التهامي الخياري.. شخص لا يهدأ.. يحدث ضجيجا أيا كان موقعه

«جبهة القوى الديمقراطية» طرحت مشروعا طموحا لمحو أمية المغاربة خلال 5 سنوات

التهامي الخياري (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

اتخذ حزب جبهة القوى الديمقراطية منذ أن بدأت «حركة الإصلاحات» في المغرب 3 مبادرات. في يوليو (تموز) الماضي دعا الحزب إلى انتخابات سابقة لأوانها. يومها قال التهامي الخياري الأمين العام للحزب «كنا دائما نقول إن الحكومة الحالية لن تصل إلى عام 2012، لأنها ضعيفة، وليست في المستوى المطلوب، المغرب تغير، والحكومة يجب أن تؤدي الثمن».

المبادرة الثانية تمثلت في معارضته الشديدة لظاهرة انتقال النواب البرلمانين من حزب إلى آخر، وهي الظاهرة التي يطلق عليها في المغرب «الترحال السياسي».

المبادرة الثالثة، فتح الحزب عضويته لأعضاء جدد، حيث وزع في حملة غير مسبوقة 500 ألف بطاقة عضوية جديدة خلال الصيف الماضي. أي أضعاف عضويته الأصلية، إذ أن الحزب كما يقول قادته يضم 70 ألف عضو. وأطلق على تلك المبادرة «الأبواب المفتوحة».

إضافة إلى هذه المبادرات، أعلنت «جبهة القوى الديمقراطية» أن لديها خطة للقضاء على الأمية في المغرب في فترة لا تتعدى 5 سنوات.

ورغم جميع المحطات الصعبة التي مر منها هذا الحزب منذ تأسيسه في عام 1997، حيث عرف انقسامات وخروج بعض عناصره القيادية، استطاع الخياري أن يبقي الوضع تحت السيطرة.

كان التهامي الخياري يتطلع قبل تأسيس حزب جبهة القوى الديمقراطية إلى قيادة حزب التقدم والاشتراكية. وكان منافسه الأساسي هو إسماعيل العلوي. ثمة فرق شاسع بين الرجلين. العلوي شخصية سياسية هادئة، يتجنب الصدام مع الآخرين، ويسعى دائما للوصول إلى تسويات مع الخصوم، وظل شاغله إبقاء الحزب متماسكا، يحسب جيدا قبل أن يخطو إلى الأمام، وإذا اضطرته المتغيرات التراجع إلى الخلف يفعل ذلك بهدوء.

التهامي الخياري ومنذ أن كان عضوا قياديا في «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» لا يحقق نفسه إلا بالتصادم. لا يقبل بأنصاف الحلول يريد كل شيء في كل الوقت. شخص لا يهدأ. يريد أن يتحرك في جميع الاتجاهات. يحدث ضجيجا أيا كان موقعه. يحلق ويهبط، لكنه لا يخمد.

يمارس سياسة شفير الهاوية، إذ أنه يدفع الأمور إلى الحافة ثم يعود من هناك إذا تطلب الأمر ذلك. يدافع عن موقفه بغطرسة وشراسة. إذا كان موقفه ضعيفا، فإن أي تفاوض يعني الابتزاز وإذا كان موقفه قويا اعتبر أي تسوية غير ملائمة. لا يتراجع عندما يكون ضعيفا ولا يتساهل عندما يكون قويا. غيور على صلاحياته ولا يقبل المس بها، وعندما كان وزيرا لم يترك لأحد أن يتدخل في أنشطة الوزارة. عنيد وطموح.

يمتلك حزبه «ماكينة إعلامية» صغيرة، لكنها نشطة، لذلك كثيرا ما تتدفق أخبار «جبهة القوى الديمقراطية» على الصحف، وكثيرا ما تنشر تصريحاته وصوره في الصحف. في بعض الأحيان تبدو شخصيته أكثر حضورا من الحزب الذي يقوده. شخصية فيها لمسة من الوضوح ولمسة من العبوس ولمسة من المرارة. زلق وغامض.

تربى التهامي الخياري، الذي ولد في تازة شرق المغرب عام 1943، منذ نعومة أظفاره داخل الحزب الشيوعي المغربي، الذي غير اسمه مرتين، في أواخر الستينات إلى حزب التحرر والاشتراكية وفي السبعينات إلى حزب التقدم والاشتراكية، وظل الخياري عضوا في المكتب السياسي للحزب من عام 1975 وحتى عام 1997.

عندما صدرت صحيفة «المنعطف» اليومية، كان واضحا أن الخياري قرر أن ينعطف في اتجاه آخر، تاركا الحزب الذي ظل يعمل بداخله لعقود.

لم يكن لوحده الذي سيقرر «الانقسام» طبقا لمصطلح الشيوعيين، بل خرج معه بعض القيادات. وكان اختيارهم أن يبقوا في «خانة اليسار»، لكن برؤية مغايرة. ولأنه اختار صيغة «الجبهة» كان هناك آخرون من توجهات أخرى. عندما تطرح عليه السؤال كيف يصنف الحزب الذي أسسه، يرد بعبارة مبهمة، لكنه يعتقد أنها كافية «الجبهة هي الجبهة».

أشرف التهامي الخياري، بالطاقة التنظيمية، التي اكتسبها عندما كان قياديا في حزب التقدم والاشتراكية على بناء «جبهة القوى الديمقراطية» وجعلها تحقق انتشارا في فترة قياسية في معظم أنحاء المغرب، لكن خصومه يقولون إن جهات داخل الدولة آنذاك، ساعدته. بيد أن الخياري يرد على ذلك قائلا: «منذ أن تأسست الجبهة ونحن نسمع مثل هذه الأكاذيب».

يمتلك التهامي الخياري قدرة على الخطابة، والمفارقة أنه عندما يتحدث بصوت خفيض، يجد من يستمع إليه صعوبة في استيعاب جمله القصيرة.

طويل القامة، عينان لهما بريق، يرصد بهما ما يدور حوله، دون أن يعطيك الإحساس بذلك. بنيته النحيلة تجعله يمشي دائما متعجلا.

يتحدث الفرنسية أفضل من العربية. خلفيته كأستاذ جامعي فرضت عليه أسلوبا خاصا في الحوار، إذ لا بد أن تقبل بكل ما يقوله، ثم بعد ذلك يمكن أن تناقشه. درس أصلا الاقتصاد في جامعة محمد الخامس بالرباط. ثم تابع دراساته العليا في فرنسا، وحصل على الدكتوراه من جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء. وعمل أستاذا جامعيا للعلوم الاقتصادية والاجتماعية في جامعة محمد الخامس ومعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة (كلية الزراعة).

ظل يعتقد أن العلاقات الخارجية للأحزاب المغربية يجب أن تركز على العلاقات المغاربية، واختار أن يربط علاقات قوية مع القوى السياسية في موريتانيا.

يخوض الانتخابات الحالية، التي قدمت فيها «جبهة القوى الديمقراطية» عددا كبيرا من المرشحين على غرار الأحزاب الكبرى، تحت شعار بسيط بكلمات دالة «صوتوا على التغيير».

يأمل الخياري أن يحصد عددا معتبرا من المقاعد، يجعله في موقع تفاوض قوي عند تشكيل الحكومة الجديدة. يفضل أن يشارك في حكومة تقودها «الكتلة الديمقراطية»، وهو تحالف يضم أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية.

شارك التهامي الخياري في حكومة عبد الرحمن اليوسفي عام 1998، وهي الحكومة التي أطلق عليها «حكومة التناوب» ودخلتها أحزاب المعارضة، وتنقل بين وزارتي الصيد البحري والصحة. وعندما كان يتولى وزارة الصيد البحري أدار محادثات صعبة مع الإسبانيين، حول مسألة السماح لقوارب الصيد الإسبانية والأوروبية بصيد السمك في الشواطئ المغربية.

المؤكد أن التهامي الخياري، يطمح أن يعود حزبه إلى الحكومة. وهو يقول «التغيير يصبح سهلا من مواقع القرار».