جوبيه في أنقرة اليوم وفرنسا تراهن على دور تركي «متعاظم» في الملف السوري

باريس تستدعي سفيرها من دمشق بعد الاعتداء على مصالحها القنصلية

TT

أعلنت باريس أمس عن استدعاء سفيرها في دمشق عقب الاعتداءات التي تعرضت لها مصالحها القنصلية في مدينتي حلب واللاذقية بداية هذا الأسبوع وذلك بعد أن أعلن مجلس الجامعة العربية في القاهرة عن تعليق عضوية سوريا في الجامعة والعزم على اتخاذ عقوبات اقتصادية وسياسية بحق سوريا ودعوة القوات المسلحة السورية إلى التوقف عن قتل المتظاهرين.

وقال وزير الخارجية في كلمته أمام البرلمان بعد ظهر أمس إن «أعمال العنف الجديدة التي حدثت في سوريا دفعتني إلى إغلاق فروعنا القنصلية في حلب واللاذقية ومعاهدنا الثقافية وإلى استدعاء سفيرنا إلى باريس». غير أن جوبيه لم يوضح ما إذا كان استدعاء السفير أريك شوفاليه هو للتشاور أم للمحافظة على أمنه الشخصي أو فقط للاحتجاج على ما تعرضت له المصالح الدبلوماسية والقنصلية وكذلك شخص السفير من مضايقات واعتداءات.

وكانت باريس أصدرت بيانا شديد اللهجة تدين فيه الاعتداء وتذكر فيه السلطات السورية بواجباتها لجهة حماية سفارتها ومؤسساتها بموجب ما تنص عليه معاهدة فيينا. ولم تنفع الاعتذارات التي قدمتها سفيرة سوريا في باريس لمياء شكور التي استدعيت إلى الخارجية يوم الاثنين ولا تلك التي أعرب عنها وزير الخارجية وليد المعلم نفسه في مؤتمره الصحافي.

وتعكس الخطوة الفرنسية تدهور العلاقات المنتظم بين باريس ودمشق منذ اندلاع أحداث سوريا. وبعد مرحلة التطبيع المتسارع التي سارت عليها الحكومة السورية إزاء سوريا منذ وصول الرئيس ساركوزي إلى السلطة ربيع عام 2007 وزيارات الرئيسين المتبادلة وسعي باريس للعب دور الوسيط بين سوريا وإسرائيل في موضوع مفاوضات السلام، فإن المواقف الفرنسية المنددة بالقمع وبعنف النظام وترت الأجواء سريعا. وكان الوزير جوبيه أول من اعتبر أن الرئيس الأسد فقد شرعيته وأن عليه الرحيل وتنبأ بسقوطه ولكن ليس في القريب العاجل، وقادت باريس التيار المتشدد في مجلس الأمن الساعي إلى إدانة سوريا وفرض عزلة سياسية ودبلوماسية عليها، فضلا عن العقوبات المالية والاقتصادية. ومع انسداد أفق مجلس الأمن بسبب الفيتو المزدوج الروسي والصيني، ركزت باريس ومعها الاتحاد الأوروبي على العقوبات الأوروبية التي صدر آخرها في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين الاثنين الماضي في بروكسل.

وفي سياق متصل، سيحتل الملف السوري مساحة أساسية من المحادثات التي سيجريها الوزير جوبيه اليوم وغدا في إسطنبول وأنقرة مع المسؤولين الأتراك في إطار الزيارة الرسمية التي يقوم بها لتركيا. ويلتقي جوبيه كبار المسؤولين الأتراك من رئيس الجمهورية عبد الله غول، إلى رئيس الحكومة أردوغان فوزير الخارجية أحمد داود أوغلو وأعضاء في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي.

وتعول باريس على تركيا في الجهود الدبلوماسية التي تقودها لتصعيد الضغوط السياسية والاقتصادية على النظام السوري. واستبقت الخارجية الزيارة بالإعلان عن أنها عازمة على «العمل بشكل وثيق مع تركيا من أجل تصعيد الضغوط على النظام السوري»، معربة في الوقت نفسه عن «تقديرها للقرار القوي» الذي اتخذته أنقرة والقاضي بالبدء بتنفيذ عقوبات اقتصادية بحق دمشق أولها وقف التعاون المشترك في القطاع النفطي والتهديد بقطع إمدادات الكهرباء التركية، وصولا، ربما، إلى خفض منسوب المياه التي تصل إلى سوريا.

وتراهن باريس على دور «متعاظم» لأنقرة في الموضوع السوري. وإذا كانت باريس تطالب، رسميا، بوقف القمع والعنف وإطلاق سجناء الرأي والسماح بالمظاهرات السلمية، وهو ما يتوافق مع المطالب العربية والتركية، إلا أنها ذهبت أبعد من ذلك حيث تعتبر أن النظام السوري فقد شرعيته وبالتالي عليه أن يرحل. وفي هذا السياق، فإن أكثر من جهة في العاصمة الفرنسية تعتبر أن باريس «تلحظ» دورا تركيا أساسيا لتحقيق هذا الغرض يساوي أو ربما يفوق الدور العربي.

وتقدر مصادر رسمية عالية المستوى في باريس أن حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم والذي ينتمي إليه رئيسا الجمهورية والوزراء «يعمل وفق استراتيجية تغيير النظام في سوريا». كما أنها ترجح دفعه باتجاه قيام «نظام شبيه بالنظام السياسي التركي» حيث ثمة «قرابة آيديولوجية» بين الحزب المذكور وحزب الإخوان المسلمين في سوريا. وتؤوي تركيا كثيرا من وجهاء الحزب المذكور كما أنها احتضنت قيام المجلس الوطني السوري الذي يضم في صفوفه «الإخوان المسلمين».

وتراقب باريس عن كثب تطور الموقف العربي من سوريا الذي ترى فيه «العنصر الوحيد» المتوفر اليوم من أجل إحداث تغيير ما في المعادلة التي قامت في سوريا بين نظام لا يتردد في القمع والقتل والصراع من أجل البقاء ومعارضة عازمة على عدم التراجع، فضلا عن ذلك، فإنها تعتبر أن تحول الموقف العربي من شأنه حفز المعارضين في مجلس الأمن على تعديل مواقفهم من غير أن يعني ذلك الذهاب نحو تدخل عسكري جديد في حوض المتوسط.

وأعربت المصادر الفرنسية عن ترحيبها بخطوة الجامعة العربية الساعية للم شمل المعارضة السورية الموزعة بين داخل وخارج وبين قابل ورافض لبقاء النظام أو للحوار معه ما يصعب عملية الاعتراف بها.

غير أن المصادر الفرنسية التي تؤكد أن النظام السوري قد «انتهى»، لكنها تستبعد ذهابه سريعا بسبب ما يعتبره الوزير جوبيه «تمسكا» شرسا بالسلطة.