محند العنصر.. «إداري» داهمته «السياسة» وتعامل مع الأمر بهدوء وحذر

«الحركة الشعبية» يرغب أن يكون جزءا من حكومة وليس مجرد حزب داخلها

محند العنصر
TT

كان محند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية الأكثر وضوحا من بين قادة «تحالف الثمانية» الذي يضم 8 أحزاب، هي شتات ما بين اليمين واليسار. قال العنصر «أردنا أن نقدم للناخب تحالفا حزبيا يسعى لتشكيل الحكومة المقبلة». تحدث العنصر بصراحة ليقول إن الأمر لا يعدو أن يكون تحالفا من أجل «أغلبية حكومية» يفترض أن تنبثق عن الانتخابات التي ستجرى في 25 من الشهر الحالي. قادة الأحزاب الآخرون كانوا يتحدثون عن «قيم الحداثة المشتركة وتقاسم الأفكار حول الديمقراطية». لكن العنصر الذي اختار أن يقود حملته الانتخابية من سلا المجاورة للرباط، قال: «المشكلة التي واجهناها خلال العقدين الماضيين تكمن في أن الأغلبية الحكومية تضم عدة أحزاب، وهو ما جعل الحكومات المتعاقبة تعمل على إرضاء مختلف الأحزاب مما أضعفها وحد من فعاليتها، وهذا ما جعلنا نتجه إلى القطبية».

أسلوب العنصر يطغى عليه «الهدوء والحذر». لعله اكتسب ذلك من المنطقة التي يتحدر منها. من خصائص منطقة الأطلس المتوسط «الهدوء» وناسها يتوخون الحذر. هي منطقة جبال وغابات ومياه متدفقة وطبيعة خلابة، لكن سكانها يعانون كثيرا من ضيق رقعة الأرض الزراعية، لذلك يتجهون عادة نحو الجندية والإدارة. لم يشذ العنصر عن هذه القاعدة، إذ اختار الإدارة، في حين اختار أبناؤه العسكرية.

ورغم قسوة الطبيعة وشظف العيش، فإن «أمازيغ الأطلس المتوسط» أناس لطفاء، معاشرتهم سهلة، وقدرتهم على الاندماج مع الآخر واضحة لا تخطئها عين.

كان العنصر عندما دخل غمار الحياة، يأمل في حياة مستقرة داخل إحدى الإدارات المغربية، لذلك بعد أن درس المرحلة الابتدائية في بلدته «إيموزار مرموشة» انتقل إلى مدينة «صفرو» حيث درس المرحلة الثانوية، ثم عمل بعدها في إدارة البريد، وتابع دراسته العليا.

طريقته في العمل يغلب عليها الانضباط الإداري، خاصة أنه صعد درجات السلم الوظيفي «بهدوء». ترقى في عقد السبعينات من القرن الماضي من موظف في الإدارة إلى مدير إقليمي لإدارة المواصلات السلكية واللاسلكية في أغادير، ثم مدير الشؤون الإدارية في وزارة البريد والمواصلات، ومدير الإدارة المالية والخدمات البريدية، إلى أن تولى منصب الكاتب العام (وكيل الوزارة).

حظي العنصر بعطف المحجوبي أحرضان، مؤسس الحركة الشعبية، ودفع به أحرضان عندما تولى وزارة البريد عام 1977 إلى الوظائف العليا في الوزارة، ثم ما لبث أن قاده هذا الارتباط إلى دخول «نادي الوزراء» حيث سيصبح العنصر وزيرا للمواصلات عام 1981.

في عام 1985 سيدلي أحرضان بتصريحات أحدثت رجة داخل الوسط السياسي. يومها قال أحرضان، الذي يطلق على نفسه اسم «الزايغ» وهو عنوان كتاب ألفه حول سيرته، لصحيفة «البايس» الإسبانية «إذا واجهت الملكية أخطارا، سنصعد إلى الجبل لندافع عن النظام، في حين سيفر كثيرون إلى أوروبا وسويسرا حيث توجد حساباتهم المصرفية»، وقال وقتها أيضا: إن جميع مشاكل المغرب يتسبب فيها «أحمد رضا أكديرة (المستشار الملكي) وإدريس البصري (وزير الداخلية القوي يومئذ)».

تلك التصريحات أثارت غضب الملك الحسن الثاني. فاضطر أحرضان للسفر إلى باريس والإقامة فيها كمنفى اختياري، وهكذا دخل حزب الحركة الشعبية في حالة جمود، وأرسل القصر الملكي وقتها إشارات ضد أحرضان تلقفها بعض قادة الحزب، وعقدوا مؤتمرا استثنائيا، أعلنوا فيه التمرد على زعامة أحرضان، وشكلوا قيادة جماعية تتكون من 8 أشخاص، كان أبرزهم العنصر. وبعد فترة قصيرة ستثبت فكرة «الأمناء الثمانية» عدم جدواها، حيث تقرر اختيار العنصر ليتولى منصب الأمين العام للحزب. وهو المنصب الذي يشغله حتى اليوم.

خلال هذا المسار المتعرج حافظ العنصر على أسلوب «الحذر مع الهدوء» لذلك استطاع أن يصفي تركة أحرضان دون أن يثير حنق الرجل، وهو ما سيفتح الباب وبعد عقدين من الزمان إلى مصالحة بينهما، واندماج جميع أجنحة الحركة الشعبية في حزب واحد في مارس (آذار) 2006.

لا يحرق العنصر الجسور عندما تشتد الخصومة مع معارضيه داخل الحزب، ويترك دائما للصلح مكانا. كان العنصر من أبرز معارضي «حكومة التناوب» بقيادة عبد الرحمن اليوسفي التي تشكلت في أبريل (نيسان) 1998. وخلال تلك الفترة ظل وفيا لأسلوبه «الهادئ».

يستعين العنصر كثيرا بالإنترنت، وهو من أوائل السياسيين المغاربة الذين استعملوا هذه التقنية. وكانت صحيفة «الحركة» التي يصدرها الحزب، أول صحيفة تستعمل الإنترنت في عام 1989. رجل يتصدى للمشاكل بلا أفكار مسبقة أو مواقف جامدة. غيور على صلاحياته وضنين بأفكاره. يتحدث «بهدوء». يستمع أكثر مما يتكلم. وإذا تكلم يجد راحته أكثر في الفرنسية، ويعبر عن نفسه بعربية يمزج فيها العامية مع الفصحى. يضع على وجهه نظارات طبية شفافة. تقدح عيناه عندما يسمع فكرة لماعة. شعر رأسه خليط من الأبيض والرمادي. فارع الطول، يمشي بخطوات متثاقلة. يعتني بهندامه، وتبدو عليه رواسب من أصول قروية جبلية. لا يمل التكرار مثل النجار الذي عليه أن يضرب رأس المسمار ضربات متكررة حتى ينغرز. يعرف كيف ينساب ليختفي أو يظهر على سطح الأحداث. يفضل التسويات التي لا يخسر فيها الضعيف كل شيء ولا يربح فيها القوي كل شيء.

عندما يسمع رأيا أو تعليقا لا يعجبه ينقبض كما تنكمش المحارة عندما تصب عليها نقطة من حامض الليمون. يتعمد الظهور بمظهر المعتدل. يمكن أن تقرأ الصعوبات على وجهه لكن لن تسمعها قط على لسانه. إنها سمة «الحذر» التي لا تفارقه. خلال هذه الحملة الانتخابية يرفع شعار «التزام من أجل المغرب». هذا المغرب بالنسبة له هو «البوادي والأرياف، والأمازيغية».رضي في حكومة عباس الفاسي الحالية بما منح له. حقيبتان وزاريتان. وزارة بلا حقيبة تولاها شخصيا. ثم وزارة في وزارة الخارجية، يتولاها محمد أوزين، الذي يعده العنصر لخلافته في قيادة الحزب.

قبل أن يكون في الحكومة بهذه الحصة المتواضعة، على أن يبقى خارجها ليترك للآخرين فرصة أن يقضموا من حزبه ما يريدون. يدرك العنصر أن هذه الانتخابات هي فرصته ليعزز موقع الحركة الشعبية على الخريطة السياسية. لا يتحدث أبدا عن طموحاته، لكنه يدرك جيدا، أنه يجب أن يحصل على عدد كاف من المقاعد يجعله جزءا من الحكومة، وليس مجرد حزب بداخلها.