تزايد الجماعات المسلحة ينذر بحرب أهلية في سوريا

ناشط من إدلب: الهجوم على مقر معرة النعمان تم بعد تلقي إشارات من جنود داخل المبنى

متظاهرون في حمص ينددون بالنظام السوري بعد صلاة الجمعة أمس (رويترز)
TT

لليوم الثاني على التوالي، شن منشقون عن الجيش السوري هجوما على رموز مراكز القوى في حكومة الرئيس بشار الأسد واستهدفوا مكاتب الشباب في حزب البعث (الحاكم) يوم الخميس الماضي. ويأتي هذا الهجوم في أعقاب إطلاق قذائف صاروخية على قاعدة للمخابرات العسكرية يوم الأربعاء الماضي.

وقد دفعت هذه الهجمات، علاوة على العلاقات المتوترة بين الطوائف الدينية في سوريا وتزايد الضغوط الدولية وحملة القمع الشرسة التي يقوم بها النظام السوري، دفعت روسيا التي تعد الحليف الأقرب لسوريا لتصرح بأن البلاد قد أصبحت على وشك الانجراف إلى حرب أهلية.

وقد تكون تلك الهجمات رمزية أكثر من كونها هجمات فعالة ومؤثرة، ولكنها تعكس قوة المنشقين الذين يتزايد عددهم باستمرار، في الوقت الذي تتوارد فيه أنباء عن شن هجمات على منشآت حكومية - في مدينة درعا الجنوبية ومدينة حمص على سبيل المثال - منذ اندلاع الاحتجاجات السورية.

ولا تعد هذه الهجمات قوية بالمقارنة بسلسلة الهجمات الدموية التي وقعت في سوريا في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي حين قام مسلحون باقتحام مكتب مدرسة المدفعية بحلب، مما أسفر عن مقتل 32 طالبا. ولم يتضح ما إذا كان الهجوم الأخير على المكاتب التابعة لحزب البعث قد أدى إلى وقوع ضحايا أم لا، ولكن الاختيار الجريء للأهداف التي يتم الهجوم عليها يعكس قوة المنشقين عن الجيش في مواجهة الحملة الشعواء التي يشنها النظام السوري والتي أدت، حسب تصريحات الأمم المتحدة، إلى مقتل أكثر من 3500 شخص. ومن جهتها، لم تعلن الحكومة السورية عن أي تفاصيل عن تلك الهجمات.

ومع ذلك، فشل المنشقون - الذين قد يصل عددهم إلى الآلاف - في تقويض وحدة الجيش السوري حتى الآن. ويرى محللون أن عدد المنشقين سيزداد بصورة كبيرة بعد أن تخلى حلفاء النظام السوري عنه، بما في ذلك جامعة الدول العربية التي علقت عضوية سوريا.

وقال حسين شبكشي، وهو كاتب عمود في جريدة «الشرق الأوسط» اللندنية: «إنها دفعة كبيرة لمن يريد أن يقف ضد النظام، سواء على الصعيد العسكري أو على المستوى المدني. لقد انتهى هذا النظام، وسوف تؤدي هذه الخطوة إلى مزيد من الانشقاقات والاحتجاجات المدنية، وربما حتى التدخل العسكري، كما ستسمح للمجتمع الدولي باتخاذ مزيد من الإجراءات مثل فرض منطقة حظر الطيران فوق سوريا».

في الواقع، لا يوجد هناك معارضة موحدة تقود الأحداث في سوريا. وقد أعرب العديد من القادة الذين يطالبون بإسقاط الحكومة عن قلقهم من أن تؤدي تلك الهجمات إلى اندلاع حرب أهلية، على غرار ما حدث في لبنان والعراق.

وقال فايز سارة، وهو معارض بارز في دمشق: «أنا ضد الاقتتال الداخلي، حيث لا يجب أن يقتل أبناء الشعب الواحد بعضهم البعض، ولذا يجب التوقف عن العمليات التي تستهدف القوات الحكومية».

وقد واصلت حصيلة القتلى ارتفاعها يوم الخميس الماضي، حيث أعلنت لجان التنسيق المحلية، وهي جماعة معارضة، عن مقتل ما لا يقل عن 19 شخصا في مختلف أنحاء سوريا، بما في ذلك أربعة منشقين عن الجيش وسبعة مدنيين واثنان ممن لم يبلغوا سن الرشد بعد.

من جهته، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنه يتعين على المجتمع الدولي أن يدعو جميع الأطراف في سوريا إلى التوقف عن إراقة الدماء، وأضاف: «يتم تهريب المزيد والمزيد من الأسلحة من الدول المجاورة. لقد رأيت تقريرا متلفزا اليوم حول قيام ما يسمى بـ(الجيش السوري الحر) بتنظيم هجوم على المبنى الحكومي التابع للقوات المسلحة السورية، في مشهد يشبه تماما ما يحدث في الحروب الأهلية».

وفي تركيا، التي كانت حليفا لسوريا وتحولت الآن إلى معارض قوي، ندد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بعدم اتخاذ عمل فعال ضد الحكومة السورية، متسائلا عما إذا كانت الجهات الدولية تتجاهل إراقة الدماء في سوريا لأنها لا تملك موارد ثمينة! وقال أردوغان في خطاب متلفز في قمة منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود في إسطنبول: «ربما لن نرى ردود الأفعال تجاه ما يحدث في سوريا بنفس الصورة التي كانت تحدث مع ليبيا، لأن سوريا ليس لديها الكثير من البترول. ومع ذلك، أود أن تعلموا أن أولئك الذين يقتلون في سوريا هم بشر مثل الذين قتلوا في ليبيا».

وفي الأمم المتحدة، كانت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تقوم بتوزيع مشروع قرار للجمعية العامة بالموافقة على خطة السلام التي طرحتها جامعة الدول العربية والتي تدعو سوريا إلى وقف جميع أعمال العنف وسحب القوات المسلحة من المناطق المدنية، وهو ما يفرض مزيدا من العزلة الدولية والعربية على النظام السوري. وأصدر الوفد الألماني بيانا يقول فيه إن عدة دول عربية قد أعربت عن رغبتها في المساعدة في هذا الإطار.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو جهة معارضة تعمل من المنفى، إن المقاتلين المسلحين يعتقد أنهم أعضاء في «الجيش السوري الحر» الذي قد شن هجوما بقذائف صاروخية على مبنى يضم مكاتب الشباب التابعة لحزب البعث في مدينة معرة النعمان في محافظة إدلب في شمال غربي البلاد. وأضاف المرصد أنه قد وقعت اشتباكات بين المقاتلين وقوات الأمن الذين كانوا خارج المبنى.

وقال أبو مؤيد، وهو ناشط من إدلب قال إنه كان على اتصال بالمقاتلين، إنه قد تم شن الهجوم بعد تلقي إشارات من جنود داخل المبنى، وأضاف: «شارك في الهجوم نحو 250 مقاتلا. وبعد الهجوم، انشق 60 جنديا من الجنود الذين كانوا داخل المبنى وتركوا المدينة». ولم يكن هناك أي وسيلة للتحقق من هذه الرواية.

ويعد الهجوم على قاعدة الاستخبارات العسكرية في ضاحية حرستا في دمشق واحدا من الهجمات التي أعلن «الجيش السوري الحر» مسؤوليته عنها يوم الأربعاء. وفي الوقت نفسه، قالت لجان التنسيق المحلية إن الهجوم كان على الأرجح عملا انتقاميا من جانب المحتجين الذين تم اعتقالهم واستجوابهم هناك. وقالت مجموعة أخرى إنه لم يتم سوى إطلاق قذيفتين فقط على المبنى ولا يوجد هناك أي أضرار واضحة.

وقال عمر إدليبي، وهو ناشط في لجان التنسيق المحلية، إن اثني عشر جنديا على الأقل قد غادروا مواقعهم في مدينة حماه يوم الخميس.

يذكر أن مجلس الأمن قد فشل في شهر أكتوبر (تشرين الأول) في تمرير قرار يدين أعمال العنف بسبب استخدام كل من روسيا والصين حق النقض. وحتى القرار الذي ستتخذه الجمعية العامة للأمم المتحدة لدعم مطالب الجامعة العربية سيكون غير ملزم. ومع ذلك، سيعكس هذا القرار الرأي العام العالمي، لأنه سيتم التصويت عليه من جميع الدول الأعضاء البالغ عددهم 193 دولة. وفي بيان له، قال بيتر ويتنج، وهو ممثل ألمانيا لدى الأمم المتحدة: «إننا نأمل بأن يظهر هذا القرار للأسد مدى العزلة التي يعاني منها».

* خدمة «نيويورك تايمز»