«الاتحاد الدستوري» يطمح إلى العودة لمواقع القرار بعد «معارضة» طالت

محمد أبيض.. رجل إدارة تشغله التفاصيل

محمد أبيض
TT

عندما بادر الراحل المعطي بوعبيد في عام 1983 إلى عقد اجتماعات مع مجموعة من الكوادر البارزة، في أهم المدن المغربية، وكان الغرض من تلك الاجتماعات، إطلاق حزب الاتحاد الدستوري، وبوعبيد آنذاك في موقع القرار يتولى منصب «الوزير الأول»، أثارت تلك المبادرة امتعاضا وسط أحزاب المعارضة. إلى حد أن بعض المعارضين قالوا إن القصد من تأسيس «الاتحاد الدستوري» هو خلق خلط في أذهان الناس، لأن «اتحاد» من دون «دستوري» و«بوعبيد» من دون «المعطي»، تهدف إلى التغليط بين «الاتحاد الاشتراكي»، (حزب المعارضة القوي آنذاك) الذي يختصر اسمه في كثير من الأحيان ويقال «الاتحاد» وزعيمه آنذاك عبد الرحيم بوعبيد ويلقبه أنصاره بوعبيد.

وكانت أحزاب المعارضة تقول إن «الاتحاد الدستوري» يكرر تجربة «جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية» في الستينات، أو حزب التجمع الوطني للأحرار في السبعينات، وهما معا حزبا موالاة يقودهما رجال الأعمال والأعيان، لكن المعطي بوعبيد، وقد كان خطيبا له نبرة قوية ومتحدثا متمكنا، ظل يرد على ذلك بقولته الشهيرة «لم نأت لنضبط ساعتنا على ساعة المعارضة، وماذا يضير إذا كنا حزب موالاة، نحن ندافع عن النظام ولا يهمنا أن يقال إننا من الموالين». وعلى الرغم من ذلك لم تكن مخاوف المعارضة أن يجد الحزب الوليد دعما من السلطات الرسمية، والتي يطلق عليها في المغرب اختصارا «الإدارة» بعيدة عن الواقع، إذ إن «الاتحاد الدستوري» حصد في أول انتخابات يشارك فيها بعد تأسيسه على 83 مقعدا من أصل 306، وهي الانتخابات التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1984. بيد أن ذلك الزخم البرلماني بقى يتراجع مع تعاقب السنوات، إذ حصل الحزب في الانتخابات التي جرت في سبتمبر (أيلول) عام 1993 على 63 مقعدا من أصل 333، وفي انتخابات ديسمبر (كانون الأول) 1997، حصل الحزب على 50 مقعدا من أصل 325. وفي الانتخابات التي جرت في عامي 2002 و2007، تراجع الرقم إلى أقل من 20 نائبا.

عقب رحيل المعطي بوعبيد في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1996، انتخب عبد اللطيف السملالي، وكان من الأصدقاء القريبين جدا من بوعبيد، أمينا عاما للحزب في مايو (أيار) 1998، بعد تجربة فاشلة في اعتماد القيادة الجماعية. لكن السملالي الذي كان يعاني مشكلات صحية لم يستطع أن يعيد الحزب إلى موقعه المتقدم أو يتغلب على النكسات التي تعرض لها، وبعد وفاة السملالي في يناير (كانون الثاني) 2001، انتخب محمد أبيض أمينا عاما.

وجاء محمد أبيض إلى السياسة من العمل النقابي، فقد كان أحد العناصر القيادية في «الاتحاد المغربي للشغل»، (اتحاد عمالي) الذي أسسه وقاده السياسي الراحل الداهية المحجوب بن صديق. كان أبيض، هو العضو الدائم عندما يتعلق الأمر بالتفاوض بين «الاتحاد المغربي للشغل» والآخرين.

ظل محمد أبيض أيضا قريبا من المعطي بوعبيد، الذي ارتبط بوشائج قوية مع «الاتحاد المغربي للشغل»، لذلك اعتمد عليه بوعبيد في استقطاب عدد من الكوادر من الدار البيضاء، خاصة أن الرجل كان قد راكم إضافة إلى علاقاته النقابية المتشعبة، تجربة في مجال العمل في المجالس البلدية في المدينة التي تعد رئة المغرب التجارية.

إذ أصبح في عام 1976 نائبا لرئيس بلدية «مرس السلطان»، وفي عام 1983 أصبح رئيسا لبلدية «آنفا»، ثم بعد ذلك رئيسا لبلدية الدار البيضاء الكبرى. وهو موقع مهد له الطريق إضافة إلى علاقته الشخصية مع المعطي بوعبيد ليدخل «نادي الوزراء» عام 1985، وزيرا للصناعة التقليدية والشؤون الاجتماعية، وبقى يشغل ذلك المنصب حتى عام 1992.

عمل محمد أبيض بعد توليه قيادة الاتحاد الدستوري في اتجاهين، الأول أن ينقل الحزب فعلا إلى خانة الحزب «الليبرالي»، ذلك أن «الاتحاد الدستوري» اعتمد فلسفة تقول «تثبيت مجموعة من المفاهيم التي أصبحت متداولة على نطاق واسع من قبيل الديمقراطية الفعلية والشفافية التامة والمنافسة الحرة والنزيهة، والحرية المسؤولة والجهوية المتوازنة، وكل ذلك في إطار ليبرالية اجتماعية واقتصاد حر وتكافل اجتماعي متجذر». أما الاتجاه الثاني الذي عمل عليه محمد أبيض فهو أن تكون للحزب علاقات خارجية متينة مع دوائر ذات وزن دولي، وينعكس ذلك على سمعة الحزب داخليا، وفي هذا الإطار أصبح «الاتحاد الدستوري» عضوا نشطا في «الليبرالية الأممية» وكذلك في شبكة «الليبراليين العرب» و«الشبكة الليبرالية الأفريقية».

ويحسب لهذا المهندس الذي احترف السياسي، أنه قاوم محاولة حزب الأصالة والمعاصرة» الذي تأسس عام 2008، وأراد أن يصبح حزب الأغلبية في المغرب، في التهام حزب الاتحاد الدستوري.

محمد أبيض من السياسيين المتمهلين، السياسة عنده هي التفاوض، لذلك يتوقف بعد كل منعطف، ليتفاوض ويأخذ كل شيء لكن بالتقسيط. في بعض الأحيان يصعب فهمه. متحفظ جدا. وفي كثير من الأحيان يبدو حذرا ومنطويا. رجل إدارة تشغله التفاصيل. في بعض المرات تخونه القدرة على استشفاف المستقبل. يرفع محمد أبيض شعارا لحملته الانتخابية يقول «اختيارات سياسية من أجل مغرب للجميع» رغبته الحقيقية أن يعود الحزب إلى مواقع الحكومة بعد أن ظل في المعارضة منذ عام 1998، وهو يعرف أن هذه العودة لا تمكن إلا عبر فوز تحالف ثمانية أحزاب الذي يطلق عليه «تحالف من أجل الديمقراطية». وهو تحالف شبيه بـ«قوس قزح» لأن لكل حزب داخل هذا التحالف، مرجعيات تختلف عن الآخر، وهناك الكثير من التباينات في «ظروف النشأة». يقول محمد أبيض «من الصعب على أي حزب الدخول في غمار الاستحقاقات، ويقول إنه يهدف إلى المشاركة فقط، أو للحصول على المراتب الأخيرة». ويدرك أبيض (70 سنة) أنه ربما يخوض غمار آخر تجربة من موقع القيادة، لذلك رمى كل الأوراق على الطاولة.