رحيل طلعت السادات.. أشرس معارضي حزب مبارك

رفع حذاءه بقاعة البرلمان.. وأمضى عاما في السجن

طلعت السادات
TT

كان يوقف سيارته السوداء التي تشبه سيارات الرؤساء، ويجلس في البهو الفرعوني الملحق بمبنى البرلمان المصري، ويتندر على قيادات الحزب الحاكم والوزراء الذين كانوا يدخلون أو يخرجون من البهو المخصص لاستراحة النواب. رجل يتمتع بروح دعابة تجبر خصومه على الاستماع إليه. إنه طلعت السادات، ابن شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، أشهر نواب البرلمان المثيرين للجدل في الواقع السياسي في العقد الأخير من حكم الرئيس السابق حسني مبارك.

وتوفي طلعت السادات، صباح أمس بمستشفى البنك الأهلي في ضاحية القطامية عن عمر يناهز 64 عاما إثر إصابته بأزمة قلبية، بعد مشاركته في ندوة انتخابية لدعم مرشحي الحزب الذي أسسه بعد سقوط نظام مبارك في ضاحية الخليفة. وكان السادات يعاني أمراضا مزمنة سابقة منها القلب وضغط الدم والسكري.

وفي عام 2006 أمضى السادات سنة في السجن بعد إدانته في قضية ازدراء المؤسسة العسكرية وظل السادات يشكك في واقعة قيام متشددين إسلاميين بقتل عمه السادات في حادث المنصة عام 1981، وتهاون مؤسسات الدولة المسؤولة في حمايته.

وشب طلعت السادات بالقرب من بيت الرئيس الراحل، وعاصر التحولات السياسية الكبرى التي شهدتها البلاد، بما فيها مولد الحزب الوطني الديمقراطي في مطلع ثمانينات القرن الماضي برئاسة عمه الرئيس السادات، قبل أن يتحول طلعت لصفوف المعارضة مع تولي مبارك رئاسة الحزب نفسه الذي ظل يحكم مصر حتى تم حله منتصف هذا العام.

ومع تزايد غضب المصريين من الحزب الوطني الحاكم في ذلك الوقت، خاصة خلال العقد الأخير، ظل طلعت السادات يتعامل مع قيادات الحزب باعتبار أنهم استولوا عليه وانحرفوا به عن أهدافه. وشن الرجل الذي عمل أيضا كمحام بارز، أكبر هجوم على الحزب الوطني حين هيمن على مقدرات الحزب جمال مبارك نجل الرئيس السابق، وعدد من أصدقائه من رجال الأعمال أبرزهم أحمد عز الذي شغل فيه موقع أمين التنظيم لسنوات. والاثنان (جمال وعز) محبوسان حاليا مع قيادات أخرى من الحزب على ذمة التحقيقات في وقائع فساد، بعد أن أحرق آلاف من المتظاهرين مقرات الحزب في القاهرة والمحافظات. وبعد الاستقالات المتتالية لقيادات الحزب الوطني في أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، ترشح السادات لمنصب رئيس الحزب الوطني في 13 أبريل (نيسان) الماضي، وقام بتعديل الاسم إلى «الحزب الوطني الجديد»، وذلك قبيل صدور حكم قضائي بحل الحزب في السادس عشر من الشهر نفسه ليؤسس بعد ذلك حزب «مصر القومي» الذي كان يسعى للدفع بقيادات منه للبرلمان في الانتخابات المقرر لها الثامن والعشرين من الشهر الحالي.

وكان للسادات نشاط ظاهر في التوازنات داخل نقابة المحامين التي تعد من معاقل الحريات في مصر، وتقدم للترشح لموقع النقيب، إلا أنه لم يوفق في ذلك. ومن أشهر القضايا التي ترافع فيها قضية مذبحة بني مزار بمحافظة المنيا قبل نحو سبع سنوات، والتي راح ضحيتها عشرة أشخاص تم ذبحهم والتمثيل بجثثهم وأعضائهم التناسلية ليلا وقد حكم فيها ببراءة المتهم، بعد أن ظن الرأي العام بمصر، وفقا للأدلة التي قدمتها الشرطة، أن المتهم سيُدان ويحكم عليه بالإعدام.

وتم تشييع جثمان السادات عقب صلاة عصر أمس في قريته ميت أبو الكوم في مركز تلا بمحافظة المنوفية، وهو المركز الذي ظل السادات ينوب عنه في البرلمان كعضو مستقل حتى عام 2010.

وودع أهالي قريته والقرى المجاورة جثمان السادات إلى مثواه الأخير بمقابر العائلة بقريته ميت أبو الكوم في موكب جنائزي تقدمه أقاربه ومن بينهم عمته سكينة السادات وأشقاؤه النائب السابق محمد أنور عصمت السادات ورئيس نادي الاتحاد عفت السادات، وزين السادات، إضافة إلى عدد من المسؤولين بالمنوفية منهم اللواء إبراهيم القطان رئيس مركز ومدينة تلا واللواء ياسين طاهر السكرتير العام للمحافظة، واللواء شريف البكباشي مدير أمن المنوفية، والمقدم محمود الشرابي المستشار العسكري للمحافظة. وقررت الأسرة إقامة العزاء يوم غد (الثلاثاء) بمسجد القوات المسلحة بمدينة نصر شرق القاهرة.

وعرف السادات بمداخلاته اللاذعة ضد رموز الحزب الوطني، خاصة حين وصل الحزب إلى درجة من الغرور والغطرسة كان ينتقم فيها من خصومه بوسائل مختلفة، وبلغت قمة المواجهة بين السادات ورموز الحزب الحاكم في أيام مبارك، في عامي 2005 و2006، مع صعود من أصبح يعرف باسم الجيل الجديد في الحزب الحاكم، وكذا حكومة رجال الأعمال برئاسة الدكتور أحمد نظيف (المسجون مع عدد من وزرائه حاليا).

وفي تلك الفترة اتهم السادات برفع حذائه على عز في جلسة رسمية بقاعة البرلمان. وظل يدعو طيلة العقد الماضي الرئيس السابق للتدخل لإنقاذ مصر من الفساد، قبل وقوع كارثة وهو ما حدث في نهاية المطاف. وقال في آخر تعليقاته على الأحوال التي تمر بها مصر حاليا، في ندوة أول من أمس، إن القيادات الجديدة التي تسعى لحكم مصر نسخ «ملتحية» من قيادات حزب مبارك، في إشارة إلى جماعات الإسلام السياسي.