عبدالإله بن كيران.. رجل الزوابع والعواصف يمشي نحو الحواف الأكثر وعورة

«العدالة والتنمية» حزب إسلامي مغربي «بمذاق» تركي يطمح في المرتبة الأولى

بن كيران
TT

هذا الرجل ما إن يتحدث حتى يثير الزوابع، وتبدأ العواصف هبوبها. بعض الناس يعتقدون أنه يمتلك الجرأة والصراحة ليقول الكثير، آخرون يظنون أن الأفكار تقفز مباشرة إلى لسانه، يقولها دون أن يكترث، وهو ما يسبب له ولحزبه بعض المتاعب.

مواهب عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الخطابية، تتجلى إذا وقف يخطب في مكان مفتوح، أو كان طرفا في حوار مباشر، لكن أداءه داخل قاعة مغلقة يتعثر.

يحرص على أن يقدم نفسه بلا عقد، صريح إذا ناقش، متدفق إذا تكلم، لا يبحث عن الكلمات لكنه يعطيها المعنى الذي يريد، صوته مليء بالتموجات والطبقات ودرجات كثافة عالية أو خافتة، سريعة أو بطيئة. بسبب لغته الخشنة أحيانا، يبدو حازما أكثر مما ينبغي، وهو كمن يدعو «إلى الجنة بعصا غليظة» كما يقول المثل.

تأسس حزب العدالة والتنمية من خلال تجربة غير مسبوقة في تأسيس الأحزاب، إذ إن الأحزاب المغربية إما انبثقت من سنوات الكفاح قبل الاستقلال، أو نتيجة انشقاقات أفقية وعمودية داخل الأحزاب، أو هي مبادرات شخصيات تلقفت إشارات من أعلى لتأسيس حزب. عندما واجه حزب العدالة والتنمية صعوبات في عهد الملك الحسن الثاني، بعد رفض طلب «حركة الإصلاح والتجديد» تأسيس حزب إسلامي، لجأ بن كيران ومجموعته عام 1992 إلى الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب، الذي كان يقود حزبا مجمدا هو «الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية» على أساس إحياء الحزب و«إغراقه» بالإسلاميين، وقبل الخطيب ذلك بشرط أن يقبل «الإسلاميون» الملكية الدستورية، وينبذوا العنف، خاصة أن مجموعة «الشبيبة الإسلامية» التي كانت تشكل النواة الصلبة وسطهم، كانت تطاردها الاعتقالات والاتهامات بأن لها علاقة بعملية اغتيال السياسي الاشتراكي عمر بن جلون في الدار البيضاء عام 1975. في عام 1996 عقد حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية مؤتمرا استثنائيا جعل قيادات من الإسلاميين، تصل إلى القيادة. يومها كتبت الكثير من الصحف المحلية أن الخطيب تعمد «تأجير» حزبه للإسلاميين.

وكان من نتائج الشرعية التي اكتسبها «الإسلاميون» عبر حزب الخطيب، أن خاضوا انتخابات عام 1997، وأصبحت لهم مجموعة برلمانية في مجلس النواب. وخلال فترة وجيزة أصبح للحزب حضور لافت على الساحة. وعلى الرغم من أن الحزب في مرجعيته، كان يعتمد مثل «الإسلاميين» في مصر والسودان وتونس وسوريا، على كتابات سيد قطب وأبي الأعلى المودودي وكتابه الصغير «المصطلحات الأربعة»، التي تتحدث عن «الدولة الإسلامية» كرد فعل على «الدولة الاستعمارية»، فإنهم عادة ما يتجنبون الجدال مع المفكرين الذين يقولون إن «الدولة الدينية» غير ممكنة، دينا وعقلا، لأن المفهوم نفسه متناقض في جوهره وغير ممكن من الناحية العملية، كما أنها غير معروفة على مدى التاريخ الإسلامي.

وبالمقابل، دأب الحزب على إرسال إشارات إلى أنه أقرب ما يكون إلى «التجربة التركية» لكن عبد الإله بن كيران يقول في هذا الصدد: «النظامان في المغرب وتركيا مختلفان، وحتى الحزبان مختلفان. وبالنسبة إلى الاسم نحن الذين سبقنا إليه وهم أخذوه عنا، لكن لا شك أن (العدالة والتنمية) في تركيا اليوم هو نموذج من العيار الثقيل، بيد أنه يشتغل في دولة علمانية، ونحن نشتغل في دولة إسلامية ملكية، فإذا كان دورهم هو محاولة تصحيح إشكالية الهوية في إطار العلمانية، فنحن دورنا هو الحفاظ على مكتسبات الهوية في دولة إسلامية، الحزبان يوجدان في وضعية مختلفة تماما، ولكن هذا لا يمنعنا من تقديرهم غاية التقدير، والاعتراف بأنهم على المستوى التركي والدولي يقومون بدور رائد جدا».

إذن بن كيران لا يريد أن ينسب تجربتهم إلى «النموذج التركي» لكنه لا يخفي إعجابه به.

كانت من أصعب الفترات على حزب العدالة والتنمية تلك التي تلت تفجيرات الدار البيضاء، والتي نفذها أصوليون متطرفون في مايو (أيار) 2003، عقب تلك الأحداث فكرت الدولة في حل الحزب، متهمة إياه بأنه أشاع أجواء من التشدد أدت إلى تلك الأحداث، بل إن خصومه حملوه مسؤولية معنوية، على الرغم من أنه بادر إلى إدانة تلك الأحداث التي استهدفت أمكنة سياحية وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. هزت عواصف تلك الأحداث الحزب لكنها لم تقتلع مضاربه، واضطر «العدالة والتنمية» أن ينحني للحكومة ويقبل قانون الإرهاب. في يوليو (تموز) 2008 انتخب عبد الإله بن كيران أمينا عاما للحزب خلفا للدكتور سعد الدين العثماني المهادن، ومنذ ذلك الوقت وضع بن كيران نصب عينيه أن يجعل من «العدالة والتنمية» قوى سياسية كاسحة. ثم كان أن اتخذ مبادرات نالت تقديرا، من ذلك رفضه المشاركة في الاحتجاجات التي انطلقت في 20 فبراير (شباط)، وهو يحرص على تجنب أي مواجهة مع الدولة، أو الزحف نحو الفراغات التي تركتها الأحزاب التقليدية.

منذ أن أعلن عن إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، تحرك «العدالة والتنمية» من أجل الحصول على المرتبة الأولى، ونأى بنفسه عن أي تحالفات مع أحزاب أخرى. يعتقد عبد الإله بن كيران أنهم سيحصلون على 90 مقعدا في مجلس النواب، وإذا صدقت هذه التوقعات، فإن الطريق سيكون قد بات مفتوحا أمامه لتشكيل أول حكومة إسلاميين في المغرب، مع تحفظ أساسي وهو أن الدستور يمنح الملك حق تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يحتل المرتبة الأولى، وليس بالضرورة أن يكون الأمين العام.

الصفات الشخصية لهذا الرجل، الذي درس في مدرسة «مولاي يوسف» في الرباط وهي مدرسة للمتفوقين، ثم الفيزياء في كلية العلوم، تجعله أقرب ما يكون إلى «قيادي حزبي» بشخصية كاريزماتية، لكنه ليس «رجل دولة» بالمواصفات المفترضة في رجال الدولة.

من ميزات بن كيران أنه يمشي مع مفترق الطرق إلى الحواف الأكثر وعورة. وهذه تصلح لقيادة حزب، لكنها ربما لا تكون ملائمة لقيادة فريق حكومي. وهو صدامي في حواراته، و«رجال الدولة» يحتم عليهم الموقع أن يقولوا في كثير من الأحيان «كلاما لا يقول شيئا».

هو حركة لا تهدأ ولا تستكين، و«رجل الدولة» يفترض أن يتحدث أحسن مما يخطب، يتمتع بفن المفاوضة أكثر من موهبة الخطابة، يعتمد البراعة الشخصية ليمرر الحلول والتسويات، يتقدم خطوة إلى الأمام دون أن تحس بحركته، يجيد اللغة المتعرجة والملتوية بدلا من الخطاب الصريح والمباشر. يملك كفاءة التعامل مع الطوارئ والمفاجآت وملء الثغرات والفجوات واستيعاب الهزات والصدمات.

لا يرتدي عبد الإله بن كيران ربطة عنق، وجه مستطيل، بشارب خفيف ولحية بيضاء ليست كثة. نبرات صوته قوية. لطيف المعشر حين يريد. من مواليد 1954، التحق بالشبيبة الإسلامية عام 1976، يعتمد على مدرستين خاصتين لإعاشة أسرته. أبقى دائما حياته الشخصية بعيدا عن فضول الصحافيين. له علاقات واسعة مع الوسط الإعلامي إذ سبق له أن كان ناشرا لصحيفتين. يجوب المغرب حاليا ويدعو الناخبين للتصويت لصالح حزب العدالة والتنمية الذي يرفع شعار «صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد».

هل ستستدعي «التشريفات الملكية» عبد الإله بن كيران بعد يوم الجمعة المقبل للقاء ملك البلاد؟

في السبعينات كان يطارده «أصحاب القرار» باعتباره عضوا في منظمة محظورة، وبعد عقد من بداية القرن، ربما يستدعيه «أصحاب القرار» لأمر مختلف تماما.