صدامات في ميدان التحرير وهتافات ضد «الإخوان» والمجلس العسكري

الحكومة تعدل وثيقة المبادئ الدستورية.. والسلمي: القضية الآن هي مكاسب سياسية وغالب ومغلوب

جنود الأمن المركزي خلال فض اعتصام ميدان التحرير بوسط القاهرة أمس (رويترز)
TT

عادت قوات الأمن المصرية لسياسة استخدام القوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين والمعتصمين، عندما قامت قوات الأمن المركزي التابعة لوزارة الداخلية، أمس، بفض اعتصام نحو ألفي ناشط أغلبهم من القوى الإسلامية بميدان التحرير، قرروا الاعتصام في الميدان بعد انتهاء أحداث مليونية «تسليم السلطة» التي دعت لها القوى السياسية أول من أمس (الجمعة)، احتجاجا على وثيقة أعدها الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء تضمنت مبادئ حاكمة لدستور جديد للبلاد. واعتبر السلمي في تصريحات له أمس أن مظاهرة أول من أمس أثرت سلبا على الجهود والاتفاقات التي تمت خلال الأيام الماضية من أجل التوافق بشأن وثيقة المبادئ الدستورية، وقال «إن القضية الآن هي مكاسب سياسية وغالب ومغلوب، وإثارة مشاكل حول أمور متفق عليها من قبل».

واستمرت المواجهات بين المعتصمين بميدان التحرير وقوات الأمن المركزي حتى ساعة متأخرة من مساء يوم أمس، ولا تزال مستمرة حتى كتابة هذا التقرير، في وقت تضاربت فيه الأنباء حول أعداد المصابين، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة إن أعداد المصابين وصلت إلى 81 مصابا، في حين قال أطباء بمستشفى قصر العيني القريب من الميدان إن الإصابات وصلت إلى 300 مصاب. وفي تطور لاحق تراجعت قوات الأمن المركزي باتجاه مقر وزارة الداخلية القريب من الميدان، وعاد الآلاف من المتظاهرين إلى قلب ميدان التحرير، فيما استخدم بعضهم المتاريس لتأمين الميدان تحسبا لهجوم من البلطجية.

كما تحدث شهود عيان عن أعداد كبيرة من المصابين تفوق الأعداد الرسمية، مؤكدين أن الإصابات تتراوح بين اختناق، وإصابات في الوجه والعين جراء استخدام الرصاص المطاطي من قبل عناصر الشرطة.

ودعت قوى ثورية أنصارها إلى العودة إلى الميدان، في وقت قرر فيه جماهير كرة القدم المعروفون بـ«الألتراس» مساندة المعتصمين ودعوا أعضاءهم للتظاهر في ميدان التحرير بعد أن نجحت قوات الشرطة في إخلائه.

وقالت وزارة الداخلية في بيان لها أمس إن «قوات الشرطة كانت وما زالت على موقفها، من الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين، رغم الاعتداءات المتكررة على قوات ومعدات الشرطة». وأضاف البيان أن قوات الأمن رغم إيمانها الكامل بحرية الرأي والتعبير السلمي، فإنها لن تتوانى عن أداء واجبها في الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة ضد أي تخريب في إطار سيادة القانون، ولن تتخاذل عن الاضطلاع بمسؤولياتها في حفظ الأمن والاستقرار، تأكيدا على التزامها أمام الله والوطن، مهما كانت الصعوبات والتحديات.

وناشدت الوزارة المصريين مراعاة الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد، والتي قالت إنها «تتطلب تضافر الجهود وتعاون كافة أطياف المجتمع لتحقيق أهداف ثورة يناير المجيدة والخروج بمصرنا إلى بر الأمان».

وقال شهود عيان إن قوات الأمن المركزي استخدمت القوة المفرطة في هدم عدد من الخيام أقامها المعتصمون في المنطقة التي تقع أمام مبنى مجمع التحرير بعد أن قرروا الدخول في اعتصام مفتوح لمطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة لحكم مدني منتخب بحلول مايو (أيار) المقبل. وشاهدت «الشرق الأوسط» رتلا من سيارات الأمن المركزي تحيط بقصر عابدين الرئاسي القريب من ميدان التحرير، في مشهد لم يحدث منذ يوم الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي، فيما وجدت أعداد من السيارات المدرعة التابعة للشرطة عند جميع مداخل التحرير.

وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إن «قوات الأمن هاجمت في البداية الحديقة المستديرة التي تتوسط الميدان وأخلتها من المعتصمين والمتظاهرين، وفرضت طوقا أمنيا حولها إلا أن المعتصمين من القوى الإسلامية ومعهم مصابو الثورة وأسر الشهداء أصروا على البقاء وتجمعوا أمام مبنى مجمع التحرير فهاجمتهم قوات الأمن المركزي بضراوة، مما أسفر عن إصابة العشرات، فيما رفضت سيارات الإسعاف نقلهم إلى المستشفيات بذريعة عدم وجود أوامر بنقلهم».

وأضاف الشهود أن قوات الأمن اعتقلت سبعة أشخاص على الأقل بينهم الناشط أحمد دومة وأنه تم احتجازهم داخل سيارات مدرعة بالميدان.

وعقب فض الاعتصام توافد عدد من شباب الحركات والقوى السياسية إلى الميدان الذين أطلقوا هتفات ضد الإخوان والمجلس العسكري، حيث اشتبكوا مع قوات الأمن المركزي، واستولوا على إحدى سيارات نقل الجنود الكبيرة أمام المبنى القديم للجامعة الأميركية بالقاهرة وحطموها تماما، لتنسحب بعد ذلك قوات الأمن من ميدان التحرير، ليستعيد المتظاهرون سيطرتهم عليه، ورددوا هتافات تطالب بإقالة اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية. فيما قال مصدر أمني في بيان لوزارة الداخلية إن 7 من رجال الشرطة أصيبوا خلال فض الاعتصام أمس، معتبرا أن قوات الأمن «التزمت بأقصى درجات ضبط النفس إزاء محاولات بعض المعتصمين إثارتها والاعتداء عليها بإلقاء الحجارة والقطع الخشبية والزجاجات الفارغة»، مضيفا أنه تم إلقاء القبض على خمسة من مثيري الشغب، ويجري اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم. وأهابت وزارة الداخلية الجميع بالالتزام بالقانون، حرصا على مصالح المواطنين ودفعا لعجلة الإنتاج وتهيئة الأجواء لانتخابات حرة آمنة، على حد قول البيان.

وتحول ميدان التحرير إلى ساحة لحرب الشوارع أعادت إلى الأذهان أحداث يوم 28 يناير الماضي الذي عرف باسم «جمعة الغضب» واستمر الكر والفر حتى مساء أمس بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين حاولوا الوصول إلى مقر وزارة الداخلية القريب من ميدان التحرير، إلا أن قوات الأمن ردت بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والخرطوش على المتظاهرين من شارعي محمد محمود وقصر العيني المؤديين لمقر وزارة الداخلية.

من جانبه، استنكر الدكتور محمد سعد الكتاتني، الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، فض الاعتصام بالقوة، معتبرا أن الأمر يعيد إلى الأذهان ممارسات جهاز الداخلية «في النظام البائد».

وشدد الكتاتني على أن حق التظاهر والاعتصام مكفول للتعبير عن الرأي شريطة الالتزام بالحدود التي نظمها القانون دون تعطيل للمرور أو مصالح المواطنين أو وسائل الإنتاج. وطالب بضرورة قيام أجهزة الأمن بضبط النفس وإعطاء الصورة الحضارية في التعامل مع المتظاهرين. وكان المعتصمون في ميدان التحرير قد تعرضوا لهجوم من عدد من البلطجية الذين حاولوا اقتحام الميدان من اتجاه شارع قصر العيني، بعد منتصف الليلة قبل الماضية، وتبادل البلطجية والمعتصمون الرشق بالحجارة لفترة طويلة قبل أن ينصرف البلطجية مع اقتراب صلاة الفجر. وشارك أكثر من 39 حزبا وجماعة سياسية في المظاهرة الحاشدة التي شهدها ميدان التحرير أول من أمس احتجاجا على وثيقة أعدتها الحكومة تتضمن بعض المبادئ الدستورية التي قالت إن الدستور الجديد للبلاد سيتضمنها.

وتعيش مصر هذه الأيام على صفيح ساخن مع اقتراب موعد المرحلة الأولى من أول انتخابات برلمانية تشهدها مصر منذ سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير (شباط) الماضي، والتي من المقرر أن تجري يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

وفي أول تعليق له على المظاهرة المليونية الأخيرة التي شهدها ميدان التحرير اعتراضا على وثيقته، اعتبر الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء المصري للتنمية السياسية والتحول الديمقراطي أن مظاهرة الجمعة الماضي التي قادها «الإخوان المسلمون والسلفيون» أثرت سلبا على الجهود والاتفاقات التي تمت خلال الأيام الماضية من أجل التوافق بشأن وثيقة المبادئ الدستورية.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية عن السلمي قوله «إن القضية الآن هي مكاسب سياسية وغالب ومغلوب، وإثارة مشاكل حول أمور متفق عليها من قبل»، إلا أنه رغم ما حدث فإن الأيام المقبلة ستشهد حوارات مع القوى السياسية الأخرى للتوصل إلى اتفاق بشأن الوثيقة في صورتها الجديدة لتعرض على المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليتخذ القرار المناسب بشأنها.

وقال السلمي إن المشكلة سببها أن كثيرا ممن سمعوا عن الوثيقة لم تتح لهم الفرصة لقراءتها والعلم بمضمونها ولم يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع عليها ولا الحوار بشأنها.

وأكد السلمي أن الوثيقة ليست بدعة أو اقتراحا منه لأن كثيرا من الأحزاب والقوى السياسية شاركت فيها منذ البداية ومنها جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وحزب الوفد والتحالف الديمقراطي وكلها وقعت على الوثيقة فضلا عن 34 حزبا أخرى في 21 يونيو (حزيران) الماضي، مضيفا أن «أول المعترضين على الوثيقة كانوا هم أول الموافقين عليها واعتبروني صانع الوثيقة وهذا ادعاء لا أساس له من الصحة».

وأعلن السلمي تعديل معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد بإلغاء تحديد نسب الجهات التي ينتمي لها أعضاء الجمعية، لتصبح كالتالي «تشكل الجمعية التأسيسية من مائة عضو من ممثلي الأحزاب السياسية والمستقلين في مجلسي الشعب والشورى ومن غيرهم من ممثلي الهيئات القضائية وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات والنقابات المهنية والنقابات العمالية واتحادات الفلاحين المنتخبة وممثلي الجمعيات الأهلية والتعاونية والجمعيات النسائية واتحاد الكتاب ونشطاء حقوق الإنسان وممثلي اتحادات الغرف التجارية والسياحية والصناعية والاتحادات الرياضية وممثلي القوات المسلحة والشرطة والطلاب والأزهر والكنائس ورجال القانون والقطاعات المهنية والسكانية والاجتماعية الأخرى، على أن يضع البرلمان معايير اختيار أعضاء الجمعية».

كما طرح الدكتور السلمي إعلان المبادئ الأساسية للدستور الجديد للنقاش أمس أمام الجلسة الأولى للمجلس الأعلى للصحافة في تشكيله الجديد. وقال السلمي إنه تم الاتفاق على النص في المادة الأولى من الوثيقة أن تكون جمهورية مصر العربية دولة ديمقراطية تقوم على المواطنة وسيادة القانون وحذف كلمة مدنية بناء على طلب حزب الحرية والعدالة وغيره من الأحزاب واستخدام كلمة دولة ديمقراطية التي وردت في وثيقة الأزهر الشريف.