مسؤول أميركي: كلما تمسك الأسد بالسلطة ستمتد الهجمات الطائفية

مخاوف من يوغسلافيا ثانية.. وسكان: الجيش لم ينسحب بل أعاد طلاء المدرعات بالأزرق لتبدو تابعة للشرطة

TT

وفي الوقت الذي تتجه فيه حمص نحو كراهية بين الطوائف، بدت مؤشرا يوضح ما يمكن أن يكون عليه شكل الحرب الأهلية المحتملة في سوريا، حيث يقول بعض حلفاء سوريا إنها تسير في هذا الاتجاه. ووصف متحدث باسم المعارضة السورية الأسبوع الماضي عمليات القتل والخطف التي ترتكب من قبل الطرفين بأنها «خطر يهدد الثورة». وأوضح مسؤول أميركي أن الصراع في حمص «يعيد إلى الأذهان ما حدث في يوغسلافيا» التي استخدم فيها مصطلح «التطهير العرقي» للمرة الأولى في التسعينات. وقال أحد المسؤولين في إدارة أوباما في واشنطن: «شهدنا خلال الأسبوعين الماضيين هجمات طائفية قبيحة. وكلما تمسك الرئيس بشار الأسد ببقائه في السلطة، سيمتد ما نشهده في حمص إلى باقي أنحاء سوريا». ومنذ بداية الانتفاضة قبل ثمانية أشهر، كانت حمص محور التحدي الكبير لحكم بشار الأسد الذي ظل لمدة 11 عاما، وكانت مسرح بعض المظاهرات الكبرى في البلاد، وسرعان ما لجأ المتمردون إلى الأحياء المتمردة. وحاولت قوات الأمن الشهر الحالي استعادة المدينة من خلال عمليات قمع وتنكيل دموية مستمرة. وتعد حمص ثالث أكبر مدينة وتجمع خليطا من الطوائف المختلفة مما يجعلها نموذجا مصغرا لسوريا ككل. وأكثر سكان المدينة من السنة، فضلا عن بعض الأقلية من المسيحيين والعلويين الذي ينتمي إليهم بشار الأسد ويستمد منهم قوته. رغم دعم العلويين للانتفاضة، واستمرار دعم بعض السنة للنظام، فإن الطائفتين اتخذتا طرفي النقيض في الثورة.

ولم تشهد المدينة صراعات كثيرة بين منشقين مسلحين وقوات الأمن الموالية للنظام أو محتجين يقاومون الهجمات الأمنية، بل دفع الصراع في حمص الطائفتين إلى معركة يخشاها السكان حتى وإن اتهموا النظام بمحاولة إثارة الفتنة لتقسيم الشعب والسيطرة عليه. لقد بات الخوف واضحا، على حد قول أهل المدينة، حيث يرتدي العلويون صلبانا حتى لا يختطفوا أو يقتلوا عند المرور في حي أكثرية سكانه من السنة، حيث تتكدس أكوام القمامة دلالة على اضطراب المدينة.

وقال قسيس سوري يقيم في لبنان، لكن يتمتع بعلاقات طيبة مع سكان حمص خاصة المسيحيين: «من المؤسف أن نصل إلى هذه المرحلة». وكانت حمص تعاني خلال الأسابيع الماضية من هجمات أمنية حثيثة في محاولة من النظام للسيطرة على المدينة. وقتل عدد كبير في هذه الهجمات، لكن قال أحد المسؤولين الأميركيين إن إدارة أوباما تعتقد أن النظام سحب بعض قواته بموجب مبادرة جامعة الدول العربية لإنهاء العنف. لكن كان للسكان رواية أخرى، حيث قال كثير منهم إن النظام أعاد طلاء الدبابات والعربات المدرعة باللون الأزرق وأعاد نشرها وكأنها تابعة لقوات الشرطة، بينما تستمر في القيام بالعمليات القمعية نفسها. ويقول أبو الحين، ناشط يبلغ من العمر 40 عاما: «يريد النظام القول للمراقبين العرب إن قوات الشرطة، لا قوات الجيش أو رجال الأمن، هي التي تواجه المتظاهرين». ووافقت سوريا يوم الجمعة على مبادرة جامعة الدول العربية التي تقضي بإرسال أكثر من 500 مراقب للإشراف على تنفيذ المبادرة، لكنها طلبت إدخال بعض التغييرات على المبادرة، وهو ما رفضه وزراء خارجية الدول الأعضاء أمس. وقال نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية: «إنهم يحاولون تغيير ما تم بالفعل التوافق عليه»، مشيرا إلى أن الدول العربية لا تقبل ذلك. وحاولت دمشق تغيير عدة شروط؛ منها تحديد الأشخاص الذين يتم اختيارهم ليكونوا مراقبين مستقلين. وإن لم تبد سوريا أي مؤشر على استجابتها لتنفيذ المبادرة التي تتضمن الوقف الفوري لأعمال العنف وسحب قوات الأمن من المدن، فسوف يعقد وزراء خارجية دول الجامعة العربية اجتماعا لتحديد الخطوة المقبلة، على حد قول الأمين العام للجامعة.

وتعد هذه هي ثاني مهلة تمنح للنظام بعد يوم الأربعاء الماضي. وصرحت الجامعة العربية بأنها سوف تفكر في فرض عقوبات سياسية واقتصادية أخرى ما لم يغير النظام موقفه. وحتى مع تراجع عدد القتلى في حمص خلال الأيام القليلة الماضية، يبدو أن الصراع الطائفي اكتسب زخما أكبر من محاولات السنة والعلويين لوضع حد له. وأشار أحد النشطاء السنة البارزون الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن «الشبيحة» هم من يؤججون الفتنة داخل حمص. وقال: «هناك شبيحة من الجانبين». وحمل النظام مسؤولية إثارة الاضطرابات الطائفية، لكنه أضاف: «أشعر بالاشمئزاز مما حدث في سوريا، وأخشى مما قد يحدث في المستقبل».

محمد صالح، من سكان الحمص العلويين يبلغ من العمر 54 عاما وهو شيوعي وكان من المعتقلين السياسيين، حيث قضى 12 عاما في المعتقل قبل أن يتم إطلاق سراحه عام 2000، وقال في مقابلة إن متمردين أوقفوا شاحنة صغيرة تحمل عمالا في مصنع، ومنعوهم من العبور الأحد قبل الماضي، وطلبوا من المسيحيين والسنة الترجل من الشاحنة، ثم خطفوا 17 من العلويين. وخرجت الأسر العلوية غاضبة للتظاهر في الشوارع ونفذت عمليات خطف عشوائية للسنة بعد أن اطلعوا على بطاقات هويتهم. وقال: «إنهم يعرفون الطائفة التي تنتمي إليها من خلال اسم العائلة». وطلبت منه عائلات من الجانبين التدخل، وبعد أيام من المفاوضات تمت أحيانا من خلال مكالمات مع مغتربين سوريين، نجح في إطلاق سراح الـ36 شخص الذين خطفوا في تلك الواقعة التي حدث في الرابعة صباحا من يوم الجمعة، لكنه قال إن هناك آخرين لا يزالوا مفقودين.

وقال: «أنا ضد النظام، لكنني أنتقد بعض الثوار. نحن ضد النظام ونريد سقوطه، لكن الثوار بحاجة إلى تقديم بديل أفضل. إذا قدمت المعارضة نموذجا مماثلا للنظام، سيكون الأمر خطيرا». وليس صالح الوحيد الذي يحاول الحيلولة دون الانجراف في هذا التيار، حيث انضم إليه آخرون من السنة والعلويين في مجموعة أطلقت على نفسها اسم «لجنة التضامن الشعبية» التي تسعى إلى وأد الفتنة ووضع حد للتوتر. وزارت فدوى سليمان، وهي ممثلة من طائفة العلويين من حلب، مدينة حمص في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) تعبيرا عن تضامنها مع المتظاهرين في المدينة المحاصرة. مع ذلك، تبدو أعمال العنف باهتة أمام التنكيل الأمني الذي يمارسه النظام، الذي تقول عنه الأمم المتحدة إنه أسفر عن مقتل ما يزيد على 3.500. مع ذلك، تحدث كثير من أهل حمص خلال مقابلات عن تمزق النسيج الاجتماعي في المدينة. وأضرمت قوات شبه عسكرية من الجانبين النيران في منازل ومتاجر، على حد قولهم. واضطر سكان المدينة من العلويين إلى الهروب إلى قراهم. وازدادت وتيرة عمليات الخطف التي تكون أكثرها عشوائية. من الصعب التكهن بعدد المخطوفين، لكنه عدد كبير. يقول أهل المدينة إنه يتم استغلال بعض المخطوفين أحيانا كأوراق ضغط، لكن ليس دائما. وقال ناشط من حي الزهراء في حمص الذي أكثر سكانه من العلويين: «لقد تم اختطاف ابن عمي وكان من العلويين المدنيين وتم العثور على جثته مقطوعة الرأس».

وقال ناشط، اختار لنفسه اسما مستعارا هو «أبو علي»، إن أقاربه يرسلون رسائل نصية بعضهم لبعض بأرقام لوحات سيارات الأجرة التي يستقلونها، ويتصلون بعضهم ببعض هاتفيا لدى وصولهم. وقال إن أخيه، الذي يعمل سائق تاكسي، لم يعد قادرا على القيادة في الشوارع. وأوضح ناشط سني آخر في حمص أن الصراع ليس كبيرا كما يروج، حيث قال إن عمليات خطف العلويين لا تتم سوى في إطار عمليات انتقام.

* خدمة «نيويورك تايمز»