أميركا تعزز وجودها العسكري في أستراليا.. وبكين تتحفظ

أوباما من كانبيرا: نحن هنا لنبقى.. وواشنطن لا تخشى الصين ولا تريد استبعادها

أوباما وغيلارد لدى مغادرتهما المؤتمر الصحافي المشترك في كانبيرا أمس (أ.ب)
TT

أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس أن الولايات المتحدة ستعزز وجودها العسكري في أستراليا وتعتزم البقاء في منطقة آسيا والمحيط الهادي «التي تأخذ أهمية استراتيجية كبيرة»، موجها بذلك رسالة واضحة إلى الصين التي اعتبرت أن الأمر غير مناسب.

وكشف أوباما خلال زيارته إلى أستراليا أمس، عن تعزيز عدد مشاة البحرية الأميركية في مدينة داروين، ليصل إلى 2500 جندي بحلول عام 2016، إضافة إلى الطائرات العسكرية وناقلات المقاتلات وطائرات التجسس التي ستستخدم قاعدة تيندال في الإقليم الشمالي بأستراليا (بدلا من أن تقوم الولايات المتحدة ببناء قاعدة خاصة بها)، مع زيادة السفن والغواصات الأميركية في قاعدة بحرية بالقرب من مدينة بيرث الأسترالية. ويتضمن الاتفاق الأميركي -الأسترالي أيضا إجراء مناورات تدريبية سواء بالمشاركة مع القوات الأسترالية أو قيام القوات الأميركية بتلك التدريبات دون مشاركة القوات الأسترالية، مع استعداد القوات الأميركية بمعداتها لمواجهة الكوارث الإنسانية.

وقال أوباما خلال لقائه مع رئيسة وزراء أستراليا جوليا غيلارد: «إننا هنا لنبقى، ونحن ملتزمون بهذه المنطقة التزاما لا يتزعزع». وأضاف أن «هذه المنطقة تأخذ أهمية استراتيجية هائلة بالنسبة لنا. وحتى لو اتخذنا جملة قرارات مالية لدينا، فإنه (الوجود في آسيا - المحيط الهادي) يحتل المرتبة الأولى على لائحة أولوياتي». وتابع: «الولايات المتحدة ستكون شريكا كبيرا في كل القضايا الاقتصادية والأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادي، ولدينا رغبة ملحة أن تكون لدينا مجموعة واضحة من المبادئ التي يمكن أن نلتزم بها جميعا ونحقق النجاح».

وفي بكين، أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أن تعزيز التعاون العسكري بين الحليفين «غير مناسب على الإطلاق». وقال ليو وايمين المتحدث باسم الخارجية الصينية للصحافيين ردا على سؤال حول نشر قوات أميركية في شمال أستراليا القريب من الصين: «إنه من غير المناسب على الأرجح تعزيز وتوسيع التحالفات العسكرية، ولا يبدو أن ذلك يصب في مصلحة هذه المنطقة». وفور الإعلان الأميركي، رحبت الدول الآسيوية بالوجود العسكري الأميركي في أستراليا كقوة موازنة لقوة الصين العسكرية المتنامية، وتعزيز الأمن البحري وطرق الشحن التجارية في بحر الصين الجنوبي. وكانت الولايات المتحدة والدول الآسيوية المتحالفة معها مثل فيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي، قد أبدت قلقا حول توسع النشاط الصيني العسكري والاقتصادي في المياه الدولية خاصة في منطقة جنوب بحر الصين الغنية بالنفط والمعادن والثروة السمكية، ومحاولة الصين السيطرة على هذا الممر الملاحي الذي يقدر فيه حجم التجارة السنوي بين الدول الآسيوية والولايات المتحدة بأكثر من 5 تريليونات دولار، كما تقدر الاحتياطات النفطية غير المكتشفة في بحر الصين الجنوبي بما بين 28 مليار برميل من النفط إلى 213 مليار برميل، واحتياطات من الغاز الطبيعي تصل إلى 3.8 تريليون متر مكعب، وفقا للمسح الجيولوجي الأميركي في عام 2008.

وتزداد المخاطر من احتمال نشوب نزاع مسلح بين الدول الآسيوية والصين، لرغبة الصين في السيطرة على هذه المنطقة، إضافة إلى قيامها بتعزيز نظامها العسكري الدفاعي بشكل كبير خلال السنوات الماضية.

وأبدت الصين قلقا كبيرا من الوجود العسكري الأميركي الموسع في أستراليا إضافة إلى القواعد الأميركية الموجودة بالفعل في اليابان وكوريا الجنوبية بما يستهدف تطويق الصين، وتشككت في أن يؤدي تعزيز التحالف العسكري إلى تحقيق مصالح المجتمع الدولي. وقال المسؤولون في بكين إن حل أي خلافات حول هذا الممر ينبغي أن يكون خلال المحادثات الثنائية دون تدخل من واشنطن.

وأكد أوباما في مؤتمر صحافي بالعاصمة الأسترالية كانبيرا أن الولايات المتحدة لا تخشى الصين، وأنه مع الصعود المتنامي للصين تزداد أيضا المسؤولية، ونفى فكرة تطويق واستبعاد الصين. وأوضح أن استقرار منطقة آسيا والمحيط الهادي أمر حاسم للمصالح الأميركية العسكرية والاقتصادية. وقال: «الولايات المتحدة لا تخشى الصين ولا تريد استبعاد الصين، لكن مستقبل منطقة آسيا والمحيط الهادي بأكملها يعتمد على تجارة قوية، والسبيل الوحيد لدفع التجارة هي الاتفاق على قواعد ومعايير عالية، يلعب الجميع وفقا لهذه القواعد».

وأشار محللون في واشنطن إلى أن التعاون الأميركي - الأسترالي تدفعه رغبة كل من أستراليا ونيوزيلندا في الحصول على مظلة واقية ضد التهديد الذي تشكله الصين، وتستفيد منه الولايات المتحدة في استخدام أستراليا حصنا منيعا ضد التوسع السوفياتي في المنطقة والحصول على تسهيلات عسكرية في جنوب شرقي آسيا.

ودافع مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما، بن رودس، عن الوجود العسكري الأميركي، مؤكدا أن القوات الأميركية كان لها وجود قوي في مكافحة الإرهاب في الفلبين، ومواجهة أعمال القرصنة وتقديم الإغاثة لضحايا التسونامي في السنوات الأخيرة، موضحا أن دول المنطقة تريد من الولايات المتحدة أن تكون حاضرة.

من جانبها، حثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون دول المنطقة على عدم اللجوء إلى الترهيب في مناقشة قضية بحر الصين الجنوبي، في إشارة غير مباشرة إلى الصين. وقالت كلينتون في مانيلا خلال مشاركتها في الاحتفال بالذكرى الستين لمعاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة والفلبين: «ليس لديهم الحق في متابعة ذلك من خلال التخويف والإكراه ولا بد من تطبيق القانون الدولي وسيادة القانون واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 التي تحدد قواعد استخدام البلدان لموارد المحيطات». وأشارت كلينتون إلى ضرورة حل النزاعات بين الفلبين والصين سلميا، مع التأكد من تعزيز القوة العسكرية. وقالت: «نحن مع التأكد من أن قدراتنا الدفاعية الجماعية والبنية التحتية للاتصالات ماديا وعمليا، قادرة على ردع الاستفزازات من الجهات الحكومية وغير الحكومية».

وتشهد أجندة الرئيس الأميركي عدة اجتماعات خلال مشاركته في أعمال قمة بالي في إندونيسيا يوم الجمعة، حيث يتقابل مع رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ لمناقشة التهديدات من أفغانستان وباكستان، والبرنامج النووي الهندي للأغراض السلمية، وإخضاع تجارة المواد المتعلقة بالأنشطة النووية للقواعد الدولية.