بعد عقود من حكم حزب واحد.. ثلاثة أحزاب تتقاسم قيادة تونس

اتفاق على المرزوقي رئيسا لتونس وبن جعفر للتأسيسي والجبالي للحكومة

حمادي الجبالي
TT

* المرشح لرئاسة الحكومة

* أمين عام «النهضة» حمادي الجبالي

* لم يكن أحد من التونسيين، حتى أشدهم تفاؤلا، يتوقع يوما أن يتولى رئاسة الحكومة أحد المنتمين لحركة النهضة التي ظلت محظورة من النشاط السياسي لمدة فاقت 3 عقود، لكن انتخابات المجلس التأسيسي التي تمخضت عن الثورة التونسية جعلت كل شيء ممكنا؛ فقد أفرزت نتائج جعلت حركة النهضة تحتل المركز الأول بفارق بعيد عن كل الأحزاب السياسية، وهو ما مكن أمينها العام حمادي الجبالي من حجز كرسي رئاسة الحكومة بصفة مبكرة، وأقرت كل الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات أن ذلك من حق الحركة بعد تمكنها من الفوز بأغلبية الأصوات (89 مقعدا من بين 217 مقعدا، مجموع أعضاء المجلس التأسيسي).

وُلد حمادي الجبالي سنة 1949 بمدينة سوسة الساحلية مسقط رأس الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، التحق منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي بهياكل حركة النهضة التونسية ذات التوجه الإسلامي، خاصة المؤتمر ومجلس الشورى. والتحق بمدرسة المهندسين في جامعة تونس ثم انتقل منها إلى جامعة باريس وأصبح مهندسا أول في الطاقة الشمسية. حصل الجبالي على شهادة الهندسة الميكانيكية من جامعة تونس، ثم على شهادة الماجستير في الطاقة الضوئية من باريس. أسس في سوسة شركة مختصة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

واعتقل الجبالي أكثر من مرة بسبب انتمائه إلى حركة النهضة غير المرخص لها. شن الحبيب بورقيبة حملة اعتقالات واسعة ضد النشطاء السياسيين وكان ممن بين القيادات التي حاكمها بورقيبة سنة 1981 وقد انتخبه مجلس الشورى سنة 1982 رئيسا للحركة. يعتبر الجبالي من الركائز الأساسية لحركة النهضة ولا يعرف عنه الكثير من المواقف السياسية والحوارات الإعلامية، لكن يعرف عنه كذلك إيمانه العميق بمبادئ الحركة الإسلامية إلى حد التشدد في كثير المواقف.

وتولى الجبالي رئاسة تحرير جريدة «الفجر»، التي تعبر عن رأي حركة النهضة، لكن نظام بن علي وجه له مجموعة من التهم التي جعلته عرضة للمحاكمة السياسية، وذلك بتهمة نشر مقالات تنال من أمن الدولة وتحرض على العصيان المدني، إلى جانب تهمة الانتماء لجمعية غير مرخصة ومحاولة قلب نظام الحكم. ونتيجة مجموعة هذه التهم حكمت المحكمة العسكرية التي نصبها بن علي لمحاكمة خصومه السياسيين بالسجن 16 عاما نافذة، وكان ذلك سنة 1990 قضى من بينها 10 سنوات في السجن الانفرادي. أضرب الجبالي سنة 2002 عن الطعام مطالبا بمحاكمة عادلة، إلا أن نظام بن علي لم يفرج عنه إلا في شهر فبراير (شباط) 2006.

تتهمه الأوساط السياسية، خاصة الأطراف اليسارية، بالتشدد إلى حد التطرف، وقد شنت ضده مؤخرا حملة شعواء إثر تصريحه بإقامة «الخلافة الراشدة السادسة»، وهو ما جعله يتراجع عن تصريحاته تلك، ومع ذلك فإن الأوساط السياسية لم تغفر له تلك التصريحات التي جعلتهم يتهمونه بازدواجية الخطاب وبالتحضير لمشروع مناقض لمشروع الدولة المدنية المطبق في تونس منذ عقود.

* المرشح لرئاسة الجمهورية

* زعيم «المؤتمر من أجل الجمهورية» المنصف المرزوقي

* المنصف المرزوقي المرشح لرئاسة تونس من بين الشخصيات التونسية التي ناضلت بقوة ضد نظام بن علي، وهو الذي قاد في أكثر من مناسبة حملات ضد ما يسميه «النظام البوليسي لابن علي»، وعمل طوال سنوات على التشهير بانتهاكاته لحقوق الإنسان. ويعتبر المرزوقي من بين السياسيين التونسيين الأوائل الذين تنبأوا مبكرا بسقوط نظام بن علي. ولم يعرف عنه تراجع عن المواقف الأساسية التي يطرحها منذ عقود من الزمن، ولم يكن انتصاره في انتخابات المجلس التأسيسي مفاجئا للكثير من المتابعين للمشهد السياسي، فقد «جازاه» التونسيون على مواقفه المبدئية الصلبة ضد الديكتاتورية والاستبداد.

المرزوقي من قبيلة «المرازيق»، وهي إحدى أهم القبائل العربية في مناطق الجنوب التونسي. ولد سنة 1945، فعمره الآن نحو 66 سنة، ويرأس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي لم ير النور إلا بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) الماضي. نشأ في تونس العاصمة، والتحق من سنة 1957 إلى سنة 1961 بالمدرسة الصادقية بالعاصمة التونسية، وهي من بين المعاهد التي درس فيها معظم السياسيين الذين حكموا تونس من بينهم الحبيب بورقيبة ومحمد مزالي. وغادر المرزوقي تونس للالتحاق بوالده سنة 1961، وعاش مع عائلته في مدينة طنجة حتى عام 1964، ثم سافر إلى فرنسا ليدرس في جامعة ستراسبورغ، بكلية علم النفس، ثم الطب، وتزوج هناك وأنجب مريم ونادية. وقد أقام في فرنسا لمدة 15 سنة.

ويعرف عن المرزوقي اطلاعه الواسع على الثقافات العالمية، ومن بينها الهند التي قضى بها مدة شهر سنة 1970 وتعرف على الثقافة المميزة لها بمناسبة مئوية غاندي. وقد جاب الهند من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، كما زار الصين سنة ضمن وفد صحي ووقف هناك على تجربة الطب في خدمة الشعب في الصين. ولم تعرف خلال تلك الفترة نشاطات سياسية للمرزوقي، لكن عودته إلى تونس سنة 1979 في ظل الغليان الاجتماعي الذي رافق نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي كانت كافية لإطلاعه على المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت تعاني منها تونس إلى جانب معاناة البلاد من حكم الحزب الواحد وسيطرة شخصية الزعيم الحبيب بورقيبة على الحياة السياسية بأكملها. عمل المرزوقي أستاذا مساعدا في قسم الأعصاب في جامعة تونس، وشارك في تجربة الطب الشعبي الجماعي في تونس.

وإلى حدود تغيير 1987 الذي قاده بن علي لم تعرف مواقف سياسية للمرزوقي، إلا أن تراجع الرئيس التونسي السابق عن وعوده بالحرية والانفتاح السياسي في عقد التسعينات قاد المرزوقي إلى مواجهة مفتوحة مع نظام بن علي، خاصة وقد أصبح المرزوقي رئيسا للرابطة التونسية لحقوق الإنسان.

وفي مارس (آذار) من سنة 1994، اعتقل المرزوقي ثم أطلق بعد أربعة أشهر من الاعتقال في زنزانة انفرادية، وقد أفرج عنه على خلفية حملة دولية وتدخل من زعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا، إلا أن خروجه من الاعتقال لم يمنعه من دخول عالم السياسة من بابها الكبير، فقد أسس سنة 1997 مع ثلة من النشطاء السياسيين المجلس الوطني للحريات. وفي سنة 2001 اضطر لمغادرة تونس واختار المنفى الإرادي ليعمل محاضرا في جامعة باريس.

* المرشح لرئاسة المجلس التأسيسي

* الأمين العام لحزب «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات» مصطفى بن جعفر

* لا يختلف الكثير من المحللين السياسيين حول الانتماء السياسي لمصطفى بن جعفر، الأمين العام لحزب «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات»؛ فقد تخرج في المدرسة البورقيبية؛ لذلك يعتبر محاورا بارعا وقادرا على التوصل بأي حوار إلى بر الأمان. درس بن جعفر في المدرسة الصادقية التي آوت معظم الوجوه السياسية التي قادت الدولة الحديثة في تونس بعد الاستقلال. عاش يتيما في عائلة متوسطة الحال، إلا أنه عزم على دراسة الطب وكان له ما أراد وتمكن من السفر إلى فرنسا وتخصص في طب الأشعة وكان عنصرا ناشطا في الاتحاد العام لطلبة تونس (المنظمة الطلابية) طوال دراسته في فرنسا. ولما عاد إلى تونس انطلق في التدريس بكلية الطب بتونس وتولى منصب رئيس قسم الأشعة بمستشفى صالح عزيز بالعاصمة التونسية، وذلك من سنة 1975 إلى سنة 1980. انضم مصطفى بن جعفر إلى الحزب الحر الدستوري الجديد، وذلك في نهاية الخمسينات من القرن الماضي.

لكنه غادر الحزب الحاكم في السبعينات بعد اكتشافه، مع مجموعة من السياسيين، ضيق الأفق السياسي في حزب بورقيبة، ونادى مع رفاقه بصفة مبكرة بالانفتاح السياسي وكان ذلك رفقة أحمد المستيري وأحمد بن صالح.

وانضم بن جعفر سنة 1978 إلى حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، التي شاركت سنة 1981 في انتخابات أحرجت نظام بورقيبة، وقيل إن النظام الحاكم زورها بعد اكتشافه الزحف الكبير للورقة الخضراء (الورقة الانتخابية لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين)، وهو ما أدى إلى تعقيدات سياسية عرفها النصف الأول من عقد الثمانينات وأدت في النهاية إلى وصول بن علي إلى الحكم سنة 1987.

أسهم بن جعفر سنة 1977 في إصدار جريدة «الرأي»، التي كانت تنشر مقالات سياسية لاذعة ضد نظام حكم بورقيبة، في مطالبة مستمرة بالانفتاح السياسي. كما أسهم سنة 1978 في بعث الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وقد تولى بين سنة 1986 وسنة 1994 خطة نائب رئيس تلك المنظمة. واصل بن جعفر عمله السياسي في حركة الديمقراطيين الاشتراكيين التي كان يترأسها محمد مواعدة، وفي سنة 1991 احتج بن جعفر على التقارب الحاصل بين الحركة والتجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم فيما يشبه التحالف السياسي، وأعلن معارضته الصريحة للتوجه الجديد، وهو ما أدى إلى رفته من حركة الديمقراطيين الاشتراكيين.

لمصطفى بن جعفر الكثير من التجارب السياسية، وهو قادر على إدارة المؤسسات المختلفة، إلا أن نتائج انتخابات المجلس التأسيسي التي لم تسند له إلا 20 مقعدا محتلا المرتبة الرابعة جعلته يخسر الكثير من خيوط التفاوض حول تشكيل الحكومة الجديدة. غض نظام بن علي الطرف على مصطفى بن جعفر المعروف بعلاقاته القوية مع الأحزاب الاشتراكية في فرنسا وأوروبا، وأسس بن جعفر سنة 1994 حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الذي ظل لمدة سنوات حزبا نخبويا يضم الإطارات التونسية المتوسطة ولم يتمكن طوال وجوده في عهد بن علي من دخول البرلمان التونسي ومثل حزب معارضة حتى قيام الثورة. ولم يقع الاعتراف بالحزب على الرغم من وجوده القانوني.