثائق ويتحلى بالجرأة، ويجب أن نفعل جميعا مثلما يأمل إلى أن تنتهي مدة ولايته».

ويرى محللون أن أسلوب الرئيس شديد العدوانية في الخطاب يجبر المؤسسة الدينية والأمنية على اتخاذ قرار يتعلق بالمستقبل السياسي لأحمدي نجاد.

«من الواضح أنه لن تكون هناك تسوية محتملة في ظل وجود أحمدي نجاد»، هذا ما قاله عباس عبدي، محلل سياسي معارض لسياسات الحكومة وبعض القرارات الصادرة عن قادة دينيين في إيران. وأضاف: «لو أراد أي شخص تنحيته، فستكون لذلك خسائر فادحة على المستوى السياسي».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»