«لنحتل وول ستريت».. حركة للتغيير أم سبب للمتاعب؟

أميركيون بدأوا يحتجون على الاحتجاجات بسبب المشكلات الصحية والخسائر الاقتصادية

حارس يتحدث إلى أحد المتظاهرين في منتزه «زوكوتي بارك» بنيويورك أمس (أ.ب)
TT

بدأت حركة «لنحتل وول ستريت» احتجاجاتها للتعبير عن غضبها من بعض القضايا الاقتصادية والسياسية، ولكن أصبحت القضية الأكثر جدلا في الآونة الأخيرة هي الاحتجاجات نفسها. وبدأت الحركة في تنظيم الاحتجاجات ونصب المخيمات في جميع أنحاء الولايات المتحدة بهدف إلقاء الضوء على الجرائم التي ترتكب في وول ستريت، ولكنها أصبحت تعج بالمشكلات، بدءا بالمخاطر الصحية وتعاطي جرعات زائدة من المخدرات والموت المفاجئ لبعض الأشخاص والاعتداءات الجنسية.

وقد استمرت حالة الفوضى والتخريب التي تعم نيويورك ومدنا أميركية أخرى، حيث قامت الشرطة يوم الثلاثاء الماضي بالقبض على بعض المتظاهرين في ما لا يقل عن ست ولايات، كما قامت ثلاث جماعات حقوقية برفع دعاوى قضائية نيابة عن المتظاهرين، في الوقت الذي عقد فيه رؤساء البلديات ومسؤولو المدن اجتماعات طارئة لمحاولة تقرير ما إذا كانت الحركة الاحتجاجية التي تعد الأكبر على مدى عقد من الزمان تعمل على حل المشكلات أم أنها تخلق المشكلات؟

يشكو مسؤولو المدن منذ وقت طويل من الفوضى التي تسببها حركة «لنحتل وول ستريت»، ولكن بدأ رجال الشرطة خلال الأسبوع الماضي بمداهمة المخيمات في منتصف الليل، وهو ما أدى إلى اكتشاف الكثير من الكوارث التي تؤثر على السلامة العامة، ويبدو أن واشنطن هي المكان الوحيد الذي يتعامل فيه مسؤولو المدن والمتظاهرون بعضهم مع بعض بنوع من التفاؤل المشوب بالحذر.

وفي الوقت نفسه، قامت مجموعة من ضباط الشرطة الذين يحملون دروعا وهراوات باقتحام مخيمات بعض المتظاهرين وهم نيام في مدينة نيويورك صباح الثلاثاء، واعتقلت 200 متظاهر ونصبت حواجز حول منتزه «زوكوتي بارك» الذي شهد اندلاع الشرارة الأولى للاحتجاجات. وقال أحد ضباط الشرطة: «إننا نقوم بتطهير هذه المنطقة»، ولكن المتظاهرين هتفوا قائلين: «إنها منطقتنا».

وما إن تقرأ الأخبار الواردة عن الاحتجاجات التي تقوم بها الحركة، حتى تتخيل أن تلك الأخبار واردة من أحد سجلات الجرائم: مقتل شخص بالقرب من أحد المخيمات في أوكلاند (كاليفورنيا)، وفاة شخص في مدينة «سولت لايك سيتي»، انتحار شخص في ولاية فيرمونت، جرعات زائدة من المخدرات وإلقاء زجاجات حارقة في وسط مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، اعتداء جنسي في فيلادلفيا، وحشية الشرطة في ولاية كاليفورنيا، والعثور على رجل في الثالثة والخمسين من عمره بعد وفاته بيومين على الأقل في خيمته في نيو أورليانز.

وعلاوة على ذلك، هناك مخاوف كبيرة تتعلق بالصحة العامة في المدن، حيث يعيش آلاف المحتجين بالخارج منذ أكثر من شهرين مع قلة المراحيض وعدم وجود حمامات. وفي مدينة شيكاغو، انتهك المتظاهرون القوانين، وقام أحد المتظاهرين في نيويورك بالتغوط على سيارة للشرطة. وفي أوكلاند، قامت الشرطة بإخلاء ساحة فرانك أوجاوا خلال الأسبوع الجاري، حتى يتم التعامل مع غزو الفئران وتنظيف أكثر من 100 خيمة، وعشرات من الأغطية المتعفنة و27.8 طن من القمامة.

وقد فقدت الحركة، التي بدأت على شكل انتفاضة شعبية لتمثيل كل أطياف المجتمع ما عدا الطبقة الأغنى التي تمثل واحدا في المائة من الشعب، بعضا من الدعم المقدم لها، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» في وقت مبكر من هذا الشهر أن 18 في المائة فقط ممن شملهم الاستطلاع يؤيدون الحركة «بقوة». ويوم الاثنين الماضي، نظم بضع مئات من سكان نيويورك وأصحاب الأعمال احتجاجا على الاحتجاجات التي تنظمها الحركة، وارتدوا أقنعة بيضاء وهو يرددون: «ارحلوا من هنا الآن».

وقال مسؤولو المدن إنهم قد تكبدوا ملايين الدولارات نتيجة لهذه المظاهرات. وتقدر مدينة دنفر خسائرها بـ200 ألف دولار أسبوعيا، في حين أنفقت أوكلاند أكثر من مليون دولار لدفع مقابل العمل الإضافي لضباط الشرطة، وتقول الشركات بالقرب من منتزه «زوكوتي بارك» إنهم تكبدوا 500 ألف دولار نتيجة لهذه الاحتجاجات. وقال جان كوان، رئيس بلدية أوكلاند: «لقد أضرت الاحتجاجات بالحياة في كل جزء من أجزاء المدينة». ومن جانبه، قال مايكل نوتر، رئيس بلدية فيلادلفيا: «إننا نمر بمرحلة حرجة، ويجب علينا إعادة تقويم الأمور».

وقد عقد رؤساء البلديات في جميع أنحاء البلاد مؤتمرات للبحث عن حلول ممكنة لتلك المشكلة، وقال كثير منهم إنهم يشعرون بأنهم في مأزق حقيقي. وبعد مرور شهرين على الاحتجاجات، أصبحت المخيمات تعمل كأنها مجتمعات مصغرة، حيث يوجد بها الطهاة والمكتبات والمرافق الطبية والصحف اليومية، وعلى الرغم من أن الحركة الاحتجاجية لم تطالب بمطالب معينة، فإنها عقدت العزم على مواصلة الاحتجاجات خلال فصل الشتاء، وهو ما يضع مزيدا من الضغوط والأعباء على كاهل المدن التي يجب عليها إما أن تتكيف مع الاحتجاجات كواقع مستمر أو تتخذ التدابير اللازمة لإنهائها.

وقد اختارت نيويورك الحل الأخير صباح الثلاثاء عندما أغلقت الطرق والجسور وأنظمة المترو بالقرب من منتزه «زوكوتي بارك». ووصل المئات من ضباط الشرطة في منتصف الليل، وأدت صفارات الإنذار والأبواق إلى إيقاظ المحتجين، وقد استغرق الأمر أربع ساعات واعتقال أكثر من 200 شخص، حتى تتمكن الشرطة من إخلاء المكان.

ووقف نحو 50 شرطيا داخل إحدى الحواجز، بينما تجمع المحتجون بالخارج وكانت إحدى المحتجات ترفع لافتة مكتوب عليها: «أنا من تكساس، وأريد منزلا. لقد استولوا على كل متعلقاتي». وقال شاب آخر يبلغ من العمر 18 عاما إنه شاهد الشرطة وهي ترمي متعلقاته في شاحنة لجمع القمامة.

وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، قال أحد القضاة إن المتظاهرين لم يكن لديهم الحق في أن يقيموا خيامهم مرة أخرى. ومع ذلك، لا يزال حشد كبير من المتظاهرين موجودين حول المتنزه، وعندما حل الليل، سمحت الشرطة للمتظاهرين بالعودة ولكن من دون الخيام أو أغطية النوم، ورفع أحد الرجال لافتة تقول: «إعادة فتح المنتزه تحت إدارة جديدة».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»