الوزير الركيزة في ألمانيا يريد تحويل الأزمة الأوروبية إلى فرصة للوحدة

شويبله يعاني شللا منذ محاولة اغتياله عام 1990 وميركل رفضت بقوة التفريط فيه

TT

في الوقت الذي لا يرى فيه العالم سوى الفوضى والكارثة المرتقبة في أزمة الديون الأوروبية، يرى فولفغانغ شويبله، وزير المالية الألماني، فيه الدافع الذي طال انتظاره لإتمام المهمة التي لم تتم بعد، وهي تحقيق وحدة أوروبا، وبصفته وزير مالية ومن أكثر المقربين للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تقع عليه مسؤولية كبيرة في تشكيل النتيجة.

ومع ذلك يحتاج بقاؤه في الحكومة الألمانية إلى معجزة، فصحته باتت مثار الأحاديث منذ 12 أكتوبر (تشرين الأول) 1990، وهو تاريخ محاولة اغتياله بالرصاص، مما أدى إلى إصابته بشلل في رجله ألزمه الجلوس على كرسي متحرك منذ ذلك الحين. ولم تنته مشكلاته عند هذا الحد، حيث وجد شويبله نفسه في مايو (أيار) 2010، وهو في طريقه إلى بروكسل لحضور اجتماع طارئ لوزراء مالية الدول الأوروبية، في غرفة العناية المركزة في مستشفى بلجيكي يعاني من مضاعفات نتيجة عملية سابقة. في تلك اللحظة، مع توقع وسائل الإعلام الألمانية استقالته بل وتضاؤل فرص نجاته بالأساس، أجرى اتصالا هاتفيا بالمستشارة الألمانية لمناقشة مستقبله المهني. ومع غروب الشمس في فصل خريف على مكتبه في برلين، تذكر شويبله البالغ من العمر 69 عاما سؤاله لميركل عما إذا كان يستطيع العودة إلى العمل إذا ما استعاد عافيته، وقال: «أخبرتني أن السؤال خطأ في حد ذاته، حيث ينبغي أن آخذ الوقت الكافي حتى أشفى تماما وأنها تحتاجني إلى جانبها».

وتبين في ما بعد حكمة هذا القرار، حيث كانت خبرة شويبله هامة وأساسية بالنسبة إلى ميركل، التي حاولت تحقيق توازن بين الشركاء الأوروبيين الذين يطلبون مساعدة ألمانيا المالية والناخبين الغاضبين الذين لا يريدون أن يسددوا ديون جيرانهم الجنوبيين المسرفين. ويقول محللون سياسيون إن وجود شويبله ضروري من أجل تماسك الكتلة المحافظة في التصويت على زيادة أموال خطة الإنقاذ لدول منطقة اليورو مثل اليونان الذي تحول إلى اقتراع ثقة على كيفية إدارة ميركل للأزمة.

وتذكر شويبله الخوف الواضح الذي كان يخيم على اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين في واشنطن في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي عقد قبل أسبوع من التصويت على خطة الإنقاذ المالي، وقال إنه أبلغ أعضاء البرلمان من حزبه بعد عودته: «كان ينبغي أن تختبروا مثل هذا الشعور. نحن لا نتحمل مسؤولية أنفسنا فحسب، بل مسؤولية تنمية الاقتصاد العالمي».

يعد شويبله، ذو الشعر الأبيض الخفيف والصوت الذي به بحة، من أكبر الوزراء في حكومة ميركل، حيث ولد قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية وعاصر محافظين داعمين لأوروبا مثل هلموت كول، الذي عمل تحت رئاسته، واضطر إلى الاستقالة كرئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي عام 2000 على خلفية فضيحة تخص أموال الحملة، وتولت ميركل السياسية الشابة من ألمانية الشرقية، التي عينها أمينة للحزب قبل ذلك التاريخ بأقل من عامين. وللمرة الثانية في تاريخه المهني، يجد شويبله نفسه معاونا مخلصا للمستشارة الألمانية ميركل، لقد كان ماهرا في الرياضيات في فترة صباه، لكنه درس القانون وحصل في النهاية على درجة الدكتوراه، وكان في الثلاثين من عمره عندما أصبح عضوا في البرلمان، واضعا نصب عينيه الوصول إلى منصب المستشار.

لكن بمرور السنوات، وبعد حادث إطلاق النيران عليه والفضيحة وبقاء كول لفترة طويلة في المنصب، تحول شويبله من شاب سياسي طموح إلى رجل دولة عجوز غير قلق على مستقبله السياسي. «يعد هذا أمرا جيدا بالنسبة لألمانيا وإن كان وضعه سيئا»، على حد قول فريد أروين، رئيس الغرفة التجارية الأميركية في ألمانيا الذي يعرف شويبله منذ 25 عاما. ويقول مراقبون إن هذا منحه حرية استكمال خطة أكثر توجها نحو الوحدة الأوروبية من خطة ميركل، حيث يقول أولريك ديوبمان، كاتب سيرة شويبله: «لقد لعب دورا مستقلا إلى حد بعيد خلال عمله مع ميركل». كما ذكرت صحيفة «فرانكفورتر ألغمين» العام الحالي أن «وزير المالية هو مستشار نفسه».

حظي شويبله في المؤتمر السنوي لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي خلال الأسبوع الحالي في ليبزيغ بأكبر قدر من التصفيق وأكثره عفوية. وقال مايكل بوغو، وهو مندوب من برلين: «عندما تحدث شويبله، كان الجميع يركز في كل كلمة يقولها». وتنتهي دائرته الانتخابية في بادن فورتمبيرغ على الحدود الفرنسية، ويتمتع بعلاقات وثيقة مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي الفرنسية كريستين لاغارد والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وتعد ميزة كبيرة حيث لم تتقدم أوروبا خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية إلا عندما توصلت فرنسا وألمانيا إلى أرضية مشتركة. ويدور آخر جدل في أوروبا حول ما إذا كان الحد من التعاون بين دول منطقة اليورو سيزيد من انقسام دول الاتحاد الأوروبي التي تستخدم عملة اليورو وتلك التي لا تستخدم اليورو. وقد تقدم شويبله بالفعل باقتراح يعرف باسم «أوروبا بسرعتين» عام 1994. وقال شويبله في إشارة إلى عضو الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي تولى منصب المستشار عام 1974: «يوضح هذا مرة أخرى الحقيقة المريعة وهي أنني لم أصل إلى سن هلموت شميدت، لكنني لست الأصغر أيضا». ويلعب شميدت، الذي بلغ الثانية والتسعين، دورا كبيرا كضمير للأمة. ويسخر شويبله من الإشارة إليه بـ«آخر الأوروبيين» أو الجسر الواصل بين الأجيال أو الدول، حيث رفض هذا النوع من التخليد، بينما لا يزال قادرا على بذل الجهد في العمل. والجدير بالذكر أنه قاد المفاوضات حول استعادة الوحدة ممثلا لحكومة ألمانيا الغربية وهي ما مثلت لحظة فارقة في تاريخه المهني.

سوف يكتب تاريخ شويبله في ما يتعلق بالوحدة الأوروبية خلال الأشهر المقبلة، إما باعتباره واحدا من صانعي أوروبا الجديدة أو الرجل الذي شاهد انهيار مشروع ظل يعمل عليه لعقود.

قليل هم المتأهبون مثل شويبله لتقبل التقلبات الحادة في مصائرهم، وقال شويبله إن الحكومة الألمانية ستقترح إدخال بعض التغييرات في الاتفاق خلال القمة الأوروبية في بروكسل المزمع عقدها في 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وهو ما من شأنه دفع أوروبا باتجاه حكومة مالية مركزية افتقدتها منطقة اليورو. ويوضح شويبله أن الهدف النهائي هو اتحاد سياسي برئيس أوروبي منتخب من قبل الشعب. وقال شويبله: «ماذا نفعل حاليا بالوحدة المالية، وما أتحدث عنه في هذا المقام هو خطوة على المدى القصير باتجاه العملة. في سياق أكبر، نحن بحاجة إلى وحدة سياسية».

ويقول النقاد إن خفض الإنفاق الذي طلبه القادة الألمان من الدول الأخرى يؤثر سلبا على النمو في الدول الأوروبية، مما يزيد من صعوبة تسديد الديون. وشبه متشككون في بريطانيا مقترحاته الخاصة بمنح المفوضية الأوروبية المزيد من السلطات لفرض الالتزام بالميزانية المحددة على الدول بالدولة الجديدة الجبارة العدوانية، ويخشى بعض داعمي عملة اليورو أن يتحدث شويبله وميركل عن تغيرات على المدى الطويل، في الوقت الذي يمزق فيه المستثمرون المذعورون والمتكهنون عملة اليورو حاليا.

وقال شويبله: «هناك فترة انتقالية محدودة يجب أن نتدبر خلالها أمر القلق المسيطر على الأسواق. وإذا بات من الواضح امتلاكنا لكل مقومات الكيانات السياسية القوية الجديدة العميقة بحلول نهاية عام 2012، أعتقد أننا سنفلح». ولا يرى شويبله الاضطراب الحالي كعائق، بل كضرورة، حيث يقول: «لا يمكننا تحقيق وحدة سياسية إلا إذا واجهنا أزمة».

*خدمة «نيويورك تايمز»