إسبانيا تبدل لونها السياسي تحت ضغط الأزمة

انتخابات عامة تتجه لإعادة اليمين إلى الحكم بمفرده وتعزيز حصة أحزاب صغرى

إسبان يختارون مرشحيهم قبل الإدلاء بأصواتهم في مدريد أمس (أ.ب)
TT

انتخبت إسبانيا أمس برلمانا يفترض أن تهيمن عليه أغلبية مطلقة من اليمين المستفيد من الاستياء الذي يعم البلاد بسبب أزمة خلفت في سياقها نحو خمسة ملايين عاطل عن العمل وأطاحت بعدة حكومات أوروبية. ودعي 36 مليون ناخب لتجديد نواب مجلسي البرلمان، صوتوا، حسبما توقعت الاستطلاعات مسبقا، بطريقة عقابية للحكومة الاشتراكية التي تحكم البلاد منذ 2004، بسبب سياستها التقشفية.

وعنونت «البايس» (يسار الوسط) أكبر صحف البلاد «إسبانيا تقرر من هي الحكومة التي ستواجه إعصار الأزمة». وكتبت صحيفة «آ بي ثي» اليمينية أن «البلاد التي أحبطتها الأزمة تختار بين التغيير والاستمرارية». وأكد محللو مؤسسة بانك - إنتر أن بهذا الاقتراع «تنتهي عملية ليست مكتوبة ولا مخططة لتغيير كل حكومات الاقتصادات الأوروبية التي لم تعد أساسية: اليونان وآيرلندا والبرتغال وإيطاليا إضافة إلى إسبانيا».

وجدد الناخبون أعضاء مجلس النواب الـ350 ومجلس الشيوخ الـ208 لولاية من أربع سنوات في اقتراع نسبي. وسيكون بإمكان الحزب الشعبي أكبر حزب معارض حاليا، في حال فوزه المترقب بالأغلبية المطلقة، أن يحكم البلاد بمفرده من دون تحالف مع الأحزاب الإقليمية، خلافا لما كان عليه الحال بالنسبة للاشتراكيين. وعلى الرغم من أنه لا يتمتع بحضور قوي، يفترض أن يقود ماريانو راخوي (56 عاما) الحكومة المقبلة بعد حملة انتخابية لم تكن مثيرة للاهتمام ولم تترك أي فرصة للمرشح الاشتراكي ألفيردو بيريث روبلكابا (60 سنة) وزير الداخلية السابق في حكومة خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو. وفي مؤشر عن فقدان الناخبين الثقة في الأحزاب الكبرى توقعت الاستطلاعات أن حزب ايثكييردا أونيدا قفزة، وهو الذي يمثله الآن نائبان، قد يفوز بثمانية مقاعد.

وبدأ ناخبو مدريد يصلون إلى مراكز الاقتراع تحت المطر صباح أمس. وفي حي كارابنتشيل الشعبي قال بلاس مارتين غارثيا (74 سنة) إنه لم يفوت أي اقتراع منذ إحلال الديمقراطية في إسبانيا وإنه كان «دائما يصوت على النواب أنفسهم» من الحزب الشعبي. وأضاف «على الأقل معهم آمل أن تتغير الأمور»، قبل أن يقلل من تفاؤله ويقول «ربما بعد سنة أو سنتين وليس قبل ذلك لأن الأزمة عميقة جدا». لكن ناخبين آخرين بدوا متشائمين من الجميع. وقال خوسيه باسكويث (45 عاما)، الذي كان من بين من أدلوا بأصواتهم مبكرا في العاصمة أيضا: «بصفتي موظفا حكوميا لست متفائلا بشأن (الانتخابات) لأننا بالفعل نرى التخفيضات مقبلة. نستطيع اختيار المرق الذي سيطهوننا فيه لكننا سنُطهى».

وسيضطر رئيس الحكومة الجديد أن يتحرك بسرعة تحت ضغط قوي من الأسواق المالية، في محاولة للنهوض بالاقتصاد المهدد بالانكماش، لكن الإجراءات التقشفية التي تلوح في الأفق قد تؤجج الاستياء الاجتماعي المنتشر في البلاد، لكن لا يتوقع أن يتم تطبيق الإصلاحات الأولى إلا بعد تنصيب مجلسي البرلمان في 13 ديسمبر (كانون الأول) المقبل ورئيس الحكومة اعتبارا من العشرين من الشهر نفسه. ولم يستطع الاشتراكيون الذين تولوا السلطة عندما كان النمو الاقتصادي مدفوعا بالانتعاش العقاري، مقاومة الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في خريف 2008.

ويخضع الإسبان منذ مايو (أيار) الماضي لسياسة تقشف تتضمن خفض 5 في المائة من رواتب الموظفين وتجميد معاشات التقاعد وتأخير سن التقاعد من 65 إلى 67 سنة، وهو ما أدى إلى استياء من سياسة الحكومة التي اضطرت في النهاية إلى الموافقة على إجراء انتخابات مبكرة قبل أربعة أشهر من موعدها. ولزمت حركة «الغاضبين»، التي نشأت الربيع الماضي من اندفاعة شعبية غير مسبوقة في إسبانيا ردا على الأزمة، الصمت لكنها استمرت في التحرك ضد طرد مالكي المنازل الذين يرزحون تحت الديون. وتجمع بضع مئات من «الغاضبين» في مدريد وبرشلونة منذ مساء الجمعة لإحياء «يوم التفكير» عشية الانتخابات على طريقتهم الخاصة.

لكن الاستياء مستمر في حين بات الكثير من الإسبان يفكرون كيف يصلون إلى نهاية الشهر. وفي هذه الأجواء الحزينة يبدو أن الكثير من الناخبين محبطون أكثر منهم عشية الاقتراع لا سيما أن الآفاق تبدو قاتمة جدا، حيث بلغت نسبة البطالة 21.52 في المائة، وهي أعلى نسبة بين الدول المصنعة.