مسؤولون أميركيون: إيران زودت ليبيا بقذائف للأسلحة الكيماوية

مستشار المرشد الأعلى الإيراني ينفي.. ويتهم واشنطن بـ«التلفيق»

TT

قال مسؤولون أميركيون إن إدارة أوباما تقوم بالتحقيق فيما إذا كانت إيران قد زودت حكومة معمر القذافي الليبية بالمئات من قذائف المدفعية المخصصة للاستخدام كأسلحة كيماوية، التي أبقتها ليبيا طي الكتمان لعقود.

وقال مسؤولون أميركيون وليبيون إنه قد تم الكشف عن القذائف، التي ملأتها ليبيا بغاز الخردل السام جدا، في الأسابيع الأخيرة من قبل مقاتلي الثورة في موقعين في قلب ليبيا. وقد تم وضع كليهما تحت حراسة مشددة، وإخضاعهما لرقابة على مدار الساعة من قبل طائرات استطلاع أميركية من دون طيار.

وقد أدى اكتشاف القذائف إلى إجراء تحقيق، تحت قيادة الاستخبارات الأميركية، في كيفية حصول الليبيين عليها، حيث قالت عدة مصادر إنه قد تم الاشتباه في إيران منذ البداية.

وقال مسؤول أميركي كبير، وهو واحدا من العديدين الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم نظرا لحساسية هذا الاتهام: «إننا واثقون تماما من أن إيران قد أنتجت القذائف وصممتها خصيصا لليبيا».

وأكد مسؤول أميركي آخر من المطلعين على المعلومات السرية، على أنه كانت هناك «مخاوف جدية» قبل بضع سنوات من أن تكون إيران قد قامت بإمداد ليبيا بهذه القذائف. وقد قدم مفتشو الأمم المتحدة في الأسابيع الأخيرة معلومات جديدة تشير إلى أن إيران لديها القدرة على تطوير قنبلة نووية، وهي تهمة نفاها المسؤولون الإيرانيون منذ وقت طويل. وقد تؤدي الأدلة المؤكدة على قيام إيران بتوفير القذائف المتخصصة إلى تفاقم التوترات الدولية حول سعي إيران المزعوم لإنتاج أسلحة دمار شامل.

ونفى محمد جواد لاريجاني، وهو مستشار المرشد الأعلى الإيراني وشقيق المفاوض الإيراني السابق بشأن القضايا النووية، الادعاء، قائلا في رسالة عبر البريد الإلكتروني: «أعتقد أنه يجري تلفيق مثل هذه التعليقات من جانب الولايات المتحدة لإكمال مشروعهم الخاص بخلق نوع من الفوبيا الإيرانية في المنطقة وجميع أنحاء العالم. ومن المؤكد أن هذه قصة أخرى لا أساس لها من الصحة لتشويه صورة جمهورية إيران الإسلامية».

ويعد وجود هذا المخزون من القذائف مخالفا للوعود التي أعطاها القذافي في عام 2004 للولايات المتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة، بإعلانه عن بدء تدمير جميع الأسلحة الكيميائية في ليبيا، كما أنه يثير تساؤلات جديدة حول قدرة دول العالم على ضمان تنفيذ مثل هذه التعهدات في المجتمعات المغلقة.

وقال مسؤول أميركي ثالث إن حكومة القذافي كانت «تخبئ أشياء غير آمنة، ولم يكن العالم يعرف شيئا عن ذلك، حيث لم يكن هناك أي أختام أو قوائم جرد» من قبل المفتشين الدوليين.

وقد شعر بعض القوى الأجنبية وكذلك الثوار الليبيون خلال النزاعات الأهلية الأخيرة بالقلق من أن القذافي قد يقوم باستخدام أسلحة كيماوية، ولكنهم كانوا يعلمون فقط بوجود مخزون كبير، تم الإعلان عنه سابقا، من غاز الخردل في موقع صحراوي ناء، ولم يكونوا يعلمون بوجود قذائف معبأة به التي تشكل تهديدا أكبر بكثير.

وهذا المخزون الذي تم اكتشافه حديثا بحاجة إلى الحماية من السرقة من قبل الميليشيات في البلاد غير المستقرة سياسيا، أو غيرها من الجماعات، حيث تشكل عملية التخلص من الذخائر تحديا إضافيا للحكومة الليبية الجديدة والقوى المتحالفة مع الغرب، لأن القذائف المملوءة بالمواد الكيماوية لا يمكن نقلها بسهولة، كما أنها قد تستغرق وفقا لبعض التقديرات نحو سنة لتدميرها في مكانها.

وقد أشار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى الاكتشاف في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء الماضي، قائلا: «لقد نما إلى علمنا في الأيام القليلة الماضية أن السلطات الليبية الجديدة قد عثرت على أسلحة كيماوية كانت مخفية عن العالم». وكان مسؤول أميركي كبير في البيت الأبيض قد سمع لأول مرة في سبتمبر (أيلول) الماضي عن وجود قذائف كيماوية في مستودعات لتخزين الأسلحة في الصحراء، التي قال آخرون إنها بالتحديد في مدينتي سبها وهون.

وقال مسؤول أميركي إن إيران ربما تكون قد باعت القذائف إلى ليبيا بعد انتهاء حرب الثماني سنوات مع العراق، التي استخدام فيها العراقيون الخردل وغازات الأعصاب ضد عشرات الآلاف من القوات الإيرانية.

وقال مسؤول أميركي آخر: «لقد تم الحصول على هذا المخزون من القذائف الكيماوية وتجميعه على مدى سنوات عديدة» من قبل الليبيين. وقد صادقت إيران على الاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية في أواخر عام 1997، وحذت ليبيا حذوها في عام 2004، وقالت إنها ستتخلى عن هذه الأسلحة لأنها «غير إنسانية»، ولكنها اعترفت في بيان لاحق للمفتشين - لم يكشف عنه من قبل - بصنع 2500 طن من غاز الخردل قرب نهاية حربها مع العراق، وإنها قامت بعد ذلك بإنهاء ذلك البرنامج.

وقد أكد محللو البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية إن إيران قد أطلقت قذائف مدفعية كيماوية على القوات العراقية في عام 1988، وهو ما أكدته وثائق سرية للحكومة العراقية تم الحصول عليها بعد سقوط بغداد في عام 2003. حيث وصف خطاب مختوم بعبارة «سرى للغاية»، كان مدير الاستخبارات العسكرية في العراق قد كتبة في عام 1987، قيام إيران بثلاث هجمات بالأسلحة الكيماوية، وحاول مدير الاستخبارات في خطابة تقييم ما بدا أنه اهتمام إيراني متزايد بغاز الخردل، حيث أنهى الرسالة بقولة: «إن العدو لدية قنابل/ قذائف كيماوية». ويعد هذا الخطاب جزءا من المحفوظات التي حصل عليها مركز أبحاث وثائق الصراع في جامعة الدفاع الوطني. وذكر الخطاب أن إيران ربما كانت تتلقى مساعدات من قوة أجنبية للحصول على المواد الكيماوية التي تملأ بها ذخائرها، وأنها كانت تحاول «بشتى الوسائل الوصول إلى مرحلة متقدمة في إنتاج الأسلحة الكيماوية».

وذكر مدير المخابرات القومية الأميركية في تقرير غير مصنف إلى الكونغرس هذا العام: «إيران قد حافظت على قدرتها على إنتاج الأسلحة الكيماوية.. وهي قادرة على ملء الأنواع المختلفة من الذخائر الحربية بالمواد المستخدمة في صنع الأسلحة الكيماوية». وتتضمن هذه الذخائر قذائف المدفعية، وفقا لما ذكره مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون.

ومن غير الواضح مدى التزام إيران بالإبلاغ عن قيامها بأي عملية لنقل هذه القذائف، حيث تنص الاتفاقية على الإعلان عن نقل أو تلقي هذه الذخائر المصممة خصيصا للاستخدام مع غاز الخردل وغيره من المواد والغازات الكيميائية السامة المماثلة، ولكنها لا تشترط الإبلاغ عن الذخائر «ذات الاستخدام المزدوج»، التي يمكن ملئها بمتفجرات تقليدية أو كيماوية. وقالت الحكومة الليبية الجديدة إن قواتها قد اكتشفت المخزون، ولكنها لم توضح ما إذا كانوا قد تلقوا مساعدة في البداية من المتخصصين التابعين للولايات المتحدة وحلفائها أم لا.

وقال إبراهيم الدباشي، ممثل ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، في إحدى المقابلات التي أجرها: «الثوار كانوا قد ذهبوا لمعرفة ما إذا كان هناك أي أسلحة أو أي شخص يقاتل من أجل القذافي، وهكذا كانوا يفتشون كل مكان في الصحراء، حتى اكتشفوا وجود شيء غير مألوف».

وقد قام الخبراء العسكريون والاستخباراتيون الأميركيون منذ ذلك الحين بفحص هذه القذائف لمعرفة طبيعتها ومنشئها وحالتها الراهنة ومساعدة ليبيا في إعداد إعلان رسمي جديد عنها لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهي الوكالة التي تعمل على تنفيذ معاهدة عام 1997 الخاصة بحظر إنتاج وتخزين واستخدام مثل هذه الأسلحة.

وذكر أربعة أميركيين ومصادر دبلوماسية أن تلك القذائف اشتملت على غاز الخردل، وهو سائل يتم امتصاصه سريعا ويسبب حروقا شديدة ويلحق ضررا بالجهاز التنفسي. ولا يدرك الضحايا تعرضهم له لساعات عديدة، لكنهم يعانون بعد ذلك من مشكلات عديدة في التنفس وتورم العينين كما يتسبب هذا الغاز في ظهور بثور على نطاق واسع وغثيان وقيء وإسهال، كذلك فقد تسبب، في العديد من الحالات، في فقدان البصر أو الموت. وما من دواء أو علاج لهذا الغاز، وقد يستغرق علاجه أشهرا من الرعاية الطبية الماهرة.

وافقت ليبيا عام 2003، تحت ضغط متواصل من الولايات المتحدة وبريطانيا، على وقف جميع أنشطتها الخاصة بتصنيع أسلحة الدمار الشامل والسماح بتفتيش دولي وأميركي لمخزون غاز الخردل والغازات المثيرة للأعصاب المعلن عنها. وقد تعاونت ليبيا «بشكل تام وبشفافية»، بحسب توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني حينئذ، أثناء اجتماعه مع القذافي خارج العاصمة الليبية، طرابلس، في مارس (آذار) 2004.

لكن ليبيا اعترفت بتصنيع قنابل جوية، وليس قذائف مدفعية، كما راقب مسؤولون أميركيون قيام ليبيين بتدمير بعض أغلفة القنابل باستخدام البلدوزارات وتفجير صواعقها في الصحراء. وقد دمر الليبيون ما يزيد على 3500 قذيفة مدفعية، بحسب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

وقال دونالد ماهلي، عقيد سابق في الجيش ووكيل مساعد وزير الخارجية للحد من المخاطر الذي ترأس جهود أميركا للتخلص من برنامج أسلحة الدمار الشامل في ليبيا: «لقد بحثنا بعناية عام 2004، ولم نجد أي دليل على أنهم قادرون على تصنيع قذائف مدفعية كيميائية». ويعد إتقان تصميم قذائف مدفعية ممتلئة بالسائل ودقيقة أكثر صعوبة من تصنيع غاز الخردل نفسه.

كذلك قال إن هذا الاكتشاف يوضح أن «علينا أن نفكر بجدية بشأن إيجاد مفتشين يتمتعون بمجموعة مختلفة من المهارات، ويقومون بمشاركة المعلومات الاستخباراتية ويبحثون على نطاق أوسع، وليس في المواقع المعلن عنها فقط». وبموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، فقد اقتصرت عمليات الفحص الدوري على التأكد مما تعترف به كل دولة فقط؛ ولم يتم طرح أي بند يسمح بظهور عمليات تفتيش غير مكتملة للمواقع غير المعلنة، بناء على طلب من أي دولة وقعت على الاتفاقية.

وقد ادعت ليبيا عام 2004، أنها قامت بنقل جميع أسلحة الخردل، الذي سمي بهذا الاسم نظرا للشوائب التي جعلت رائحته تشبه رائحة نبات الخردل، من مواقع التخزين في ضواحي العاصمة إلى منطقة الرغاوة، وهي قرية صحراوية تبعد 250 ميلا عن طرابلس. وكان هناك نحو عشرة أطنان من الخردل المخزن في ست علب ضخمة هناك، وهو ما يبلغ نصف الترسانة التي أعلن عنها القذافي. وعلى الرغم من أن منشأة التحييد الإيطالية الصنع الموجودة هناك كانت غير نشطة خلال الصراعات المسلحة التي حدثت هذا العام، فإن طائرة عسكرية ألمانية قامت بنقل مفتشين دوليين إلى الموقع في أواخر الشهر الماضي، حيث أكدوا أنه ما من شيء مفقود، بحسب مصادر دبلوماسية. وقد رفضت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التعليق مباشرة على عدم قدرتها على إيجاد المواقع المخبأة. وقال مايكل لوهان، متحدث باسم منظمة حظر الأسلحة الكيميائية: «سيكشف المفتشون قريبا ما إذا كانت تلك المواقع تحتوي على مواد كان ينبغي الإعلان عنها في وقت سابق أم لا، وقد أخبرتنا السلطات الليبية أنها تستعد لإعلان وصف تفصيلي لمحتويات تلك الواقع، وعندما تقوم بذلك سيقوم مفتشونا بزيارة ليبيا للتأكد من تلك المحتويات المخزنة. وحتى يأتي هذا الوقت، لا يمكننا التعليق أو التنبؤ بالنتائج».

* ساهم كولوم لينش في التقرير من الأمم المتحدة، كما ساهمت أليس فوردهام في إعداد هذا التقرير من طرابلس، وجيفري سميث مدير تحرير «قضايا الأمن القومي» بمركز النزاهة العامة (منظمة غير هادفة للربح وغير حزبية تقوم بنشر تحقيقات صحافية أصلية عن قضايا ذات اهتمام عام)

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»