واشنطن توجه تحذيرات لمصر بسبب تباطؤ المجلس العسكري في إنهاء المرحلة الانتقالية

ناشطون: الولايات المتحدة تريد تأمين علاقتها بالحكومة القادمة

TT

أثارت المحاولات الواضحة من جانب المجلس العسكري (الحاكم المؤقت في مصر) للاستحواذ على السلطة لمدة طويلة - بعد إجراء الانتخابات - ردود أفعال حادة على المستوى المحلي.. ودفعت واشنطن، للمرة الأولى، إلى التحذير من احتمالية نشوب حالة جديدة من الاضطراب.

وبعد أشهر من الضغط الخفيف الممزوج بالدعم واسع النطاق للمجلس العسكري الحاكم، زادت إدارة أوباما من حدة لهجتها؛ بحسب مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأميركية، معبرة عن مخاوفها من احتمالية أن يؤدي الفشل في نقل الحكم لسلطة مدنية إلى تقويض الثورة التي رسمت ملامح الربيع العربي.

ويعد هذا التحول في لهجة الخطاب جزءا من إجراء توازن صعب تتبعه واشنطن، الحريصة على الإبقاء على علاقاتها بالقيادة العسكرية وفي الوقت نفسه على مصالحها في المنطقة، وبالأساس دور مصر في الحفاظ على السلام مع إسرائيل.. غير أن واشنطن تأمل أيضا في نيل استحسان المعارضة السياسية التي تم تمكينها حديثا، مع تجنب الظهور بصورة تنم عن تأييدها لمماطلة المجلس العسكري في تفعيل التحول إلى الديمقراطية. وبوضع جميع الأمور في الحسبان، فقد أشار البعض إلى أن التغيير في اللهجة ربما يهدف إلى استرضاء الرأي العام المصري، بدلا من الضغط الفعلي على المجلس العسكري لترك السلطة.

«أعتقد أنهم يعملون لمصالحهم الخاصة، ولا سيما فيما يتعلق بالتحول البطيء للسلطة»، هكذا قال شادي الغزالي حرب، الناشط الليبرالي ذائع الصيت الذي كان من بين القادة المشاركين في الثورة المصرية. وأضاف: «الولايات المتحدة تريد أن تضمن أن الحكومة القادمة ستكون على علاقة طيبة معها - لن أقول موالية لها، ولكن تربطها علاقة ودية بها - ويرتبط دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المجلس العسكري الحاكم، بذلك».

ولفتت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، إلى التغيير في اللهجة الذي اتضح جليا الأسبوع الماضي، فيما وصفه معاونوها بأنه تحذير متعمد موجه للمجلس العسكري، الذي تولى مقاليد السلطة بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك. وكان المجلس العسكري قد تعهد في البداية بتسليم السلطة إلى مدنيين في شهر سبتمبر (أيلول)، لكنه يقول الآن إنه لن تجرى انتخابات رئاسية قبل عام 2013. وفي الأسبوع الماضي، وضع مخططا للدستور الجديد، والذي يمنح الجيش صلاحيات سياسية خاصة، مع الحماية من الرقابة المدنية إلى الأبد.

وحذرت كلينتون قائلة: «إذا حدث بمرور الوقت أن ظلت القوة السياسية الأقوى تأثيرا في مصر ممثلة في مجموعة من المسؤولين غير المنتخبين، فسوف يغرسون بذور حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار في المستقبل، ولسوف يضيع المصريون فرصة تاريخية». وأضافت أنه «حينما تقول السلطات غير المنتخبة إنها ترغب في ترك الحكم»، تتوقع الولايات المتحدة منها «وضع خارطة طريق واضحة» و«الالتزام بها».

وبالنظر إلى دعم واشنطن طويل الأمد لمبارك وتعليق كلينتون الشهر الماضي الذي أبدت فيه تأييدها لمد الجدول الزمني الذي وضعه المجلس العسكري لاختيار رئيس منتخب، فإن ثمة بعض الشكوك تتبلور حول طبيعة نوايا واشنطن. يذكر أن هذا التحول حدث في الوقت نفسه الذي تبذل فيه إدارة أوباما جهودا واسعة النطاق من أجل مواجهة الآراء المعادية لأميركا والتواصل مع قادة المعارضة بمختلف الأطياف السياسية.

وقال نبيل فهمي، السفير المصري السابق لدى واشنطن، إن الولايات المتحدة «ترغب في أن تأخذ الكعكة وأن تأكلها أيضا»، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ترغب في تعزيز الديمقراطية من دون التعامل مع الضغط الذي ستلقي به على المصالح الأميركية في المنطقة.

وقد أدت محاولات المجلس العسكري لتأمين سلطته والامتيازات التي يسعى للتمتع بها إلى أجل غير مسمى، إلى خلق موقف غريب بالنسبة لواشنطن. وقد وطدت الولايات المتحدة، من خلال وزارة الدفاع (البنتاغون) على وجه الخصوص، علاقات قوية مع الجيش المصري، الذي ما زال يتلقى مساعدات أميركية سنوية قيمتها 1.3 مليار دولار. ويأمل مسؤولون أميركيون أن تدعم الحكومة الجديدة، أيا كانت، السياسة الأميركية، بما فيها الإبقاء على العلاقات مع إسرائيل وحفظ المسافة مع إيران.

في الوقت نفسه، ما زالت الولايات المتحدة - التي تحظى بمتابعة الرأي العام في مصر ومختلف أنحاء المنطقة - تعاني بسبب عقود من الدعم للحكومات غير الديمقراطية، مثل النظام المدعوم بالجيش الذي سيطر على مصر في ظل حكم مبارك. وبالتالي فإن البقاء بمعزل عن الجدال الدائر حول الدور المستقبلي للجيش في مصر قد يهدد بتنامي تلك الانتقادات؛ في وقت تعطي فيه التحولات الديمقراطية ثقلا جديدا للرأي العام.

وكجزء من جهودها الرامية إلى توسيع نطاق متابعتها للأوضاع الراهنة، التقت إدارة أوباما أيضا بجماعة الإخوان المسلمين، التي يستعد ذراعها السياسي للفوز بنسبة كبيرة في البرلمان الجديد للبلاد، وتظل أكبر ثقل سياسي في مواجهة المجلس العسكري.

والتقى جاكوب والاس، نائب مساعد وزيرة الخارجية، للمرة الأولى هذا الأسبوع بقيادات من حزب الحرية والعدالة الذي تم تشكيله حديثا والتابع لجماعة الإخوان المسلمين بمقره الجديد في القاهرة. وفيما أجرى دبلوماسيون أميركيون اتصالات متقطعة لسنوات بنواب من جماعة الإخوان المسلمين في البرلمان المصري، قال مسؤولون هنا في القاهرة إن مقابلة والاس تؤكد على تعهدات كلينتون بالتعاون مع الأحزاب الإسلامية التي تحترم الديمقراطية.

وقال آخرون إنها يحتمل أن تكون إشارة إلى أن واشنطن أدركت ببساطة أن الإخوان المسلمين على يقين من أنهم سيلعبون دورا مؤثرا في مستقبل مصر، وأنهم من المرجح أن يفوزوا بنسبة كبيرة من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي ستبدأ هذا الشهر.

«أكدوا (الأميركيون) أنهم حريصون على دعم العملية الديمقراطية، وسوف يقبلون نتائج الانتخابات ويتعاملون مع أية حكومة تحترم حقوق الإنسان وحقوق المرأة والأقليات والعملية الديمقراطية»، هذا ما قاله عصام العريان، أحد القادة المحنكين بجماعة الإخوان المسلمين، ونائب رئيس الحزب الذي شكلته حديثا، والذي التقى والاس. وأضاف: «ونحن حريصون وتواقون لأن نقول إننا نحترم العملية الديمقراطية والحقوق المكفولة لكل الناس بموجب الدستور والقانون».

وأعرب مسؤولون بالإدارة الأميركية، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم نظرا لمناقشتهم محاورات دبلوماسية خاصة، عن أملهم في أن يؤدي المزج بين الضغط الداخلي والخارجي على المجلس العسكري إلى إقناعه بتسليم السلطة والخضوع لإشراف مدني. وإضافة إلى التعليقات المقدمة من كلينتون، فقد حث مسؤولون أميركيون آخرون رفيعو المستوى المجلس على تعديل مقترحاته الأخيرة للاحتفاظ بالسلطة، بحسب المسؤولين.

وأشار المسؤولون إلى أنه منذ الإطاحة بمبارك، دأب قادة المجلس العسكري على تقديم بعض الاقتراحات، ثم سحبها مرة أخرى، عقب حدوث مظاهرات في الشوارع ونتيجة للضغط الشعبي، في حالة من التذبذب استمرت لفترة طويلة، والتي ذكر البعض أنها تعكس حقيقة أن ثمة عملية ديمقراطية حقيقية تتخذ مجراها، حتى وإن بدت غير منظمة.

غير أن مسؤولين بالإدارة ونشطاء مصريين لاحظوا إشارات مقلقة. فالجوهر العسكري لحكومة مبارك قد «أعاد تأكيد نفسه من جديد»، حسبما أشار مسؤول رفيع المستوى. وأضاف، مشيرا إلى الانتخابات البرلمانية المقبلة: «ليست لدينا توقعات كبيرة بأنها ستؤدي إلى تشكيل نظام ديمقراطي».

وأوضح المسؤول أنه في أفضل الأحوال ستمثل الانتخابات عملية «انتقال إلى انتقال»؛ أو قترة تحول سيترك الجيش ليكون فيها بمثابة السلطة الفعلية في مصر لسنوات مقبلة، مثلما كان في ظل حكم مبارك.

وقال الجيش إنه ينوي الاحتفاظ بالسلطة السياسية حتى بعد انتخاب البرلمان في الأشهر المقبلة، وإنه سيلعب دورا في صياغة الدستور أيضا. وقد رفض رفع «قانون الطوارئ» الذي وضع في عهد مبارك، والذي يسمح باعتقالات من دون محاكمة، كما أحال 12.000 مدني للمحاكمات العسكرية.

وفيما تهدد التغييرات في اللهجة التي انتهجتها الإدارة الأميركية بإحداث اضطرابات داخل دولة حليفة محورية تزداد فيها نسبة مشاعر العداء لأميركا - وفي بعض الأحوال، درجة الدعم للجيش - فإنها تحظى بثناء من جانب نشطاء يقولون إنهم يقدرون مساعدة واشنطن.

وقال عماد جاد، وهو محلل بجريدة «الأهرام» الحكومية وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي: «أعتقد أن وزيرة الخارجية السيدة كلينتون حملت رسالة واضحة إلى المجلس العسكري، وأعتقد أن هذه الرسالة وصلتهم: إن المجلس العسكري ليس هيئة منتخبة، ويجب عليه تسليم السلطة».

وأكد جاد أنه على المدى الطويل، لا يمكن أن يخدم مثل هذا الضغط سوى العلاقات الأميركية مع مصر الديمقراطية. وقال: «أعتقد أن أكثر من 50 في المائة من المصريين مقتنعون بأن المجلس العسكري يحاول وأد الثورة المصرية».

* خدمة «نيويورك تايمز»