حزب الأصالة والمعاصرة.. هدفه أن يحرث الحقل السياسي المغربي بجرار

محمد الشيخ بيد الله تسلم المشعل من يد «صديق الملك»

TT

عندما قدم فؤاد عالي الهمة في عام 2007، استقالته من منصبه كوزير للداخلية، أثارت تلك الخطوة رجة غير مسبوقة في عهد الملك محمد السادس، إذ الرجل يعد من أقوى الشخصيات وأكثرها نفوذا في الدائرة الضيقة القريبة من العاهل المغربي، أكثر من ذلك فإن الصحف المحلية تطلق عليه لقب «صديق الملك».

برر الهمة استقالته في ذلك الوقت برغبته في الترشح للانتخابات التشريعية في منطقة «بن جرير» القريبة من مراكش. وأشار بيان للديوان الملكي إلى ذلك بوضوح حيث قال البيان إن العاهل المغربي قبل استقالته وطلبه «بالترشح للانتخابات النيابية المقبلة، وذلك مع كافة المواطنين المغاربة ومن دون تمييز أو استثناء بين المرشحين»، على حد تعبير البيان.

كان السؤال الذي تقدم على ما عداه من الأسئلة: لماذا قرر «الرجل القوي» ترك موقعه النافذ في الحكومة ودخول البرلمان؟

لم يتأخر الجواب كثيرا.

فقد بادر الهمة بعد أن حقق فوزا كاسحا مع لائحته في الانتخابات، إلى تأسيس جمعية أطلق عليها «حركة لكل الديمقراطيين»، كان من أبرز رموزها «يساريون راديكاليون» الذين كانوا في عنفوان المد اليساري يعتقدون أن «الحل هو إسقاط النظام». كانت فكرة الهمة تدعو إلى حشد أكبر عدد من السياسيين في إطار سياسي يهدف إلى «الدفاع عن المشروع الحداثي للنظام». واختار أن يكون شعار الحزب «الجرار» الذي يحرث الأرض لمعالجة التربة.

لذلك سرعان ما تحولت «حركة لكل الديمقراطيين» في عام 2008 إلى حزب أطلق عليه «الأصالة والمعاصرة» استطاع خلال فترة وجيزة أن يستقطب عددا كبيرا من النواب في البرلمان.

وفضل فؤاد عالي الهمة، ألا يكون في الواجهة، إذ من الواضح أنه يجد نفسه في العمل المتكتم في الظل، وكان أن أصبح محمد الشيخ بيد الله أمينا عاما للحزب الجديد، الذي ضم كذلك زعامات محلية من مختلف المدن المغربية.

يتحدر محمد الشيخ بيد الله من مدينة سمارة الصحراوية، التي تعد مدينة «علم وعلماء»، ولد هناك في عام 1949، وتلك كانت فترة السنوات الحرجة التي سبقت استقلال المغرب. كانت بداية بيد الله مع السياسة لا تخلو من بعض الالتباسات، إذ وجد نفسه، ضمن مجموعة من الشباب الصحراوي الذين انتقلوا إلى مدينة الزويرات بموريتانيا، لينطلقوا منها لتأسيس البوليساريو، لكن بيد الله لم ترقه الفكرة وقفل راجعا، حيث سيواصل دراسته، ثم ينتقل إلى دراسة الطب في الدار البيضاء. برز بيد الله طبيبا بارعا، في مستشفى ابن رشد في الدار البيضاء، وعمل أستاذا باحثا في الطب الباطني عام 1987 في كلية الطب بالدار البيضاء. هذا النطاسي سرعان ما سيترك مبضعه ويتجه نحو «السياسة». إذ خاض الانتخابات التي جرت عام 1977 في مدينته السمارة وأصبح نائبا، ثم ترك العمل البرلماني ليصبح في عام 1992 محافظا لمدينة سلا، انتقل بعدها واليا لإقليم دكالة عبدة، بيد أنه سيعود بعد ذلك إلى الطب، لكن هذه المرة من موقع تنفيذي، إذ دخل محمد الشيخ بيد الله «نادي الوزراء» وأصبح وزيرا للصحة في عام 2002، وبقي في منصبه خمس سنوات. خلال هذه الفترة ظل بيد الله من الشخصيات الصحراوية التي دافعت باستماتة عن «مغربية الصحراء». وسينسج القدر مصادفاته بطريقة مثيرة، إذ سينتقل الشاب الصحراوي اليافع نفسه الذي تراجع في آخر لحظة عن الانضمام إلى البوليساريو، في أواخر الثمانينات إلى مخيمات تندوف، حيث توجد قيادة البوليساريو، لكن هذه المرة ضمن المراقبين الصحراويين من الجانب المغربي، الذين يعملون مع البعثة الأممية المكلفة بتنظيم الاستفتاء (مينورسو).

ذلك الاستفتاء أصبح سرابا الآن مثل رمال الصحراء نفسها، وكان عمل المراقبين من الجانبين، هو تحديد هوية الأشخاص الذين يحق لهم التصويت في استفتاء لم تستطع الأمم المتحدة تنظيمه. بقي بيد الله في تندوف أزيد من سنتين.

يتحدث بيد الله ويخطب، ليس بطلاقة ولكن بوضوح، شخصيته مزيج من حذر الصحراويين وتلقائية سكان الدار البيضاء، رشيق في مشيته، زحف الصلع على رأسه، لكن ترك له شعرا يختلط بياضه بسواده، دائم الابتسامة، فيه الكثير من الكياسة، له طرائق الأطباء في فهم الحياة بأنها وظائف جسم يعمل بانتظام، لذلك يظل هاجسه أن يعمل «الجسد الحزبي» ولا يصاب بالوهن أو الترهل، يعرف جيدا كيف يلعب أوراقه، رجل واضح، لكن ثمة لمسة غموض، يتحدث كثيرا مع الصحافيين، ولديه قدرة على ألا يقول شيئا حتى لو تحدث طويلا. غيور على صلاحياته وضنين بأفكاره، لا يعبر عنها إلا إذا طلب منه ذلك، يتقن التوازنات، ويروقه أن يتحول إلى جزء من الحل.

ظل رجل فعل ولم يكن رجل فكر، يعرف كيف يستوعب صدمة الحرائق السياسية، وينقب بهدوء تحت رمادها، يضع لنفسه حدودا لا ينبغي تجاوزها، في عينيه لمعان السلطة، وعلى فمه ابتسامة نصر، أعطيت له موهبة الانتظار، يتقبل القليل مهما كان مجحفا، ويستمر في البحث عن الكثير الذي يعتقد أنه يستحقه.

في هذه الانتخابات يريد أن يحقق مع حزبه نتائج جيدة، وليس بالضرورة المرتبة الأولى، بالنسبة إليه المهم أن يبقى «الأصالة والمعاصرة» رقما في المعادلة. يركز على الدوائر الجغرافية المضمونة، وقدم مرشحين أثاروا الاهتمام في الدوائر الصعبة.

يوجد حزب «الأصالة والمعاصرة» الآن ضمن «مجموعة الثمانية»، وهو تحالف حزبي يتطلع إلى أن يشكل الحكومة المقبلة، ويخوض حاليا صراعا شرسا على واجهتين؛ واجهة «الكتلة الديمقراطية»، وهو تحالف يضم «الأحزاب التاريخية» أي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، الذين يكيلون انتقادات مستمرة لحزب «الأصالة والمعاصرة»، إلى حد أنهم يرون أنه الحزب الذي جاء لإفساد الحياة السياسية، أو على واجهة «حزب العدالة والتنمية» الذي ترى قيادته أن «الأصالة والمعاصرة» جاء للحد من تقدمهم، في الحالتين لا أحد يتعرض إلى بيد الله بكلمة، إذ فرض الرجل احترامه على الجميع، وهو في الغالب يتعفف عن مجاراتهم في انتقاداتهم، هذه المهمة يتولاها حكيم بن شماس نائب الأمين العام للحزب، وهذا سياسي بارع في المقارعة.

يتولى محمد الشيخ بيد الله حاليا رئاسة مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان)، والمرجح أن يبقى في موقعه في كل الأحوال.

إنه طبيب يدرك أن المهم هو تشخيص العلة، بعدها يصبح أمر العلاج سهلا.