بعد حادثة اقتحام البرلمان.. أمير الكويت يمنح صلاحيات للداخلية والحرس الوطني للحفاظ على الأمن

الداخلية تأسف.. واجتماع للمعارضة للتنسيق.. ونائب كويتي يتوعد بمزيد من الاحتجاجات إذا لم تقدم الحكومة استقالتها

محتجون كويتيون خلال قيامهم باقتحام مجلس الأمة الكويتي فيما تحاول الشرطة إثناءهم أول من أمس (رويترز)
TT

أمر الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت، أمس، قوات الحرس الوطني والأجهزة التابعة لوزارة الداخلية بأخذ كل التدابير اللازمة للحفاظ على أمن واستقرار الكويت بكل حزم، غداة اقتحام آلاف المتظاهرين برفقة نواب معارضين مبنى مجلس الأمة للمطالبة بإقالة رئيس الوزراء. كما كلف مجلس الوزراء وزارة الداخلية بملاحقة المسؤولين عن اقتحام البرلمان.

وأكد بيان حكومي، نقلته وكالة الأنباء الكويتية، أن أمير البلاد الذي ترأس اجتماعا طارئا لبحث الأزمة «أمر وزارة الداخلية والحرس الوطني باتخاذ جميع الإجراءات والاستعدادات الكفيلة بمواجهة كل ما يمس بأمن البلاد ومقومات حفظ النظام العام فيها واستقرارها». كما أمر الشيخ صباح بتزويد هذه الجهات «بكافة الصلاحيات اللازمة لضمان استتباب الأمن وتطبيق القانون بكل حزم وجدية لوضع حد لمثل هذه الأعمال الاستفزازية المشينة تجسيدا لدولة القانون والمؤسسات».

وألغى مجلس الأمة جلسة مقررة أمس بسبب الأضرار التي ألحقها المتظاهرون بمبنى المجلس. ومن المتوقع أن تعقد المعارضة أيضا اجتماعا لاحقا (أمس) «لتقويم الوضع بعد أحداث الأربعاء»، كما قال النائب المعارض ضيف الله بورمية.

وتصاعدت حدة التوتر مؤخرا في الكويت مع إطلاق المعارضة حركة احتجاج بعد فضيحة فساد لا سابق لها تشمل اتهامات لـ15 نائبا من أصل خمسين في مجلس الأمة ولمسؤولين في الحكومة. وفتح النائب العام الشهر الماضي تحقيقا حول حسابات نواب في قضايا فساد، بحسب ما أعلن نواب من المعارضة. وقد أرغمت الفضيحة وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح على الاستقالة بعد أن اتهم النائب المعارض مسلم البراك الحكومة بالقيام بعمليات تحويل غير مشروع للخارج عبر السفارات الكويتية.

وأكد أمير الكويت، أمس، «أن المسؤولية الوطنية تستوجب مواجهة هذه المظاهر العبثية بلا تهاون»، مشيرا إلى أن «أجواء الحرية والديمقراطية التي ننعم بها لن نسمح بتلويثها واستخدامها لتحقيق مآرب مشبوهة ولن تكون الكويت ساحة للفوضى والتخريب والعبث المبرمج، فالجميع يرفض هذه الممارسات الغريبة التي لم يألفها أهل الكويت الحريصون على أمن بلدهم واستقراره».

وكان آلاف المتظاهرين يرافقهم نواب من المعارضة، اقتحموا مساء أول من أمس، مبنى مجلس الأمة في العاصمة الكويتية ودخلوا القاعة الرئيسية حيث رددوا النشيد الوطني قبل أن يغادروا المكان بعد ذلك بدقائق. وهذه المظاهرة غير مسبوقة في الكويت. وكان المتظاهرون متوجهين في مسيرة إلى مقر رئيس الوزراء القريب وهم يهتفون «الشعب يريد إقالة الرئيس (رئيس الحكومة)» عندما اعترضتهم قوات الشرطة واستخدمت الهراوات لمنعهم من التوجه إلى مقر الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح. ونظمت المظاهرة بدعوة من المعارضة للمطالبة بإقالة رئيس الوزراء وحل مجلس الأمة.

وقالت وسائل إعلام وشهود إن المتظاهرين تحركوا صوب البرلمان بعد أن ضربت قوات خاصة من الشرطة بعضهم أثناء تنظيم وقفة أسبوعية بالشموع قرب البرلمان. وأضافوا أن من بين المحتجين الذين اقتحموا طريقهم إلى داخل المجلس بعض نواب المعارضة الذين كانوا بين مئات المحتجين الذين يتظاهرون خارج البرلمان كل أسبوع مطالبين باستقالة الشيخ ناصر. وقالت بعض وسائل الإعلام الكويتية وشهود إن شرطة مكافحة الشغب ضربت المتظاهرين حينما تجمعوا خارج البرلمان.

وفي مايو (أيار) حاول نائبان استجواب الشيخ ناصر بشأن مزاعم عن سوء استخدام الأموال العامة وهو اتهام ينفيه دائما. وجاء طلبهما بعد أيام من كشفه النقاب عن سابع حكومة يشكلها. وكانت الحكومة الكويتية السابقة استقالت في مايو لتفادي استجواب برلماني لثلاثة وزراء.

وأعرب أمير الكويت في البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الكويتية أمس عن «عميق الأسف والقلق والاستياء إزاء هذه التصرفات العبثية غير المعهودة والتي يرفضها أهل الكويت جميعا». كما اعتبر أن اقتحام «بيت الأمة على هذا النحو غير المسؤول وانتهاك حرمته هو مساس بالثوابت الكويتية وخطوة غير مسبوقة على طريق الفوضى والانفلات تشكل تهديدا للأمن والاستقرار وللنظام العام في البلاد لا مجال للقبول به أو التراخي إزاءه بأي حال من الأحوال». كما ذكر البيان أن مجلس الوزراء كلف وزارة الداخلية والجهات الأخرى المعنية «بمباشرة الإجراءات القانونية المناسبة إزاء جميع الممارسات المخالفة للقانون التي شهدتها أحداث ليلة» الأربعاء. وأشار إلى أن هذه الإجراءات تشمل «ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من مظاهر التحريض وكل ما يشكل تجاوزا للقانون».

ورأس أمير الكويت اجتماعا طارئا لمجلس الوزراء صباح أمس حضره ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ورئيس مجلس الأمة جاسم محمد الخرافي ونائب وزير شؤون الديوان الأميري الشيخ علي الجراح الصباح. وعقب الاجتماع، قال وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء والناطق الرسمي باسم الحكومة علي فهد الراشد بأن المجلس استمع إلى تقرير تفصيلي قدمه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ أحمد حمود الجابر الصباح شرح فيه تفاصيل أحداث الشغب، وما شابها من «أعمال تخريب وفوضى وتطاول على رجال الأمن ومحاولة استفزازهم والاحتكاك بهم».

من جهتها، عبرت وزارة الداخلية عن شديد أسفها لما حدث، وقالت في بيان إن «هذه الأحداث أسفرت عن وقوع عدة إصابات وإتلاف للمرافق والوسائل العامة حيث أصيب من جراء ما وقع من اعتداءات على رجال الأمن وحراس أمن مجلس الأمة خمسة من رجال الأمن وأحد عناصر الحرس الوطني». وقالت الوزارة إن 6 من كبار ضباط الأمن العام، والحرس الوطني المكلف بأمن وحراسة مجلس الأمة أصيبوا في الأحداث.

وهدد النائب الكويتي المعارض مسلم البراك أمس بمزيد من الاحتجاجات إذا لم تستقل الحكومة ويحل مجلس الأمة. وشارك البراك في اقتحام مبنى البرلمان أول من أمس. وقال للصحافيين في البرلمان إن المعارضة تنتظر حل الحكومة والبرلمان، مضيفا أنه إذا لم يحدث هذا فإن أحداث أول من أمس لن تكون سوى خطوة أولى ضمن عدة خطوات.

من جهته، قال مسؤول بمجلس الأمة الكويتي إن «الدفاع عن المكتسبات الدستورية» لا يكون بالتعدي عليها. وقال مراقب المجلس النائب الدكتور علي العمير في بيان للصحافيين عقب الاجتماع الطارئ للمكتب الذي ترأسه رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي، أمس، إن المكتب استعرض «الحوادث المؤسفة والتصرفات غير المسؤولة التي وقعت مساء الأربعاء حيث استهدف بعض المواطنين مقر مجلس الأمة واقتحموا أبوابه عنوة وهو أبرز معالم الديمقراطية التي تفخر بها الكويت».

وأضاف النائب العمير «يرى المكتب أن العبث بالنظام النيابي على هذا الوجه والتعدي على الثوابت الوطنية التي قامت عليها الكويت أخطر بكثير مما حاق بمقر المجلس وقاعاته ومرافقه من عبث وإتلاف إلى جانب ما لحق ببعض أعضاء قوة حرس المجلس من مواجهات غير مقبولة وإصابات نقل بعضهم بسببها إلى المستشفى للعلاج». ومضى قائلا «هذه سابقة خطيرة تدعو إلى الأسف الشديد ولم تشهد لها الكويت من قبل مثيلا».

وأكد المكتب في بيانه أن «الدفاع عن المكتسبات الدستورية التي تفخر بها الكويت والحفاظ عليها والدفاع عنها لا يكون بالتعدي على حرمة المؤسسة التشريعية بأساليب لا يقرها القانون وإنما يكون بممارسة أدوات الرقابة التي كفلها الدستور سواء للنائب داخل المجلس ولجانه أو للمواطنين عند ممارسة حقهم في صناديق الاقتراع». وأضاف «وبذلك وحده يتحقق للمجتمع الأمن والاستقرار الذي هو هدفنا جميعا». وذكر أن المجلس «رأى مواجهة هذا الحدث الخطير بالأسلوب القانوني»، مشيرا إلى أنه «أبلغ نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية لاتخاذ الإجراءات القانونية بصدده». وفي رده على أسئلة للصحافيين عما إذا كان الإجراء المتخذ من قبل وزارة الداخلية سيشمل النواب، قال مراقب المجلس النائب العمير إن الخبير الدستوري بعد سؤاله في هذا الشأن أفاد بأن النواب في هذه الحالة لا يختلفون عن المواطنين «والإجراء يشمل كل من تجاوز على القانون وقاعة عبد الله السالم وحرمة القاعة».

والكويت هي ثالث أكبر منتج في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وهي تضخ حاليا ثلاثة ملايين برميل من الخام يوميا في الأسواق. وسجلت الكويت فوائض تراكمية تجاوزت 300 مليار دولار إلا أن مشاريع التنمية بقيت مجمدة بغالبيتها بسبب الخلافات السياسية.