كلينتون في تايلاند: ابتسامات تخفي وراءها مخاوف

زيارة دبلوماسية مربكة.. والسلطات «انتقت بحذر» ضحايا للفيضانات للقاء الوزيرة

كلينتون تحيي ضريرا من ضحايا الفيضانات في مركز إيواء ببانكوك الخميس (رويترز)
TT

استعدادا لزيارة وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، أتوا بشاحنة محملة بإصيصات زرع وأزهار البوغنيفيلة وأزالوا الملابس المعدة للغسيل المعلقة في قاعة الجمانيزيوم وأعادوا ترتيب الحصائر التي كان ينام فوقها ضحايا الفيضانات. ما زالت تايلاند ترزح تحت وطأة «فيضان 2011 العظيم»، لكن المسؤولين الحكوميين ظلوا متمسكين بحس الضيافة المتأصل لديهم الذي اعتادوا إظهاره عند قدوم ضيف مهم. وتم تعليق لافتة ضخمة على واجهة مركز الإيواء الخاص بضحايا الفيضانات للترحيب بكلينتون. لم يكن ما شاهدته كلينتون يوم الخميس نموذجا لقرية بوتمكين على الإطلاق؛ فعندما دخلت مجمعا رياضيا مكيفا يُستخدم الآن كمركز إيواء، كان ضحايا الفيضانات يجلسون على حصائر ناموا فوقها كل ليلة على مدار عدة أسابيع. لكن في بلد يميز أهله الاحترام الفطري والابتسامات التلقائية في وجوه الزوار الغرباء، منع منظمو زيارة كلينتون إياها من المواجهة المباشرة مع حالة الإحباط والضغط النفسي التي يشعر بها عشرات الآلاف من ضحايا الفيضانات في البلاد.

اختار فريق من مسؤولين حكوميين بتايلاند عددا من ضحايا الفيضانات المهذبين الذين يتمتعون بالفصاحة لمقابلة كلينتون، على حد قول سومبوت براتيبكايو، وهو متطوع يبلغ من العمر 35 عاما يساعد في إدارة مركز الإيواء، الذي يؤوي الآن 1400 شخص. «انتقوا الأشخاص البشوشين»، هكذا تحدث سومبوت، الذي طلب منه مسؤولون اقتراح بعض ضحايا الفيضانات الذين يلبون معايير معينة. وأضاف: «يجب أن تكون أسرة تتألف من أطفال ومسنين – ومن يمكنهم التحدث بطلاقة - يجب أن يكونوا أشخاصا ترتسم على وجوههم ابتسامات، تفهموا الموقف وكانوا قادرين على تقبله. بصراحة، أرادوا فقط أن ينظر الناس حول العالم إلى تايلاند بصورة مختلفة».

أمضت كلينتون نحو 10 دقائق، يوم الخميس، في تهدئة وتبادل الحديث مع الأسر التي وقع الاختيار عليها، وكان من بين أفرادها سوبابورن تشايوان، وهي امرأة عمرها 50 عاما، كانت قبل الفيضانات تدير محلا يوفر خدمات التدليك التايلاندية التقليدية.

«نحن سعداء أنها اهتمت بنا وأتت لزيارتنا»، هكذا تحدثت سوبابورن بعد برهة من رحيل كلينتون وتجميع أزهار البوغنيفيلة في شاحنة صغيرة. وذكرت سوبابورن أنه قد تم الحرص على ترتيب مركز الإيواء قبل زيارة كلينتون. وقالت: «أعدنا ترتيب المكان بحيث يمكنها التجول فيه بشكل مريح».

أعطى اللاجئون من ضحايا الفيضانات انطباعات مختلفة يوم الخميس عن الحياة في مركز الإيواء، الذي كان بالأساس مركز تدريب لفريق كرة السلة الوطني وفريق التايكوندو. وأعرب البعض، على غرار سوبابورن، عن سعادتهم بالعيش في هذا المكان. أما آخرون، فلم يستطيعوا كبح جماح غضبهم. فقد شكت عجوز في سن السبعين، اشترطت عدم ذكر اسمها، من أن مستوى الغذاء سيئ ومن عدم وجود خصوصية. وقالت: «لا أحد يرغب في العيش هنا». يذكر أنها قد تركت منزلها حينما ارتفعت المياه لتصل إلى وسطها. وقالت: «يبدو الأمر وكأننا هربنا من نمر لنقع فريسة لتمساح». ومع تحول الأيام إلى أسابيع داخل المجمع الرياضي، أصيب بعض اللاجئين بانهيار عصبي، على حد قول بيتشيت بوترتو، وهو متطوع يعمل بالطابق الثالث. وقال بيتشيت: «البعض بدأوا يتحدثون لأنفسهم. والبعض يضحك من دون أي سبب، ثم يبدأ في البكاء على الفور. كل أشيائهم ضاعت مع الفيضانات». وقال بيسيت كوانيامتاوات، وهو متطوع آخر في المجمع: إن امرأة أخرى أصيبت بأزمة نفسية وبدأت في قذف قشر الموز. وأوضح: «بدأت في توجيه إهانات وكيل شتائم. كانت تصب لعنات على زوجها وأبنائها، على الرغم من أنها هنا وحدها».

وفي بداية هذا الشهر، أعلن وزير الصحة التايلاندي أن الحكومة قد أرسلت أطباء نفسيين لمعالجة ضحايا الفيضان. وذكر أنه تم تشخيص حالة 114388 على أنهم يعانون أزمات نفسية بسبب الفيضان، من بينهم 6091 مصابا باكتئاب حاد، و1137 يفكرون في الانتحار. وفي واحد، على الأقل، من مراكز إيواء ضحايا الفيضانات، وصف الأطباء أدوية مضادة للقلق بعد ورود شكاوى على نطاق واسع من حالات التوتر العصبي واضطرابات النوم.

يعتبر حدوث الفيضانات أمرا شائعا أثناء موسم الرياح الموسمية في تايلاند، غير أن الأمطار هذا العام كانت غزيرة على نحو غير معتاد ومركزة في فترة زمنية قصيرة. وكانت مياه الفيضانات هذه المرة أكثر عمقا وغطت مساحة أكبر بكثير من الدولة عن أي وقت مضى في تاريخ تايلاند.

وقد أثرت الفيضانات على ما يقرب من مليوني أسرة في تايلاند، وأودت بحياة 567 شخصا، بحسب وزارة الوقاية من الكوارث وتخفيف حدتها. وما زال الكثير من الأجزاء الواقعة شمال بانكوك وغربها غارقا في المياه، ولن يجف بشكل كامل قبل أسبوعين على الأقل، بحسب تقديرات حكومية. وقبل رحلتها إلى مركز الإيواء، أخبرت كلينتون أعضاء فريق العمل بالسفارة أنه يخالجها شعور بالتردد إزاء زيارة دولة تمر بأزمة، وأنها تخشى من أن يؤدي استعدادها للذهاب إلى هناك إلى تعطيل مهام أخرى أكثر أهمية.

وفي يوم الخميس، تم، بشكل مؤقت، إخلاء بعض الطرق المزدحمة لمرور موكب كلينتون ومئات من ضباط الشرطة الذين تم نشرهم لحراسة المجمع الرياضي. وقالت كلينتون، التي كانت في طريقها لحضور اجتماع لقادة دول منطقة آسيا – المحيط الهادي، إنها اتخذت قرارها بزيارة تايلاند لتوصيل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة تقف إلى جوار إحدى أفضل الدول الصديقة لها في آسيا، وعلى ثقة من أن تايلاند ستتعافى من أزمتها وستعود لوضعها الطبيعي. وقالت كلينتون لطاقم العمل بالسفارة الأميركية، الخميس: «قدرة الشعب التايلاندي على التغلب على المشكلات بسرعة، وتفاؤله، سيكفلان له تحقيق النجاح المنشود في تجاوز الأزمة في النهاية». ويوم الأربعاء، أعلنت كلينتون عن منح حزمة إنقاذ قيمتها 10 ملايين دولار لدعم تايلاند في التعافي من كارثة الفيضانات والنهوض بأعمال إعادة الإعمار. وأعرب ويرات تشومسووان، 63 عاما، الذي ترك منزله الذي غمرته الفيضانات قبل 6 أسابيع وتحدث إلى كلينتون في المجمع الرياضي يوم الخميس، عن امتنانه لزيارتها. وقال: «طلبت منا أن نتحلى بالقوة.. إنني سعيد بأنها أتت لمد يد العون إلينا».

* شارك في إعداد التقرير بويبيتي أماتاثام

* خدمة «نيويورك تايمز»