نجاح «جمعة حماية الديمقراطية» يشعل المعركة حول «وثيقة السلمي»

مراقبون: هيمنة الإسلاميين على «التحرير» تؤكد أهمية «المبادئ الدستورية»

آلاف من المصريين تظاهروا أمس احتجاجا على «وثيقة السلمي» (إ.ب.أ)
TT

ضاعف احتشاد عشرات ألوف المتظاهرين في ميدان التحرير بالعاصمة المصرية، أمس، حدة ارتباك المشهد السياسي في بلاد تأمل في انطلاق مسيرتها الديمقراطية نهاية الشهر الحالي مع بدء المرحلة الأولى في الانتخابات البرلمانية. فمع تراجع نسب المشاركة في دعوات سابقة للتظاهر أطلقتها قوى ليبرالية ويسارية، يرى مراقبون أن الحشد المليوني الذي هيمن عليه الإسلاميون أمس، يكرس أزمة «المبادئ الدستورية» التي دفعت المصريين إلى العودة للميدان.

وقبل عشرة أيام من موعد الاستحقاق البرلماني، قال قيادي بحزب التجمع اليساري إن «مشهد التحرير اليوم (أمس) يعكس أكثر من أي وقت مضى حاجتنا الماسة لوثيقة السلمي (وهي وثيقة اقترحها نائب رئيس الوزراء المصري علي السلمي وتتضمن مبادئ حاكمة للدستور)».

وتخشى القوى الليبرالية واليسارية من هيمنة الإسلاميين على البرلمان الذي أنيط به اختيار الجمعية التأسيسية لكتابة دستور جديد للبلاد، وهو ما دفع الحكومة ومن خلفها المجلس العسكري (الحاكم في البلاد)، للبحث عن توافق بشأن مبادئ الدستور الأساسية. لكن القوى الإسلامية رفضت أن تكون هذه المبادئ ملزمة معتبرة أن صدورها في إعلان دستوري يعد التفافا على الإرادة الشعبية التي قررت عبر استفتاء مارس (آذار) الماضي أن يتولى البرلمان هذه المهمة.

وزاحمت رايات جماعة الإخوان المسلمين، والمصاحف التي رفعها السلفيون، العلم المصري في الميدان، وعلى الرغم من مشاركة قوى ليبرالية ويسارية ونشطاء حركة 6 أبريل في مظاهرات أمس كان واضحا تسيد الإسلاميين المشهد، وتعددت منصاتهم وإن بدوا أكثر حرصا على التنسيق فيما بينهم.

وتصدرت رموز الإسلاميين فعاليات أمس، وأعلن الدكتور محمد سليم العوا المرشح المحتمل للرئاسة، اعتصامه في الميدان حتى تحقيق المطالب التي تمثلت في إصدار المجلس العسكري جدولا زمنيا لتسليم السلطة لرئيس منتخب وسحب وثيقة السلمي، فيما هدد الدكتور صفوت حجازي الداعية الإسلامي، عضو مجلس أمناء الثورة، استعداد الثوار لـ«موقعة جمل» أخرى إذا لم يلتزم المجلس العسكري بتسليم السلطة في موعدها وإسقاط وثيقة السلمي.

وأعلن أنصار الشيخ حازم أبو إسماعيل، المرشح المحتمل للرئاسة، من أعلى المنصة الخاصة بهم، اعتصامهم في الميدان، وعدم مغادرتهم لحين إلغاء الوثيقة المثيرة للجدل، وإعلان أبريل المقبل موعدا لبدء فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، والإفراج الفوري عن النشطاء السياسيين المعتقلين في السجون، وعلى رأسهم المدون علاء عبد الفتاح، كما طالبوا بتدخل المسؤولين للإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن.

وقال مراقبون إن مظاهرة أمس شبيهة بجمعة دعت لها قوى إسلامية في نهاية يوليو (تموز) الماضي، وأطلق عليها تهكما «جمعة قندهار»، بينما قال آخرون إن هذه الجمعة أعادت روح الثورة للشارع المصري وأكدت أن المصريين متيقظون.

وعلى استحياء عادت المعارض الفنية في أول مليونية منذ شهور؛ حيث أقام عدد من ائتلافات الثورة عددا من المعارض الفنية تضامنا مع مطالب جمعة «المطلب الواحد» حيث عرض أحد فناني الثورة رسوما كاريكاتورية على جدران الجامعة الأميركية المواجهة للميدان. وخرجت مسيرات من المساجد الرئيسية في القاهرة. ومن ميدان مصطفى محمود بضاحية المهندسين أحد الأحياء الراقية بمصر، انطلقت مسيرة حاشدة عقب صلاة الجمعة، دعت إليها صفحة «كلنا خالد سعيد» على الموقع الاجتماعي «فيس بوك» وقادها الناشط المصري وائل غنيم، وشارك بها العديد من التيارات والقوى السياسية، وسط هتافات تطالب المجلس العسكري بتسليم السلطة للمدنيين. وقال إسلام لطفي عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة: «خرجنا بالمسيرة من مصطفى محمود لرمزيته منذ بداية الثورة»، مشيرا إلى أن القوى السياسية في مصر قررت النزول للتحرير تحت المطلب الواحد وهو تسليم السلطة في شهر أبريل (نيسان) من العام المقبل.

وأوضح لطفي الذي تم فصله من جماعة الإخوان المسلمين لمخالفته قرار الجماعة بعدم المشاركة في المظاهرات التي دعت لها قوى ليبرالية ويسارية، أن هناك حاله من استعراض القوة من قبل جماعة الإخوان المسلمين، وهذا ما تجسد في الهتاف ضد العلمانية والمطالبة بتحكيم شرع الله، وهذا ما لم يتم الاتفاق عليه خلال اجتماع القوى السياسية مع الإخوان، حيث كان الاتفاق التوحد على مطلب تسليم السلطة للمدنيين وليس استعراض القوة.

وعلى الجانب الآخر من الطريق الذي كانت المسيرة تقطعه، وقف عشرات من مؤيدي الرئيس السابق حسني مبارك، منادين ببقاء المجلس العسكري، وعدم تسليم السلطة إلى المدنيين، حيث علقت لافتات في الساحة المقابلة لمسجد مصطفى محمود كتب عليها «الشعب المصري يتعرض لمؤامرة»، و«مصر لا يصلح لها إلا رئيس عسكري».

وخرجت مسيرات أخرى من ميدان التحرير إلى مبنى التلفزيون الرسمي المصري الذي نال قسطا كبيرا من غضب المتظاهرين بعد أن أعلن أن 60 في المائة من المشاركين في المظاهرة لا يعلمون أهدافها. كما تعرض وزير الإعلام لانتقادات لاذعة. وعلق أمين إسكندر رئيس حزب الكرامة (الناصري) على مشهد التحرير أمس بقوله إن «ما يحدث على الساحة المصرية هو صراع نخب.. بدا انقسامها جليا، وهو ما يعني أننا في حاجة إلى التوافق حول مبادئ الدستور»، وتابع: «المشكلة الرئيسية أن أزمة الإسلاميين ليست على وثيقة السلمي، وإنما على كيفية اختيار الجمعية التأسيسية للدستور، فصراع الإسلاميين مع المجلس العسكري صراع على السلطة وليس شيئا آخر».

وفرض الواقع الإقليمي نفسه على ميدان التحرير، حيث اعتلت سيدة يمنية إحدى المنصات وخاطبت آلاف المصريين قائلة إن «الشعب اليمني يبلغكم تحياته ويشكركم على وقوفكم بجانبه ويطالبكم بمليونية بميدان التحرير يكون شعارها (ارحل يا صالح.. ارحل يا جبار.. ارحل يا بشار ارحل يا جزار)». وحمل متظاهرون سوريون ومصريون علم المعارضة السورية الذي امتد فوق هامات المتظاهرين لعشرات الأمتار.