السلطات المصرية تفض اعتصام التحرير بالقوة.. والميدان يشتعل من جديد

حكومة شرف: ندعم الداخلية دعما كاملا.. والانتخابات في موعدها.. وشباب الثورة: الشعب يريد إسقاط النظام

قوات الأمن المركزي مدعومة بالعربات المصفحة في ميدان التحرير أمس في محاولة أخيرة لطرد المتظاهرين (أ.ب)
TT

تفجر الوضع الميداني في مصر، أمس، لليوم الثاني على التوالي، وبدا مستقبل البلاد ضبابيا، وسط سحب الدخان الكثيف جراء مئات القنابل المسيلة للدموع التي أطلقتها قوات الأمن المركزي المدعومة بعناصر الشرطة العسكرية، على المتظاهرين في ميدان التحرير، قبل نحو أسبوع من انطلاق الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية.

ومع سقوط 3 قتلى على الأقل، أمس، وارتفاع أعداد الجرحى لتكسر حاجز الألفي مصاب خلال يومين، ومع دعوات قوى ثورية للاعتصام في الميدان حتى «إسقاط النظام»، الذي يمثله المجلس العسكري الحاكم، لا يتوقع مراقبون أن تهدأ الاشتباكات التي تجاوزت نطاق العاصمة المصرية، إلى عدد من المحافظات.

وأصدرت الحكومة المصرية بيانا مقتضبا، أمس، عقب لقائها المجلس العسكري بمقر المجلس شرق القاهرة، قالت فيه إنها تدعم تحركات الشرطة المصرية دعما كاملا، مؤكدة أنها ملتزمة بموعد الانتخابات البرلمانية المقرر في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

وترددت أنباء، أمس، عن استقالة وزير الثقافة المصري الدكتور عماد أبو غازي، لكن لم يصدر حتى كتابة التقرير تأكيد رسمي، فيما قالت مصادر مقربة من أبو غازي إنه «تقدم بالفعل باستقالته احتجاجا على قمع المتظاهرين السلميين».

واقتحمت قوات الأمن المركزي تدعمها الشرطة العسكرية التابعة للجيش ميدان التحرير الليلة الماضية، لتتفجر أقوى اشتباكات بين عناصر الجيش والمتظاهرين منذ أحداث ماسبيرو الشهر الماضي. وقامت قوات الشرطة والجيش باستخدام الطلقات المطاطية والعربات المصفحة، إضافة لسيل من القنابل المسيلة للدموع، لتفريق المتظاهرين، كما قام عدد من جنود الأمن المركزي بإشعال النيران في درجات بخارية وخيام وأمتعة المتظاهرين.

وقال شهود عيان إن عشرات المتظاهرين سقطوا جراء التدافع بعد أن شن الأمن هجومه المفاجئ على المعتصمين في ميدان التحرير بالقاهرة، الذين كان عددهم يقدر بنحو عشرة آلاف، وامتدت الملاحقات في الشوارع المحيطة بالميدان، بعد تصريحات رسمية أكدت أن الشرطة لن تستخدم العنف ضد المتظاهرين، وأن عناصرها ستعمل على تأمين وزارة الداخلية والأقسام فقط. وقال شهود عيان إن جنودا من الشرطة والجيش قاموا بالاعتداء على نشطاء بالهراوات والعصي.

وأعاد المتظاهرون الغاضبون الاصطفاف من جديد في محيط ميدان التحرير، في محاولة لاستعادة السيطرة على ما يعتبرونه رمز الثورة المصرية، قبل أن تنسحب عناصر الجيش والشرطة مرة أخرى من الميدان، ليتدفق آلاف المتظاهرين إلى التحرير وسط حالة من الغضب والذهول فيما كان المتظاهرون يتساءلون عن أسباب الاقتحام والانسحاب.

ولا تزال التصريحات الرسمية تتحدى الحقائق على الأرض، وجدد مصدر مسؤول بالمجلس العسكري الحاكم، عقب اجتماعه بمجلس الوزراء قوله إن «الانتخابات ستجري في موعدها المقرر»، فيما قال اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية إن «قوات الأمن التزمت بضبط النفس وأنها لم تطلق رصاصة واحدة على المتظاهرين والمعتصمين وأنه وقعت عدة إصابات بين أفراد الشرطة قدرها الوزير بنحو 49 شرطيا من الرتب المختلفة».

وأضاف العيسوي أن هناك بعض مثيري الشغب هم الذين أطلقوا النار على المتظاهرين وأنه تم القبض عليهم ويتم التحقيق معهم من قبل النيابة، وتابع قائلا «سنتعامل بكل قوة وحسم ضد كل من سيحاول الوصول إلى مقر وزارة الداخلية أو أي من أقسام الشرطة على مستوى الجمهورية».

وفاجأ الدكتور علي السلمي، نائب رئيس الوزراء، الجميع، قائلا على الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء، إن وثيقة المبادئ الدستورية التي أعلنها أول من أمس، وخلت مادتها الأولى من التأكيد على مدنية الدولة، وشملت تعديلات في مادتين مثيرتين للجدل، لا تعبر عن الحكومة وأنها اقتراح من جماعة الإخوان المسلمين وحزبها وعدد من التيارات السلفية.

وأكد السلمي في التعليق المقتضب الذي تم بثه على الصفحة ظهر أمس أن الحكومة المصرية لم تتراجع عن الوثيقة (التي تسبب الإعلان عنها في غضب قوى سياسية وتظاهر ضدها عشرات الآلاف يوم الجمعة الماضي)، وأن النقاشات بشأنها لا تزال مستمرة.

وواصلت وزارة الصحة المصرية الإعلان عبر بياناتها عن أعداد المصابين، قائلة إن عدد المصابين أمس وصل إلى 31 مصابا، لكن شهود عيان قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن ما لا يقل عن 800 مصاب سقطوا أمس وإن أغلبهم جراء حالات اختناق. وبرر شهود العيان تضارب أعداد المصابين بقولهم إن أغلب الحالات تتلقى العلاج داخل المستشفى الميداني الذي أقامه الثوار، قبل أن يتم تحطيمه في وقت لاحق من قبل عناصر الأمن والجيش، مع ترجيحات تضاعف أعداد الجرحى.

ومنذ الساعات الأولى من فجر يوم أمس تجددت الاشتباكات بين المعتصمين في الميدان وقوات الأمن المركزي المرابطة بالقرب من مبنى وزارة الداخلية. فيما توجهت مسيرات طلابية من جامعات ومدارس في القاهرة إلى الميدان لدعم المعتصمين، وسط دعوات من قوى وحركات سياسية لأنصارهم بالتوجه إلى التحرير للاعتصام.

وعلى الرغم من مشاركة قيادات وكوادر إخوانية في الاعتصام الممتد منذ يومين، قال الدكتور محمود غزلان المتحدث باسم الجماعة إن الجماعة لن تشارك في الاعتصام، وإن القيادات التي ذهبت إلى التحرير أمس كانت مكلفة من قبل الجماعة أو الحزب (الحرية والعدالة) بمحاولات التهدئة.

وقال غزلان تعليقا على سؤال بشأن كوادر «الإخوان» التي شاركت في مظاهرات أمس، وأول من أمس، «لا يوجد أي من أعضائنا يذهب إلى الميدان بقرار شخصي، نحن نكلفهم أو يحصلون على إذن منا، والشباب المشارك هم من المجموعة التي اعتصمت بالميدان خلال الـ18 يوما في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، والشباب يعرفونهم جديدا وربما ينجحون في احتواء الأزمة وإقناع المشاركين في الاعتصام بالتراجع لتهدئة الأجواء من أجل الاستعداد للانتخابات».

وامتدت حدة الاحتجاجات للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة في مصر إلى المحافظات، ففي الإسكندرية شهد يوم أمس أحداثا دامية بدأت منذ مساء أول من أمس وتصاعدت وتيرتها بعد سقوط قتيل برصاص رجال الشرطة أمام مديرية أمن الإسكندرية بينما أصيب آخرون بإصابات مختلفة على خلفية احتجاج آلاف المتظاهرين على التعامل العنيف الذي قامت به الشرطة. وتركزت المظاهرات بالإسكندرية أمام مقر قيادة المنطقة الشمالية العسكرية مساء أول من أمس واستمرت إلى منتصف الليل حيث قرر المتظاهرون التحرك في مسيرات ليلية جابت شوارع المدينة الساحلية.

وتوجهت المسيرات إلى مقر مديرية أمن الإسكندرية ورددوا هتافات معادية للشرطة قبل أن يبدأ التراشق بالحجارة بين المتظاهرين من ناحية ورجال الشرطة من داخل مديرية الأمن من ناحية أخرى.

واحتشد أمس الآلاف حول مقر مشرحة الإسكندرية أثناء قيام الطب الشرعي بترشيح جثة بهاء السنوسي الناشط السياسي الذي قتل أول من أمس، وانطلقت جنازة مهيبة سيرا على الأقدام من أمام المشرحة بميدان كوم الدكة وسط الإسكندرية وصولا إلى مدافن أسرته بالمنارة بمنطقة باب شرقي حيث ردد المشيعون هتافات معادية للمجلس العسكري والشرطة.

وعادت مدينة السويس للمشهد من جديد، وحاول متظاهرون غاضبون اقتحام قسم شرطة الأربعين، وهو القسم الذي تم إحراقه في 27 يناير الماضي، قبل يوم واحد من «جمعة الغضب»، التي كانت الخطوة الأولى على طريق الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك.

وفرضت قوات الجيش طوقا أمنيا حول حي الأربعين في السويس، ومنعت الموظفين من الدخول وأوقفت العمل به، كما نشرت الأسلاك الشائكة حوله، ووضعت الحواجز الحديدية لمنع الاقتراب منه بالاستعانة بثلاث مدرعات ونحو 8 حاملات للجنود فيما تجمع العشرات من المواطنين أمام الحي لمشاهدة آثار الدمار.

وخلت شوارع السويس تماما من أي وجود لأفراد الشرطة بما فيهم رجال المرور فيما عززت قوات الجيش من وجودها أمام مبنى ديوان عام المحافظة وحول مديرية الأمن. وأطلقت قوات الشرطة القنابل المسيلة للدموع والرصاص في الهواء في محاولة لتفريق المتظاهرين. كما قام بعض المتظاهرين باقتحام مبنى حي الأربعين وقاموا بنهب وسرقة كل محتوياته من الأثاث وأجهزة الكومبيوتر وحاولوا إضرام النيران فيه.

وفي الإسماعيلية، تصاعدت احتجاجات القوى السياسية والائتلافات الشبابية احتجاجا على اعتداء الأمن المركزي على المعتصمين في التحرير، ونظمت حركات شبابية وائتلافات وقفة احتجاجية بميدان الممر شارك فيها المئات من ممثلي الحركات السياسية والتيارات الإسلامية.

وفي نفس السياق نظم تكتل طلاب جامعة قناة السويس ظهر أمس مسيرة احتجاجية داخل مقر الجامعة الجديدة بالإسماعيلية ضمت نحو 200 من طلبة كليات الجامعة احتجاجا على اعتداءات الأمن المركزي على المعتصمين بالتحرير واستخدام القوة في تفريق المعتصمين. انطلقت المسيرة من أمام كلية الهندسة بالإسماعيلية وردد الطلبة هتافات غاضبة تندد بسياسة المجلس العسكري وحكومة شرف.

وفي مدينة المنصورة بدلتا مصر، احتشد المئات أمام مديرية الأمن، وخرجت مسيرات من جامعة المنصورة، وتوجهت إلى ديوان عام المحافظة، وهو المشهد الذي تكرر في عدد من مدن الدلتا الأخرى.