ليبيا: قيادات الثوار تهدد بإسقاط الحكومة قبل أن تبدأ عملها

رئيس الحكومة الانتقالية لـ «الشرق الأوسط»: الحكومة ستضم 24 وزيرا.. وتعلن الأحد أو الاثنين.. وللثوار دور مهم ورئيسي فيها

TT

بينما يتصاعد الجدل السياسي حول الدور المستقبلي للثوار الليبيين في تسيير شؤون البلاد بعد انتهاء حقبة حكم العقيد الراحل معمر القذافي، أبلغ عبد الرحيم الكيب، رئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا، «الشرق الأوسط»، أمس، بأنه يعكف حاليا على وضع اللمسات الأخيرة على تشكيلة حكومته، الأولى من نوعها منذ سقوط القذافي، مشيرا إلى أن الحكومة سيتم الإعلان عنها خلال يوم الأحد أو الاثنين.

وقال الكيب لـ«الشرق الأوسط» في تصريحات خاصة عبر الهاتف من مدينة بنغازي، حيث معقل الثوار والمقر السابق للمجلس الوطني، إن حكومته ستتكون من 24 حقيبة وزارية، معتبرا أنه من الطبيعي أن يوجد الثوار فيها بالنظر إلى الدور الذي قاموا به في السابق لإنجاح الثورة الشعبية ضد القذافي منذ السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي.

وعلى الرغم من انهماكه في سلسلة من اجتماعات لا تكاد تنتهي، بينما الشارع الليبي يترقب التشكيلة النهائية لحكومته، قال الكيب الذي خرج من اجتماع محلي للرد على استفسارات «الشرق الأوسط»، إنه متفائل بمستقبل حكومته والطريقة التي سيتعامل بها الرأي العام المحلي معها عندما تبدأ عملها في القريب العاجل.

ووفقا لخارطة طريق المجلس الوطني، يتعين تشكيل هذه الحكومة الانتقالية في موعد أقصاه شهر واحد من تاريخ إعلان تحرير البلاد رسميا في الثالث والعشرين من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي بعد 3 أيام من مقتل القذافي في مسقط رأسه بمدينة سرت الساحلية.

وأوضح الكيب لـ«الشرق الأوسط» أنه سيقدم القائمة الرسمية لحكومته إلى المجلس الوطني الانتقالي الذي سينعقد في وقت لاحق برئاسة المستشار مصطفى عبد المجيد لاعتماد التشكيلة لنهائية للحكومة.

وأضاف: «هذه حكومة كل الليبيين، لن ننتصر أو ننحاز لطرف على حساب الطرف الآخر، سنحرص على أن يتم تمثيل الجميع، ومعيارنا كما قلنا في السابق هو الكفاءة والوطنية والنزاهة».

وبدا الكيب مطمئنا وهو يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنه لا توجد مشكلة في مسألة وجود الثوار داخل حكومته، في ما بدا أنه بمثابة رد غير مباشر على الانتقادات التي يشنها بعض قادة الثوار أو التهديدات المبطنة بالعمل على إسقاط الحكومة قبل أن تبدأ عملها، إذا لم يتم منح حقائب وزارية لهم. وتابع: «ستعلن الحكومة، بإذن الله، يوم الأحد أو الاثنين».

وسئل هل سيتم إعلان الحكومة من العاصمة الليبية، طرابلس، أم من مدينة بنغازي؟ فقال الكيب لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هناك فرق.. فليبيا كلها واحد، والمجلس الوطني هو من سيقرر مكان الإعلان، ولا توجد مشكلة على الإطلاق في هذا الشأن».

وحول الطريقة التي سيتم بها تمرير حكومته قال الكيب لـ«الشرق الأوسط»: «سنقدم القائمة، ثم إذا كان لديهم (أعضاء المجلس) أي استفسارات أو أسئلة فسنرد عليها ونوضح لهم كل الأمور، هذه مسألة اعتماد عادية كما يحدث في معظم دول العالم».

ويتعين على حكومة الكيب أن تحظى بثقة المجلس الانتقالي قبل إعلانها، بينما يقول مسؤولون في المجلس لـ«الشرق الأوسط» إنه لا توجد أي مشكلة في هذا الصدد، وإن الحكومة ستنال الثقة المطلوبة بالنظر إلى أنها ستضم بعض أعضاء المجلس، بالإضافة إلى آخرين من القيادات العسكرية والأمنية الفاعلة للثوار.

وشدد الكيب على أن للثوار دورا مهما في الحكومة بشكل طبيعي، وقال: «بالإضافة إلى دورهم في الثورة فهم يمثلون جزءا أساسيا من المجتمع الليبي، وهذه أمور بديهية وطبيعية ولا تحتاج إلى تساؤلات أو خلافات».

ويقول الكيب إن شاغله الأول في تشكيل الحكومة هو أن تضم خبراء أكفاء لإدارة البلاد الغنية بالنفط وتنظيم الانتخابات بحلول شهر يونيو (حزيران) المقبل لاختيار مجلس دستوري.

وكان الكيب قد أكد، أول من أمس، في لقاء للصلح بين مدينتي الزاوية وسهل جفارة، على خلفية الأحداث الدامية التي وقعت بينهما، أن المصالحة ستشمل كل الليبيين، وأنه سيفعّل القضاء وقانون العدالة الانتقالية، مشيرا إلى أن حكومته ستتألف من تكنوقراط.

وأنهى الكيب عملية تقييم لغالبية المرشحين للانضمام إلى حكومته بعدما اطلع على السيرة الذاتية لكل مرشح وزاري محتمل في عملية مرهقة استغرقت عدة أيام لاختيار العناصر الأكثر كفاءة للانضمام إلى أول حكومة انتقالية في تاريخ ليبيا بعد مرحلة القذافي.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن الحكومة الجديدة ستكون بمثابة حكومة وحدة وطنية تضم وزراء من مختلف الاتجاهات السياسية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين وثوار عسكريين وأساتذة جامعات، بالإضافة إلى حقيبتين، على الأقل، للمرأة.

ووقع اختيار أعضاء المجلس الوطني الانتقالي في اجتماع عقدوه في مدينة بنغازي نهاية الشهر الماضي، على الكيب، وهو أستاذ جامعي من أبناء طرابلس ومتخصص في الهندسة الكهربائية ولديه خلفية أكاديمية ومهنية تؤهله للنجاح، لتشكيل الحكومة الانتقالية.

وتواجه حكومة الكيب تحديات خطيرة أهمها إقناع الثوار المسلحين والمنتشرين في مختلف أرجاء البلاد بإلقاء السلاح والانخراط في المؤسسات العسكرية والأمنية التابعة للمجلس الانتقالي.

وكعلامة على احتمال وقوع صدام بين الثوار والحكومة، رفضت قيادات من الثوار تعيين العقيد خليفة حفتر رئيسا جديدا لهيئة أركان الجيش الليبي خلفا لسلفه المستقيل اللواء سليمان العبيدي.

ورفض متمردون سابقون مساء أول من أمس، الخميس، قيام ضباط في الجيش الليبي السابق بتعيين رئيس جديد لأركان «الجيش الوطني» المزمع تشكيله، مطالبين بعدم تهميشهم في الحكومة المقبلة.

ودعا ممثلو العديد من المجموعات المسلحة الذين اجتمعوا في ما سمي «اتحاد الثوار» إلى إرجاء تعيين رئيس للأركان حتى تأليف حكومة جديدة يتوقع إعلانها الأحد.

وكان نحو 150 ضابطا وضابط صف في الجيش الليبي السابق التحقوا بالثوار، اجتمعوا في وقت سابق في مدينة البيضاء، على بعد 200 كيلومتر من بنغازي بشرق ليبيا، ووافقوا بالإجماع على تعيين خليفة حفتر رئيسا للأركان، معلنين «إعادة إحياء» الجيش الذي لا يزال ينتظر إعادة تشكيله رسميا.

وحفتر من خريجي الأكاديمية العسكرية في بنغازي وتلقى تدريبا في الاتحاد السوفياتي السابق، وكان قد انشق عن الجيش إثر النزاع بين تشاد وليبيا، ثم سافر إلى الولايات المتحدة حيث يقيم منذ التسعينات.

وتقدم رئيس الأركان العامة للجيش الوطني الليبي، اللواء سليمان محمود العبيدي، باستقالته من منصبه إلى المجلس الوطني الانتقالي بسبب خلافاته مع وزارة الدفاع التي اعتبر أنها تدعم وتقوي كتائب الثوار على حساب الجيش الوطني.

لكن عبد الله ناكر، رئيس مجلس ثوار طرابلس، حذر في المقابل من أن رجاله قد يطيحون بالحكومة القادمة إذا لم تلب مطالب بتمثيلهم.

وقال ناكر، متحدثا من قاعدة في مقر شركة إنشاءات مملوكة للدولة في حين استعد بعض من آلاف الرجال المسلحين، الذين يقول إنهم تحت تصرفه، للقيام بدوريات أمنية ليلية في المدينة: «نحن لا نزال هنا على الأرض والقرار النهائي سيكون قرارنا».

وطالب ناكر الكيب بتعيين وزراء يمثلون الثوار الشبان الذين أطاحوا بالقذافي، وقال إن رجاله سيحتجون في شتى أنحاء البلاد سلميا «في بادئ الأمر»، إذا لم يعجبهم التشكيل الوزاري الجديد؛ مثلما فعلوا مع القذافي.

وأضاف: «إذا وجدنا أنه أصبح لدينا نفس الديكتاتورية فسوف نرد بنفس الطريقة».

وعرض ناكر على صحافيين غربيين لقطات فيديو مصورة لرجاله وهم يطلقون صواريخ «غراد» ويقودون دبابات سوفياتية الصنع من طراز «تي-72» خلال الحرب. وقال: «لن تكون حركة مسلحة في البداية لكنها قد تتطور إلى ذلك. هناك احتمال قوي أن تصبح كذلك».

وهون مسؤولون في المجلس الوطني الانتقالي ومقاتلون من وحدات أخرى من شأن نفوذ ناكر، وهو مهندس من مدينة الزنتان تعهد بالعودة إلى الحياة المدنية حينما يتم إحلال الديمقراطية وتستقر أوضاع الأمن.

غير أنه في بلد لا يوجد فيه شرطة أو جيش فإن تشكيل حكومة تلبي المصالح المتعارضة لعشرات الآلاف من الرجال المسلحين تبدو عملية مشحونة.

وقابل ناكر وفدا من المقاتلين من مدينة بنغازي الشرقية مقر الثورة، وأصدروا بيانا مشتركا في طرابلس يطالب الكيب بتلبية مطالبهم بأن يكون لهم دور في الحكومة وفي القيادة العسكرية الجديدة.

وشدد ناكر على رفضه أي دور في الحكم لعبد الحكيم بلحاج القائد الإسلامي والحليف السابق لحركة طالبان في أفغانستان الذي عينه المجلس الوطني الانتقالي قائدا للمجلس العسكري لطرابلس.

ورفض بلحاج نفسه المزاعم التي تقول إنه وحليفه رجل الدين علي الصلابي، الذي يتخذ من قطر مقرا له، عميلان لهذه الدولة الخليجية التي قدمت مساعدات عسكرية وإنسانية إلى معسكر الثوار، لكن معارضيهما ما زالوا غير مقتنعين.

وقال ناكر: «نحن حقا شاكرون لقطر على ما فعلوه من أجل الشعب الليبي». واستدرك قائلا: «لكن ليس لهم الحق في التدخل في شؤوننا، لن نقبل هيمنة قطر أو أحد غيرها».

من جانبه، طالب رئيس المجلس العسكري في طرابلس، عبد الحكيم بلحاج، رئيس الحكومة، الكيب، بإعطاء مناصب وزارية للثوار وعدم إقصائهم من مناصب في مختلف مؤسسات الدولة الليبية. وأشار في استعراض عسكري، أقيم لأول مرة منذ انتصار الثورة، إلى ضرورة أن تعمل القيادة الجديدة على إزالة مظاهر التسلح من البلاد. وأعلن أنه اتفق مع المجلس الوطني الانتقالي على أن يتم تمثيل الثوار الليبيين السابقين في الحكومة الجديدة، مضيفا: «توافقنا على أن تسند إلى مرشحين من الثوار بعض الحقائب الوزارية المحددة. نأمل بأن يتم الوفاء بهذا الوعد».

ودعا بلحاج، وهو جهادي سابق تحول قائدا عسكريا في طرابلس، إلى تشكيل حكومة قوية بالتعاون مع جميع الثوار السابقين الذين قاتلوا القذافي. واعتبر أن من الخطورة القول إن عمل الثوار انتهى مع سقوط نظام القذافي وتحرير ليبيا. وشدد على ضرورة إدراك خطورة المرحلة المقبلة بعد إنجاز المعركة الميدانية، مؤكدا الاستعداد لخوض معركة من أجل بناء دولة مدنية وحديثة.

ونفى بلحاج الذي تخلى مؤخرا عن زيه العسكري وظهر للمرة الأولى خلال الأسبوع الماضي مرتديا بدلة غربية، أن يكون هو نفسه مرشحا لتولي حقيبة الدفاع في الحكومة الجديدة.

وفي ما بدا أنه بمثابة تأكيد على استقلالية الحكومة المرتقبة، أكد عبد الحفيظ غوقة، نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي، والناطق الرسمي باسمه، أن المجلس لن يكون له أي تدخل في اختيار الحكومة، معتبرا أن هذا الأمر برمته من اختصاص الكيب.