مسؤول في الخارجية البريطانية: لا علاقة لنا بـ«الربيع العربي».. ورصدنا 110 ملايين جنيه لدوله

عرفان صديق قال في حوار خاص لـ «الشرق الأوسط»: الجمهوريات الجديدة يجب أن تقوم على الديمقراطية لا «التوريث»

عرفان صديق، رئيس قسم «الربيع العربي» في الخارجية البريطانية (تصوير: خالد المصري)
TT

نفى مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية، الشكوك التي تحوم حول دور بريطاني محتمل في الثورات العربية الأخيرة التي أسقطت 3 أنظمة عربية، حتى الآن، وقال إن لا علاقة لبلاده في ما يسمى بـ«الربيع العربي»، لافتا إلى أن لندن فوجئت، كما هو حال بقية العالم، بسقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس.

وعلى الرغم من ذلك، فإن بريطانيا، ومن خلال قسم «الربيع العربي»، وهو أحد الأقسام التي استحدثتها الخارجية البريطانية، رصدت نحو 110 ملايين جنيه إسترليني لمساعدة دول الثورات العربية، وغيرها من الدول التي تتسارع فيها وتيرة الإصلاح والتغيير.

عرفان صديق، رئيس قسم «الربيع العربي» في الخارجية البريطانية، لمح في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى عدم معارضة بلاده بأن يتولى الإخوان المسلمون قيادة وإدارة مصر أو تونس، ما دام أنهم سيصلون عبر صناديق الاقتراع، لافتا إلى أن حزب النهضة قدم وعودا وتطمينات للغرب، وخصوصا في ملف الحقوق والحريات.

ويعتقد عرفان صديق، بأنه ليست هناك دولة في المنطقة بمنأى عن تسونامي ما يسمى بـ«الربيع العربي».

وفي شأن ليبيا، يرى رئيس قسم «الربيع العربي» في الخارجية البريطانية أن الميليشيات المسلحة تعتبر أهم المشكلات في ليبيا، ولكنه يقول إنها تشكلت كرد فعل على العنف الذي مارسه نظام العقيد الراحل معمر القذافي.

عرفان صديق، تحدث عن كثير من الملفات، والوضع في سوريا، ومستقبل الملكيات والديمقراطيات.. فإلى نص الحوار..

* بداية؛ بودنا أن ننطلق من قسم «الربيع العربي» الذي استحدث في الخارجية البريطانية، هل تم تفسير هذا التحرك الداعم للثورات في العالم العربي على أنه تدخل في شؤون تلك الدول؟

- نحن نؤمن بأن هذه التغييرات تغييرات شعبية وبدأت من الأرض ومن الدول نفسها، وهي ليست تعبيرا عن إرادة أجنبية أو جهود أجنبية، ولكن التغييرات تعبر عن رأي الشعوب، ونحن رحبنا بهذا الأمر. تم تأسيس قسم «الشراكة العربية» كقسم مصغر في وزارة الخارجية البريطانية نهاية العام الماضي، وبعد أن حدث «الربيع العربي» والتغييرات في تونس ومصر، تم توسعته حتى بات قسما مستقلا، والقسم لديه 3 مجالات في عمله، الأول سياسي، حيث كان هناك موقف واضح وسريع من قبل الحكومة البريطانية بالنسبة لـ«الربيع العربي»، ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، كان من أول المشجعين والمساعدين للتغيير في تونس ومصر، وكان أول رئيس أجنبي يقوم بزيارة لمصر بعد الثورة.

* يعني أنتم كنت تدعمون الثورات؟

- ما كنت أشير إليه هو الدعم السياسي.

* يعني لم تقوموا بدعم الثورات ماديا على سبيل المثال؟

- سأحكي لك كل شيء، ولكنك قطعتني عن مواصلة الأهداف الـ3 التي أنشئت إدارة «الربيع العربي» من أجلها.

* تفضل، أكمل..

- المحور الأول الذي تقوم عليه إدارة «الربيع العربي» سياسي، وكان هناك خطاب رئيسي لرئيس الوزراء البريطاني أمام مجلس الأمة الكويتي عن هذا الموضوع، في الماضي كنا نركز على موضوع الاستقرار والعلاقات القديمة مع بعض الأنظمة في المنطقة، ولكن الآن نتجه نحو الاعتراف بإرادة الشعوب كأساس لبناء الاستقرار والعلاقات المستقرة والمزدهرة مع بلدان العالم العربي.

* وهل تعتقد بأن مصر وتونس الآن أكثر استقرارا من ذي قبل؟

- أعتقد أن تونس الاتجاه فيها للاستقرار واضح، كانت هناك مرحلة انتقالية سياسية ناجحة، وانتخابات، وخلال أسبوع سيتم تشكيل حكومة جديدة، وكل هذا يتم في جو من الإجماع والتوافق، ونحن نؤكد، مبدئيا، أن التجربة التونسية ناجحة حتى الآن.

* ولكن هناك مخاوف من سيطرة الإسلاميين على دول «الربيع العربي»..

- ما هي تلك المخاوف التي تتحدث عنها.

* الإخوان المسلمون، ألا يعكس وصولهم إلى السلطة أي مخاوف لديكم؟

- سنحكي عن مصر بعد قليل.

* ولكن الإخوان المسلمين ليسوا في مصر فقط، بل هم موجودون حتى في تونس، فالغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي واحد من قيادات الإخوان المسلمين؟

- لو استمعت إلى التعديلات والإعلانات من حزب النهضة فستجد أن كلها جيدة، بالنسبة لاحترام حقوق المرأة والأقليات وتطبيق القانون.

* ولكنها قد تظل تصريحات يقصد بها الاستهلاك المحلي؟

- دعنا ننظر ماذا سيقومون به، هذا هو حقهم، هم من فازوا بالانتخابات، ونحن نؤيد الديمقراطية بشكل عام، والشيء المهم بالنسبة لتونس أن «النهضة» فاز بأغلبية مقاعد البرلمان، ولكن الحزب قال إنه يريد تشكيل تحالف مع بعض الأحزاب الأخرى، وهذا أمر جيد، لأنهم يعلمون أن هناك مخاوف من التيار الإسلامي، وتوسيع المشاركة الحكومية سيكون مصدر اطمئنان للمراقبين. ولكني أريد أن أكمل مقدمتي التي لم تدعني أكملها حتى الآن.

* تفضل.. تحدث عن أهدف إدارة «الربيع العربي»، ولكن كانت هناك أمور يجب أن أتوقف عندها؟

- تحدثت في البداية عن أن قسم «الربيع العربي»، ينطلق من محاور ثلاثة، الأول: سياسي. والمحور الثاني يتعلق بالدعم المادي لدول «الربيع العربي»، فلقد أنشأنا صندوقا جديدا للشراكة العربية بمبلغ 110 ملايين جنيه إسترليني على مدى 4 سنوات لمساعدة ملموسة على الأرض لهذه التغييرات، مثلا: في مصر وتونس نحن أيدنا العملية الانتخابية والإصلاح الإعلامي ومشاريع الشفافية ومكافحة الفساد، وكذلك النمو الاقتصادي، كما أن لدينا برامج في كل من الأردن والجزائر والمغرب، وهي دول لم يطلها «الربيع العربي»، ولكنها منفتحة على جهود الإصلاح والتغيير التدريجي. أما المحور الثالث فيتعلق بالتنسيق والتعاون مع المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال.. ونعمل مع دول الاتحاد الأوروبي كذلك، التي لديها سياسية إمكانية الاندماج الاقتصادي مع دول «الربيع العربي». فهذه هي المحاور الثلاثة التي نعمل من خلالها.

* حسنا، لماذا تعتقدون بأن ما يجري في دول الثورات هو عبارة عن «ربيع عربي»؟ لماذا استخدمتم هذا التوصيف؟

- أعتقد لأن هذا الأمر تم في بداية السنة، فتم تسميته بهذا الاسم، وكان بداية عهد جديد، فالربيع يعني بداية جديدة، وهناك مقارنة في هذا الأمر - ولو أني أرى أنها سيئة - مع ربيع أوروبا الشرقية في التسعينات، فالربيع مصطلح يعكس البداية الجديدة، ومن هنا جاءت التسمية. وبعيدا عن التسميات، نحن نرحب بهذه التغييرات التي طالت أكثر من بلد عربي، ونحن نجدها فرصة للمستقبل، والنقطة المتعلقة بالخوف من الإسلاميين، هي واحدة ضمن مخاوف كثيرة في المستقبل، مثل الأمن وحالة عدم الاستقرار والطائفية، كل هذه العوامل يجب أن نأخذها بعين الاعتبار، وبعض الدول تأخذها كمسببات لإحداث حالة من الخوف وعدم التقدم، نحن نفهم هذه المخاطر، ولكننا نعتقد أن الإمكانات وفرص المستقبل أفضل بكثير بالنسبة لهذه التغييرات.

* لماذا أنتم واثقون إلى هذا الحد من أن دول ثورات «الربيع العربي» سيكون الحال فيها أفضل مما كان عليه في السابق؟

- لأن نموذج الديمقراطية نجح في الكثير من بلدان العالم، وأنه ليس هناك أي سبب نعتقد من خلاله بأن الوطن العربي مستثنى من هذا الأمر، الشعب العربي في تونس ومصر عبر عن رأيه في حرية التعبير والمشاركة السياسية، ويستطيع الشعب في كل منهما تكوين نموذج سياسي يعمل لصالحه.

* بالنسبة للحالة الليبية، هناك الكثير من المخاوف من استمرار وجود السلاح في الشارع، كيف تنظر بريطانيا إلى هذا الأمر من منطلق اهتمامها بـ«الربيع العربي» حيث تعتبر ليبيا من دوله؟

- الميليشيات في ليبيا تعتبر مشكلة، ولا بد من أن تكون هناك سيطرة من السلطات على استخدام العنف والسلاح، ولكنه شيء طبيعي في أي بلد يحتكر استخدام الأسلحة، ولكن يجب أن نفكر لماذا خرج السلاح في الشارع، الجواب: لأن القذافي قال إنه سيقمع المظاهرات بالعنف، ولذلك لم يكن هناك أي بديل أمام المعارضة إلى استخدام السلاح.

* يعني تعتقدون أن الثورة في ليبيا بدأت سلمية وتحولت إلى مقاومة مسلحة في ما بعد ذلك؟

- نعم، وهي نتيجة لخيارات القذافي في التعامل مع شعبه. والآن لا بد أن توجد حلول لمسألة السلاح في الشارع، فهناك سلطات جديدة لديها شعبية واسعة في البلد، ولا مانع من توسيع المشاركة فيها.

* ما هي تقاريركم عن الحالة الليبية، وهل بريطانيا ترى بوضوح إلى أين يتجه الأمر هناك؟

- هذا يعتمد على القرارات والخيارات التي يتبناها المجلس الانتقالي، لا بد من تكوين إجماع وحوار سياسي وطني على موضوع الحكومة والدستور والمصالحة والعدالة.. وكل هذه الملفات، وهذا يعتمد على خيارات المجلس الانتقالي، ولكن كل ما سمعناه من المجلس الانتقالي يعكس أن هناك فرصا جيدة للتطوير الإيجابي في ليبيا.

* تونس، مصر، ليبيا، طالها ما يسمى بـ«الربيع العربي»، هل تعتقدون أن ما يجري في اليمن وسوريا الآن يأتي في الإطار ذاته؟

- نعم، نعتقد أن الأحداث تأتي في الإطار ذاته، فما يحدث هناك هو تعبير شعبي ودعوته إلى التغيير والتمثيل، فلذلك نحن نعتقد بأنه يجب أن يكون هناك حل مشابه لحلول تغيير النظام والرئيس في اليمن وسوريا، وهناك المبادرة الخليجية في اليمن يجب أن يتم التوافق عليها من كافة الأطراف. للأسف في سوريا ليس هناك خطة واضحة لحل المشاكل.

* وماذا عن المبادرة العربية في سوريا، كيف تنظرون إليها؟

- المبادرة جيدة، لأننا نعتقد أن المصداقية للتغيير يجب أن تأتي من المنطقة، وأي قرار من الجامعة العربية يمكن أن يعطي أساسا لإجماع دولي أوسع.. ونحن نعرف أن الصينيين والروس ضد أي قرارات من الأمم المتحدة تجاه سوريا، ولكن لو حصل إجماع من جامعة الدول العربية يمكن أن يكون هناك تغيير بالنسبة للموقفين الروسي والصيني.

* ولكن، ما يجري في سوريا الآن، هو السيناريو ذاته الذي كان يجري في ليبيا، والروس كانوا داعمين للقذافي، فلماذا لا يتم حسم هذا الموضوع على الصعيد الدولي؟

- الفرق، أنه كان هناك قرار من جامعة الدول العربية للأمم المتحدة، وحتى الآن ليس هناك قرار بهذا الخصوص من الجامعة العربية، ولو حصل أن أصدرت القرار، فإننا سندرس ذلك، ولكن في الوقت نفسه كانت المعارضة الليبية الوطنية تدعم الخيار العسكري، هذا الأمر غير متوفر في سوريا على الأرض، وكذلك ليس هناك إجماع داخلي سوري، فهناك أناس مع الحكومة، وهناك أناس ضدها.

* وماذا بالنسبة لوجهة النظر البريطانية إزاء الحل المقترح في سوريا، إذا كان الحل العسكري لا ترى أنه متحقق، وأن هناك انقساما حتى في المعارضة نفسها، هل يترك النظام يسير في عمليات القتل اليومي للمدنيين؟

- نحن لا نعطي أفكارا أو حلولا، فالحل يجب أن يكون حلا سوريا أولا، ولكن نحن كمجتمع دولي لدينا دور لمساعدة المعارضة السورية، وأعتقد أن الدور الأكبر لجامعة الدول العربية.

* المعارضة السودانية تحدثت قبل 3 أيام عن ممارستها الضغط لجعل السودان المحطة التالية في دول «الربيع العربي»، من خلال قراءتكم لوضع المنطقة، هل تعتقد بأن بلدا كالسودان من الممكن أن يحصل فيه ما حصل في الدول العربية الأخرى؟

- ليس هناك أمر مستحيل، كل شيء في هذه البلدان يعتمد على نوعية المعاملة التي يتلقاها الشعب من قبل الحكومة، لا نستطيع التنبؤ بالمستقبل، فلم يكن أحد يتنبأ بما جرى في تونس على سبيل المثال.

* يعني هل تريد أن تقول إن ما جرى في تونس كان مفاجأة بالنسبة لكم كبريطانيين؟

- كان مفاجأة لكل العالم، أليس كذلك؟

* أنا أسألك عن بلدك بريطانيا، كون أن هناك شكوكا - لا نريد أن نطلق عليها اتهامات - حول دور بريطاني لما يجري في المنطقة العربية من ثورات؟

- أعتقد أن هناك كثيرا من الاعتقادات بوجود دور بريطاني في الثورات، ولكن أنا أستطيع أن أقول: لا.. وما حدث في تونس كان مفاجأة لكل دول العالم.

* في إجابة سابقة قلت إنه ليس هناك أي دولة في المنطقة قد تكون بمعزل عن «الربيع العربي»، هل تعني بذلك أن دول الخليج من ضمن تلك الدول؟

- أعتقد أن هناك اختلافات كبيرة في المنطقة، فكل دولة مختلفة عن الأخرى، وليس هناك نموذج واحد لكل المنطقة، هناك دول تقمع شعوبها، وهناك دول كانت لديها مشاكل في الاقتصاد، وهناك دول لديها عقد اجتماعي بين الحاكم والمواطن مختلف. لا نستطيع التنبؤ عن كل الدول، ولكن نستطيع أن نقول إن موجة «الربيع العربي» أمامها بعض العواقب والنتائج؛ منها أنه لا بد أن يكون هناك عقد بين الحاكم والمحكوم قوي، وهذا العقد لا بد أن يعتمد على موضوع القبول، وهذا قد يتأتى عن طريق الديمقراطية، أو عن طريق نموذج آخر وهو الملكية، فليس هناك نموذج يمكن أن نعمل له استنساخا ليعمم على كافة دول المنطقة.. أعتقد أنه كلما تقدمت الدول لتطوير عقد سياسي قائم على التشاور والمشاركة، وتمثيل إرادة الشعب من قبل السياسات الحاكمة، فهو أمر مهم، والخليج ليس مستثنى من ذلك، فلا بد أن تكون هناك دراسة لكيفية تطبيق هذا العقد في الخليج، وكانت هناك قرارات جيدة في قطر والسعودية وعمان، ولكننا هذا لا يجب أن يدفع ذلك للتراخي، والتجارب تؤكد أن الدول يجب أن تكون أمام التغيير وليست خلفه.

* تحدثت في الإجابة السابقة بنوع من التغزل في الملكيات.. هل تعتقد أن نموذج الملكية هو أحد النماذج التي تساعد وتدفع للاستقرار في المنطقة العربية تحديدا؟

- أعتقد أن الملكية هي نموذج واحد، إذا كانت مقبولة من الناس فهو أمر جيد.. ولكن كيف يكون هذا القبول، ذلك يجب أن يكون من خلال الحكم الرشيد، وهذا يمكن أن يكون من قبل الملكيات والجمهوريات، ليس هناك نموذج أفضل من الآخر، ولكن الفرق بين الجمهوريات والملكيات، أن الجمهوريات يجب أن تقوم على أساس ديمقراطي يؤمن بالانتخابات وتداول السلطة، وليست جمهوريات توريث.