مواجهة أميركية ـ صينية خلال قمة «آسيان»

أوباما يوفد كلينتون إلى ميانمار ويتحدث عن «مؤشرات تقدم» في البلد

أوباما والرئيس الإندونيسي يودهويونو (الثاني يمينا) وزوجته كريستاني هراواتي قبيل حفل عشاء بجزيرة بالي الليلة قبل الماضية (أ.ب)
TT

أشاد الرئيس الأميركي باراك أوباما، أمس، بقمة جنوب شرقي آسيا، باعتبارها المنتدى الرئيسي للتعامل مع النزاع البحري المستمر مع الصين، مما يؤذن بمواجهة مع بكين. وأعلن أوباما، من جهة أخرى، أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ستتوجه الشهر المقبل إلى ميانمار، مشيرا إلى أنه يلمس «مؤشرات تقدم» في هذا البلد.

وقال أوباما، خلال التجمع الذي ينعقد هذا العام في جزيرة بالي الإندونيسية: «يمكن أن يمثل المنتدى الرئيسي بالنسبة لنا أهمية للعمل معا على صعيد قضايا عدة، منها: الأمن البحري وحظر الانتشار». بدورها، أعلنت الحكومة الصينية، بغضب، أن النزاع المتعلق ببحر الصين الجنوبي غير مطروح للنقاش خلال المحادثات المقررة اليوم السبت، التي يحضرها أوباما ورئيس الوزراء الصيني وين جياباو، فضلا عن 16 زعيما آخرين لبلدان بينها عدة دول تتنازع السيادة في مياه وجزر البحر إلى جانب بكين.

كان أوباما قد أثار غضب الصين أيضا بسعيه إلى تعزيز الدور الأميركي كقوة إقليمية مع الإعلان عن تمركز قوات مارينز في شمال أستراليا ودفعه باتجاه معاهدة تجارية تجمع بلدان منطقة المحيط الهادي، من شأنها أن تغير قواعد اللعبة في المنطقة.

وتنظر بكين إلى تلك المبادرات باعتبارها تدخلا في نطاق نفوذها، بينما تظهر بوضوح الخلافات بين مواقف القوتين الدوليتين على خلفية النزاع حول بحر الصين الجنوبي.

وقد حذر وين، أمس، مجددا، من التدخل من جانب «قوى خارجية» في النزاع. وتعتبر الصين المنطقة الاستراتيجية بأسرها حقا لها، وكذلك تعتبرها تايوان، بينما تتنازع 4 دول أخرى في جنوب شرقي آسيا الأحقية في أجزاء من مياه وجزر البحر، بينها فيتنام والفلبين اللتان تتهمان القوات الصينية بعدائية متزايدة في المنطقة.

وترجع أهمية تلك المنطقة إلى أنها تضم مسارات ملاحية تسلكها أكثر من ثلث حركة التجارة البحرية في العالم، ونحو نصف حركة نقل النفط والغاز عالميا، فضلا عن الاعتقاد بوجود احتياطات نفطية ضخمة في قاع البحر.

وخلال لقاء منفصل مع الرئيس الفلبيني بنينيو أكوينو، صرح أوباما بأن الولايات المتحدة والفلبين «تتطلعان كل إلى الأخرى حينما يتعلق الأمر بالأمن». يُذكر أن البلدين تربطهما معاهدة تحالف منذ 60 عاما.

وتحدث الدبلوماسيون في بالي هذا الأسبوع عن التحديات التي تواجه البلدان الأعضاء في رابطة «آسيان»، الذين عقدوا قمتهم أمس؛ حيث تطرقوا إلى الصعوبات التي تواجه عملية موازنة العلاقات بين بكين وواشنطن.

وتعتبر الصين الشريك التجاري الأضخم لبلدان «آسيان»، وتفضل التفاوض مع جيرانها الأضعف في المنطقة، كل على حدة، بدلا من الدخول في مفاوضات مشتركة. وخلال اجتماع مع زعماء جنوب شرقي آسيا، أمس، قبل قمة شرق آسيا الأشمل، تحدى وين موقف أوباما حول مباحثات القمة، بينما قال: إن الصين ليس لديها سوى نوايا سلمية نحو جيرانها. وأوضح وين أن «النزاع حول بحر الصين الجنوبي هو مسألة قائمة منذ سنوات، ويتعين حلها بين البلدان المعنية ذات السيادة عبر المشاورات الودية والمباحثات المباشرة. لا يتعين على القوى الخارجية التذرع بأي ذريعة للتدخل.. الصين لن تسعى أبدا إلى الهيمنة، ونحن ضد أي مسلك ينطوي على هيمنة».

وحول ملف آخر، أعلن أوباما أن وزيرة الخارجية كلينتون ستتوجه إلى ميانمار الشهر المقبل في أول زيارة منذ نصف قرن لوزير خارجية أميركي إلى هذا البلد، موضحا أنه يلمس «مؤشرات تقدم» فيه. ويأتي الإعلان عن الزيارة التاريخية التي ستبدأ في 1 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، في وقت أعلنت فيه زعيمة المعارضة في ميانمار، أونغ سان سو تشي، أنها ستعود إلى الساحة السياسية بعد سنوات من التهميش في ظل الحكم العسكري. وقال أوباما إنه اتخذ هذا القرار بعدما أجرى اتصالا هاتفيا، الخميس، من على متن طائرته الرئاسية مع أونغ سان سو تشي، بحث معها خلاله مسيرة الانفتاح التي بدأها المجلس العسكري الحاكم سابقا في ميانمار. وأثارت الحكومة المدنية الجديدة، التي لا يزال العسكريون يسيطرون عليها، مفاجأة المراقبين عندما أجرت مفاوضات مباشرة مع سو تشي وأطلقت سراح 200 معارض وأوقفت الأعمال في سد ضخم مثير للجدل. وقال أوباما للصحافيين، على هامش زيارته إلى بالي: «الليلة الماضية تكلمت مباشرة مع أونغ سان سو تشي وحصلت على تأكيد أنها تدعم التزاما أميركيا من أجل دفع العملية قدما». وتابع: «بعد سنوات قاتمة، نشهد خلال الأسابيع الأخيرة مؤشرات تقدم» في الإصلاحات الجارية في ميانمار. وقال إن زيارة كلينتون ستهدف إلى «تقصي إمكانية أن تقوم الولايات المتحدة بمساندة عملية انتقالية إيجابية في ميانمار»، في وقت لا تزال فيه واشنطن تفرض عقوبات على النظام في ميانمار. وقال مسؤولون أميركيون إن زيارة كلينتون، التي ستستمر يومين، ستشمل العاصمة نايبيداو، ورانغون، كبرى المدن.

ويعتبر تصريح أوباما التحرك الأكثر دلالة في السياسة الأميركية إزاء ميانمار منذ سنوات، وذلك بعد عقود من اللجوء إلى عقوبات لعزل هذه الأخيرة حول قضايا انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل قادة عسكريين، كما أن اهتمام الولايات المتحدة في ميانمار هو وسيلة أخرى تكرس فيها واشنطن دورها كقوة سلام في مواجهة تصاعد قوة الصين على الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري.. إلا أن الصين، التي استقبلت بفتور المبادرة الأميركية بنشر جنود من بحريتها في شمال أستراليا، يمكن أن تبدي قلقا من تحرك هذه الأخيرة إزاء ميانمار، حليفتها وجارتها الغنية بالموارد الطبيعية. وأشار أوباما إلى «إجراءات مهمة» اتخذها رئيس ميانمار ثين سين الذي سيلتقيه أوباما اليوم السبت في إطار قمة شرق آسيا التي تنضم إليها الولايات المتحدة هذه السنة لأول مرة رسميا، لكنه حذر من أنه «ما زال ينبغي بالطبع القيام بالكثير. نبقى قلقين بشأن النظام السياسي المغلق في ميانمار ومعاملة الأقليات واحتجاز معتقلين سياسيين والعلاقات مع كوريا الشمالية».

وتابع: «لكننا نريد اغتنام ما قد يكون فرصة تاريخية لإحراز تقدم من خلال التأكيد بوضوح أنه إذا استمرت ميانمار على طريق الديمقراطية فسيكون في وسعها إقامة علاقة جديدة مع الولايات المتحدة».

وفي إشارة تقدير لجهود ميانمار الإصلاحية، حصل هذا البلد على تأييد دول جنوب شرقي آسيا لتوليه رئاسة المنتدى في عام 2014 على الرغم من اعتراض مجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان اعتبرت أن الأمر سابق لأوانه وأنه يمكن أن يلغي الدوافع لإجراء المزيد من الإصلاحات الأساسية.