مواطنو كركوك وساستها يخشون تداعيات الانسحاب الأميركي

العناصر المتناحرة قد تستغل الانسحاب لتحقيق أهدافها

TT

في مدينة كركوك الغنية بالنفط بشمال العراق والتي يعيش بها خليط من الأكراد والعرب والتركمان يخشى ساسة ومواطنون من احتمال تفجر صراع عرقي حين تنسحب القوات الأميركية. ومع رحيل القوات الأميركية عن العراق بحلول 31 ديسمبر (كانون الأول) تضطلع القوات العراقية والكردية بحفظ الأمن في المنطقة التي تتنازع عليها حكومة العراق المركزية وحكومة كردستان العراق شبه المستقلة في شمال البلاد.

وقال إبراهيم محمد وهو موظف حكومي كردي «لا نثق في قدرة القوات العراقية على حفظ الأمن والنظام بعد انسحاب القوات الأميركية... ستتدهور الأوضاع الأمنية بنفس سرعة الانسحاب». وأضاف: «أتعشم ألا يحدث هذا وأن تبقى القوات الأميركية في كركوك. هذه أمنيتي للعام الجديد».

وحسب تقرير لوكالة رويترز، كان أبناء كركوك من بين أكثر العراقيين الذين طالبوا ببقاء القوات الأميركية بعد حلول الموعد النهائي لرحيلها بنهاية العام والمنصوص عليه في اتفاق أمني ثنائي وقع عام 2008. وحتى من يؤيدون الانسحاب الأميركي تأييدا كاملا يخشون من المشاكل المحتملة في كركوك التي تضم أراضيها احتياطيات نفطية من الأكبر في العالم. ويأتي ربع صادرات العراق من النفط تقريبا من حقول كركوك. وفي الشهر الماضي شحنت المنطقة في المتوسط 460 ألف برميل في اليوم أي 22% من مجمل صادرات العراق. ومنذ فترة طويلة اعتبر مسؤولون عسكريون أميركيون المنطقة مكانا محتملا لنشوب صراع في المستقبل.

وقال مناف عبد الله وهو عربي يملك مطعما «ما الذي استفدناه من ديمقراطية أميركا.. العنف والانقسامات الطائفية... كركوك منطقة قابلة للاضطراب وعرضة للانفجار بسبب المشاكل... بشأن السيطرة على ثروتها».

وتزعم كل من الحكومة العراقية المركزية في بغداد وحكومة كردستان الإقليمية في أربيل بأحقيتها في كركوك. وتأجل مرارا تعداد للسكان يحدد ما إذا كانت أغلبية سكان المدينة من الأكراد أم العرب وهو ما كان سيعزز زعم أحد الطرفين. ويتهم العرب والتركمان الأكراد بأنهم يغرقون المدينة بأقاربهم. ويقول الأكراد إن الرئيس السابق صدام حسين «عرّب» كركوك من خلال تشجيع السكان العرب على الانتقال إليها في الثمانينات والتسعينات.

وبينما يقول كردستان العراق إن لها حقوقا تاريخية في المدينة فإن كركوك تقع رسميا خارج المحافظات الشمالية الثلاث التي تتكون منها المنطقة. وتتولى قوات الأمن العراقية وليس قوات البيشمركة الكردية مسؤولية حمايتها.

وخلال زيارة قام بها مسعود بارزاني رئيس المنطقة الكردية لكركوك في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وعد ساسة محليين ومقيمين بأن تتمتع المدينة بالحماية الملائمة حين تنسحب القوات الأميركية. وقال: «لن نسمح للإرهابيين بالاعتقاد بأن كركوك باتت حقلا مفتوحا».

وتتوقف مسألة ما إذا كانت كركوك تمثل قنبلة موقوتة على من تطرح عليه السؤال. فالعميد سمير عبد الكريم القائد بالجيش العراقي قال: إنه لا يعتقد أن الأمن سينتكس برحيل الأميركيين عن المدينة، مضيفا أن القوات العراقية تعاملت مع المدينة على مدى الأشهر الأربعة الماضية دون أي مشاكل.

لكن مسؤولين أمنيين آخرين كانوا أقل تفاؤلا. وقال العميد هالو نجاة وهو قائد بقوات البيشمركة الكردية «لا أستطيع أن أقول: إننا قادرون على السيطرة على الأمن في كركوك بالكامل بعد الانسحاب.. النجاح في الحفاظ على استقرار كركوك سيتوقف على التعاون بين قوات الأمن في المدينة». وتساعد قوة تجريبية من قوات البيشمركة الكردية وقوات الجيش والشرطة العراقية في القيام بدوريات في كركوك في إطار جهود تقودها الولايات المتحدة حتى يتعاون الطرفان.

وقال إبراهيم كريم (45 عاما) وهو موظف حكومي عربي «أقول بكل خوف على المستقبل إننا لا نريد أن تنسحب القوات الأميركية من العراق على الأقل في هذا التوقيت. لا نريد أن تنزلق بلادنا مجددا نحو صراع طائفي». وأضاف: «أرى أننا نتجه إلى وضع كارثي. هذه حقيقة صريحة، القوات العراقية فشلت في وقف العنف والقتل والاختطاف».

وقال أحمد العسكري عضو مجلس محافظة كركوك إن العقلانية تقتضي أن تمكث القوات الأميركية لفترة أطول لتدريب القوات العراقية، مضيفا أنه يتوقع حدوث مشاكل في التعامل مع الأمن مستقبلا بالنظر إلى الأداء الحالي للقوات في كركوك.

ويرى آخرون أن تواجد القوات الأميركية لفترة طويلة بالمنطقة لم يحقق اختلافا يذكر ويعتقدون أن التوترات في كركوك لا تتعلق بالمقيمين أو قوات الأمن بقدر ما تتعلق بمعارك سياسية بشأن السيطرة على المدينة المتنازع عليها وثرواتها التي لم تستغل بعد. وقال أحمد حسن وهو تركماني يملك متجرا لقطع غيار السيارات «نشهد يوميا انفجارات واغتيالات وعمليات خطف... كل هذا يحدث في وجود القوات الأميركية والعراقية». وأضاف: «نريد أن تتخذ الحكومة العراقية إجراءات حقيقية للحفاظ على الأمن. هذه القضية لا علاقة لها بوجود أو انسحاب القوات الأميركية. أعتقد أن الاستقرار العراقي يتوقف على التعاون بين الأحزاب السياسية».

يُذكر أن عملية تسليم مطار من القوات الأميركية إلى السلطات العراقية في كركوك، الخميس، تحولت إلى مادة لاشتباك سياسي بين العرب والأكراد، في إنذار مبكر بوضع محفوف بالمخاطر ينتظر هذه المدينة. وبغياب أميركي تام عن الحفل، تسلم الجيش العراقي من القوات الأميركية، الخميس، مطار «الحرية»، الذي يقع داخل مدينة كركوك التي تناط المسؤولية الأمنية فيها إلى الشرطة العراقية المدعومة من الأحزاب الكردية، في حين أن الجيش ينتشر عند أطرافها. غير أن الاتفاقية الأمنية بين القوات الأميركية والحكومة العراقية تنص على أن تسلم القواعد الحيوية إلى الجيش العراقي، وليس إلى الشرطة كما يطالب الأكراد في كركوك. وفور تسلم الجيش العراقي للقاعدة، سارع الأكراد إلى الاعتراض على هذه الخطوة، مؤكدين أن مجلس المحافظة صوَّت، في بداية الأسبوع، على جعل مطار «الحرية» مطارا مدنيا بعد الانسحاب الأميركي، مما يعني أن على الشرطة الإشراف عليه، وليس الجيش. وعقد محافظ كركوك، نجم الدين عمر كريم، اجتماعا مع رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، تناول هذه القضية. وقال كريم لوكالة الصحافة الفرنسية: «طلبنا من مجلس المحافظة التصويت على تحويل المطار العسكري إلى مدني وحصل ذلك بالإجماع؛ لذلك دعوناه (المالكي) إلى تطبيق هذا الأمر، ولم يكن هناك أي تردد من جانبه وأبدى استعداده لتقبل المقترح وتحقيقه بالمستقبل».