روسيا تنتقم من العمال الطاجيك ردا على سجن أحد مواطنيها

اعتقال وترحيل المئات.. ومسؤولون يدعمون الحملة تحت مبررات مختلفة

مجموعات من الشبان التابعة للكرملين تتظاهر أمام السفارة الطاجيكية في موسكو (رويترز)
TT

تسبب سجن مواطن روسي في طاجيكستان، في بدء حملة انتقامية ضد العمال الطاجيك في روسيا، الذين قالوا إنهم باتوا يتعرضون بشكل تعسفي للاعتقال والترحيل. وأعلنت دائرة الهجرة الاتحادية في روسيا أن عملاءها اعتقلوا ما لا يقل عن 300 شخص من عرقية الطاجيك خلال الأسبوعين الماضيين، في الوقت الذي عبرت فيه منظمة مستقلة لحقوق الإنسان عن اعتقادها بوجود مئات آخرين قيد الاحتجاز. وبحسب مسؤولين طاجيك، وصلت الدفعة الأولى من المبعدين إلى طاجيكستان مطلع الأسبوع الحالي، لكن لم يتضح العدد النهائي للأفراد الذين سيتم إبعادهم.

وأوضح قنسطنطين رومودانوفسكي، رئيس دائرة الهجرة الاتحادية، في حديث لوكالة «إيتار تاس» الأسبوع الماضي أن «ضباط دائرة الهجرة الاتحادية، يعملون جنبا إلى جنب مع وكالات وزارة الداخلية لشن عمليات طرد مواطني طاجيكستان، وسوف نقوم بذلك بسرعة. لقد طلب منا استعادة النظام، وسوف نستخدم أقسى التدابير للقيام بذلك». وفي السياق ذاته، أكد تقرير إخباري على المخاطر التي يتعرض لها الملايين من العمال المهاجرين الذين يعملون ويعيشون في روسيا، وغالبا ما يعيشون ظروفا بائسة، ومعظمهم من الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، بما في ذلك العمال الطاجيك، الذين يعانون من انتهاكات تقع بصورة منتظمة على أيدي الشرطة والقوميين المتطرفين، بحسب مراقبين لحقوق الإنسان. وقد يقع هؤلاء العمال أيضا ضحايا لتقلبات السياسة الدولية والمحلية، كما هو الحال الآن.

والجهود الواضحة من جانب السلطات للتعامل مع ارتفاع المشاعر المعادية للمهاجرين في روسيا قبيل الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في ديسمبر (كانون الأول) المقبل يبدو أنها فاقمت من مشكلات هؤلاء العمال. وعبرت شخصيات عامة بارزة عن دعمها للحملة ضد الطاجيك، فقد أمر الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، المسؤولين بإجراء مزيد من الاختبارات للمهاجرين غير الشرعيين. وقال ميدفيديف الأسبوع الحالي: «لقد أعطيت تعليمات لدائرة الهجرة الروسية بمتابعة المواطنين الأجانب في بلدنا. هذه المشكلة تقلق عددا كبيرا من الناس، وكثيرا ما تؤدي إلى وقوع التوترات، بل وحتى وقوع اشتباكات على أساس الانقسامات العرقية، ومن ثم لا يمكننا غض الطرف عن هذا الأمر». اندلع النزاع هذا الشهر عندما حكم على مواطن روسي، وهو طيار يدعى فلاديمير سادفينتشي، وزميلة الإستوني، بالسجن لمدة ثمانية أعوام ونصف على خلفية ما تصفها روسيا باتهامات مختلقة بأنهما عبرا الحدود بصورة غير شرعية وهربا محرك طائرة.

كان الطياران عائدين إلى موسكو من مهمة بضائع في أفغانستان في مارس (آذار) الماضي عندما رفض ضباط المراقبة الجوية الطاجيك منحهم الإذن بالهبوط للتزود بالوقود في مطار كورغان تيوبي في طاجيكستان. لكنهم هبطوا على الرغم من ذلك، وقالا في وقت لاحق إنهما لم يكن لديهما ما يكفي من الوقود للعودة إلى أفغانستان. وعلى الجانب الآخر، قال مسؤولون طاجيك إن هبوط الطيارين من دون إذن ودون وثائق سليمة كان دليلا كافيا لدعم الاتهام بالتهريب، وتم القبض على الطيارين وأرسلا إلى السجن، حيث لا يزالان يمكثان هناك.

كان رد فعل المسؤولين الروس على الحكم غاضبا. وأشار البعض إلى أن الحكم جاء بنية انتزاع رشوة لإطلاق سراح الطيارين، وهو ما دفع موسكو إلى المطالبة بتحرير الطيارين. ورغم أنها نفت أي صلة بين هذه القضية وحملة القمع التي يواجهها الطاجيك في روسيا، فإن من الواضح أن السلطات تتبع سيناريو مجربا وموثوقا. وإضافة إلى الاعتقالات وعمليات الترحيل، أرسلت مجموعات من الشباب التابعة للكرملين إلى التظاهر أمام السفارة الطاجيكية في موسكو، كما فعلوا خلال المشاحنات الأخيرة مع جورجيا وإستونيا ودول أخرى.

ودخل رئيس هيئة الرقابة الصحية في روسيا، غينادي أونيشينكو، على خط الأزمة عندما أوصى هذا الأسبوع بمنع الطاجيك من دخول البلاد، مشيرا إلى اكتشاف نسب أعلى من المعتاد من حالات نقص المناعة المكتسبة والسل بين هؤلاء العمال، لكن قادة المجتمع الطاجيكي وصفوها بالافتراءات.

وكان أونيشينكو قد فرض في السابق حظرا على منتجات أجنبية قيمة مثل النبيذ الجورجي، والحليب من روسيا البيضاء، والأسماك المعلبة من لاتفيا، في أوقات التوتر المتزايد مع تلك البلدان. وأثمن ما تورده طاجيكستان هو الشعب؛ إذ هناك أكثر من مليون مهاجر طاجيكي يعيشون في روسيا طوال العام ويعمل معظمهم في مواقع البناء أو في الأسواق المترامية الأطراف في أنحاء موسكو، ويقول خبراء مجال الهجرة، إن تحويلاتهم مثلت نحو 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لطاجيكستان في عام 2009، وفقا للبنك الدولي. ويرى الخبراء أن هذه الترحيلات قد تكون كارثية بالنسبة للاقتصاد الطاجيكي، فالشخص الذي يتم ترحيله، لن يستطيع العودة إلى الأراضي الروسية لمدة خمس سنوات، بحسب القانون الروسي.

ويقول كرومات شاريبوف، رئيس منظمة حقوقية تدافع عن العمال الطاجيك ومقرها موسكو: «إذا لم نستطع التوصل إلى اتفاق، فستقع حالة من الفوضى، فكل هؤلاء الأفراد سيعودون إلى منازلهم، ونحن نعلم يقينا أن الحكومة الطاجيكية لن تتمكن من رعايتهم». وكمواطني جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، لا يحتاج الطاجيك إلى تأشيرة دخول إلى الأراضي الروسية، لكن يتطلب الأمر تصاريح عمل بصورة قانونية. وتشير دائرة الهجرة إلى أن كل المعتقلين حاليا يعملون بصورة غير شرعية. وفي «مركز اعتقال العمال الأجانب رقم 1» الواقع على أطراف موسكو، قال المحتجزون إن من بين 400 و450 محتجزا، كانت غالبيتهم من الطاجيك الذين اعتقلوا خلال الأيام الأربعة أو الخمسة الماضية.

وقال أحد المعتقلين، الذي قال إن اسمه فرخات، من النوافذ المفتوحة للصحافي الذي كان بالخارج: «قالوا لنا إنه نظرا لاعتقالنا طيارهم سوف يحتجزوننا أيضا». وأكد أنه يملك تصريح عمل لكن مسؤول الشرطة مزقه خلال استجوابه. ولم يتسن التأكد من صدق روايته، على الرغم من تأكيدات معتقلين آخرين للمزاعم نفسها، بحسب قادة المجتمع الطاجيكي. وقد رفض مدير السجن الحديث إلى الصحافي.

واستجابة للضغوط الكبيرة التي تعرضوا لها، أشار المدعون العامون في طاجيكستان إلى استعدادهم لتخفيف الحكم عن الطيارين، على الرغم من عدم تقديم المسؤولين أي مؤشرات على إمكانية تحريرهما، كما طلبت موسكو.

ويسري شعور بين العمال الطاجيك بأن العاصفة سرعان ما ستزول. ويقول بائع لحم طاجيكي يدعى شريف، ذكر أنه اختبأ في متجره الصغير، حتى يتجنب الاعتقال أثناء الغارة التي وقعت يوم الاثنين في سوق فيكتوريا شمال شرقي موسكو: «الناس تختبئ. أنا لدى تصريح عمل لكن ينبغي أن أكون حذرا». وقبل دقائق، كانت حافلة تحرسها سيارتان تابعتان للشرطة تبتعد عن السوق وتحمل عددا غير معروف من العمال إلى مركز اعتقال موسكو.

*خدمة «نيويورك تايمز»