سهى عرفات تفتح قلبها وشقتها لـ «الشرق الأوسط» (الحلقة 3): أعترف بأني ارتكبت خطأ في تصريحاتي بعد وفاة عرفات

قالت في حوارها لـ«الشرق الأوسط»: أبو مازن القائد الأكثر أمانة لخلافة عرفات

سهى عرفات («الشرق الأوسط»)
TT

في هذه الحلقة، وهي الثالثة، واصلت الحديث عن خلافاتها مع ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس التونسي المخلوع، وتحدثت السيدة سهى عن اللحظات الأخيرة التي سبقت وفاة عرفات في مستشفى عسكري قرب العاصمة الفرنسية باريس في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2004. واعترفت بالخطأ الذي ارتكبته في التصريحات التي صدرت عنها وشككت فيها في نوايا بعض القيادات الفلسطينية التي جاءت لوداع عرفات، وقالت إنها لم تكن تعني القيادات التاريخية مثل الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس (أبو مازن) ومحمد غنيم (أبو ماهر) وأحمد قريع (أبو علاء) أو ناصر القدوة ابن شقيقة عرفات، بل آخرون حضروا إلى فرنسا طمعا في شيء ما، حسب قولها.

وتنفي سهى عرفات التي تحمل هي وابنتها زهوة جوازي سفر فرنسيين، أن يكون وجودها في الخارج يعود إلى اتفاق توصلت إليه مع القيادة الفلسطينية مقابل بضعة ملايين من الدولارات، وتتمنى أن تعود للعيش في فلسطين، لكن كما تقول فإن الإسرائيليين يزعمون أنهم فقدوا بطاقة الهوية التي يصدرونها لأهالي الأراضي المحتلة.

* قبل مشكلة المدرسة كانت العلاقة بينك وبين ليلى الطرابلسي علاقة صداقة.

- نعم كانت هناك علاقة صداقة بلا شك، وبدأت هذه العلاقة تتدهور مع بدء العلاقة التجارية، وفي موضوع مذكرة التوقيف الدولية ضدي وطلب استدعائي للمثول أمام قاضي التحقيق، فأنا ليست لدي مشكلة على الإطلاق، لكني لست على استعداد للذهاب إلى تونس، بل مستعدة لاستقبال من ترسله دائرة التحقيق للاستماع إلى أقوالي، وما لدي من أوراق أطلعتك عليها بالكامل، وهذه نسخ عنها تثبت براءة ذمتي المالية في هذه القضية.

لا أعرف الأسباب لكن أنا على يقين أن الموضوع خرج عن حجمه الطبيعي.. لقد نشر طلب الاستدعاء في خبر في زاوية في إحدى الصحف، والتقطته بعض وسائل الإعلام وعملت منه قضية في وقت كان فيه الصراع على أشده لحصول فلسطين على عضوية منظمة اليونيسكو الدولية.. ولا أدري إن كانت لذلك علاقة بهذه القضية.. يا رجل خبر مذكرة التوقيف تغلب على خبر فوز فلسطين بعضوية اليونيسكو.. أهذا مصادفة

* يعني الفراق بينكما حصل بسبب الخلاف بشأن المدرسة الفرنسية؟

- نعم.. وبعثت رسالة إلى صاحب المدرسة الفرنسية مع سناء خليف، أبلغته فيها بعزمي مغادرة تونس فورا لأنني لن أقبل بالظلم، وأعددت حقائبي وغادرت.

* هذا الكلام حصل قبل سحب جواز السفر منك؟

- نعم وجئت أنا وابنتي زهوة إلى مالطا إلى عند شقيقي غابي (سفير فلسطين)، وبعد مغادرتي بأيام داهموا منزلنا بقوة كبيرة من الشرطة والجيش بقيادة محمود بللونا ووضعوا أغراضي وأغراض ابنتي وأغراض أبو عمار في صناديق كرتونية.

* بيتكم في سيدي أبو سعيد؟

- نعم بيت الضيافة وهو بالمناسبة باسم أبو عمار من زمان.

* تقصدين أنه اشتراه أم وهبوه إياه؟

- لا أعرف.. المهم بعد مهاجمة البيت تركوا وراءهم رسالة من وزارة العدل تقول إنني أهملت في صيانة المنزل مع أنهم هم المسؤولون عن صيانته باعتباره بيت ضيافة, واتهموني بالتحفظ على مفاتيح البيت أيضا مع أنهم هم الذين كانوا يشرفون على تنظيفه.

* متى كان ذلك؟

- في 7 يوليو (تموز) 2007 بعث لي سفيرهم في مالطا رسالة أبلغني فيها بسحب جواز السفر مني، بينما أبقى على جواز سفر زهوة، وأعقب ذلك حملة تحريض وتشويه، وأنت تعرف أن سحب الجواز لا يتم إلا في حالة الخيانة العظمى أو مصيبة كبيرة. وبعثوا أغراضنا بعد 6 أشهر ولم يكن لدينا شيء، وصادروا كل الوثائق الشخصية وحتى الصور، وأقول في هذه المناسبة إن علي الصريوطي مسؤول أمن بن علي هو الذي أشرف على هذه العملية، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل دفعت رئيس الوزراء التونسي عبد الوهاب عبد الله ليتصل بجميع وزراء الخارجية، الذين أتصل بهم لتوضيح الأمر، فحاول تشويه صورتي لدرجة أن مجلة «أرابيز» التي تصدر بباريس باللغة الفرنسية، وضعتني في صورة غلاف تحت عنوان «من قتل عرفات؟»، ففكرت في أن أرفع دعوى على هذه المجلة، ولكنني تراجعت في اللحظة الأخيرة. ووصل الحد إلى الاتصال بالدول الأوروبية وتهديدها بعدم التعامل معها في ملف الإرهاب إن هي تعاملت معي بشكل جيد. ونصحت من قبل البعض بالتزام الصمت بسبب حاجة هذه الدول لتعاون تونس في ملف الإرهاب، ولهذا تراجعت عن رفع القضية ضد «أرابيز»، وبالفعل التزمت الصمت في السنوات الأخيرة لا خوفا فأنا مواطنة أوروبية، بل حرصا.

* وأي جنسية تحملين؟

- الجنسية الفرنسية.

* وهذا ينطبق على زهوة؟

- نعم.. ولم أكن الوحيدة التي عانت من ليلى بن علي.. فالكثير عانى منها حتى المعارضين التوانسة في الخارج. وعلى الرغم من سكوتي تحت ضغوط أوروبية فإن سفير تونس في مالطا علي الجنزوعي (كان رئيسا للمخابرات وهو الآن في السجن) نقل رسالة من ليلى الطرابلسي إلي عبر سفير فلسطين، تطالبني بالسكون وإلا سعت لإخراجي من مالطا.

* وهل كان لها هذا القدر من التأثير على الحكومة المالطية؟

- مرات يمكن أن يذهب الشخص ضحية حكومات.. ولا تتوقع أن يدافع عنك الكل.

* لكنك مواطنة أوروبية وتستطيعين العيش في مالطا وغيرها.

- نعم أنا أستطيع العيش أينما أردت، لكنها كانت تعتقد أن بمقدورها أن تفعل في الخارج كما تفعل في تونس.

تركت باريس وعشت في مالطا في شقة كما كان حالي في باريس حيث كنت أعيش في شقة مستأجرة أيضا.

* يعني ما عندك أملاك على الإطلاق؟

- بالقطع ليس لدي أملاك وأتمنى أن يكون لدي ملك وإن شاء الله يرزقني الله وأشتري ملكا.

* خلافا لما تفضلت به فقد أشيع أن زين العابدين غضب منك عندما لجأت إلى العقيد معمر القذافي الرئيس الليبي السابق وشكوت ليلى الطرابلسي وطلبت منه التدخل.

- كنت في ليبيا بدعوة من القذافي الذي كان يريد أن يفتتح ميدانا باسم أبو عمار في طرابلس، ولم أتوجه للشكوى، كل الموضوع تصادف وتزامن مع الخلاف معها، وعدت بعدها إلى تونس واشتدت الأزمة بيننا.

* في زمن الرئيس المخلوع وضعت السلطات التونسية يدها على أرشيف عرفات بل أرشيف منظمة التحرير الفلسطينية.. لماذا يسيطرون على أشياء ليست ملكهم مع أن القيادة الفلسطينية طلبت غير مرة تسليمها الأرشيف والسلطات التونسية ترفض؟

- أنا مستغربة جدا كيف أنهم ظلوا يرفضون تسليم أرشيف عرفات طيلة هذه السنين.

* هناك من روج إشاعات مفادها أن سهى طلبت من السلطات التونسية عدم تسليم الأرشيف.

- هذا الكلام مرفوض جملة وتفصيلا.. لأن أرشيف عرفات ليس ملكا لي بل ملك منظمة التحرير والشعب الفلسطيني بمجمله. أرشيف لكل فلسطيني لاجئا كان أم نازحا.. من الضفة أو غزة. كانت السلطات التونسية تتحجج بأن الأرشيف هو ملك عائلة عرفات.

* قصدك القول إن السلطات التونسية كانت تلعب على التناقضات؟

- طبعا.. طيب أنا شو بدي أعمل بأرشيف أبو عمار الذي يعود إلى ما قبل زواجنا بوقت طويل؟ أنا ممكن أن أطالب بالقضايا المتعلقة بي من الناحية الإنسانية.. ولست مسؤولة عن القضايا والنواحي السياسية والعلاقات مع العالم.

* أنت تنفين أن يكون لك أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد في مماطلة بل رفض السلطات التونسية تسليم الأرشيف للقيادة الفلسطينية.

- طبعا.. يا رجل أشاعوا أيضا أنني تسلمت الأرشيف.. منذ استشهاد أبو عمار لم تطأ قدمي المنزل الذي كان يعيش فيه أبو عمار في يغورتا حيث يوجد الكثير من الأرشيف، على الرغم من مطالبة زهوة الحثيثة بزيارة المنزل ومعرفة المكان الذي كان يعيش فيه والدها.. كنت أتحجج بحجج كثيرة حتى لا يقال إني سربت ملفا من هنا أو هناك. وهذا على الرغم من رغبتي الشديدة في زيارة المنزل الذي عشت فيه لأشم رائحته واستعيد ذكرياتي.

* أبو عمار كان يحتفظ بمكتبه في البيت؟

- نحن كنا نعيش في الدور العلوي في غرفتين وصالون والمكتب في الدور السفلي.. باختصار أنا لم تطأ قدماي، البيت حتى لا يقال إن سهى تتدخل في هذه الأمور. لا أدري لماذا رفض زين العابدين تسليم الأرشيف.

* وأقحم اسمك في هذه القضية.

- وعلى الرغم من ذلك التزمت الصمت، نتيجة نصائح من أطراف مختلفة.

* أليس لديك أي من ممتلكات وتاريخ عرفات؟

- عندي القليل القليل.. الشباب سلموني في المستشفى في باريس بعضا من بذلاته العسكرية وكوفياته وأشياء بسيطة جدا، لكن الأشياء المهمة موجودة في متحفه في رام الله. ولا تنس أيضا أن الكثير من أغراض أبو عمار موجودة في منزلنا في غزة ولا أدري ما حل بالأغراض هناك.

* أنا زرت منزلكما في حي الرمال عام 2007.. وحسب معلوماتي فإن كل الأثاث والمقتنيات موجودة على حالها.

- أقحموا اسمي في موضوع الأرشيف زي ما اتهموني بالتفاوض على مليارات أبو عمار في المستشفى في باريس.

* أخذت الكلام من على لساني.. قيل الكثير عن تلك الأيام والانفجار في اللحظة التي أعلن فيها خبر وفاته. أتذكر ما صدر عنك من تهديدات واتهامات وتحذيرات من أنك ستكشفين المستور.. كان كل ذلك على شاشات التلفزة. كان موجودا في المستشفى قيادات فلسطينية كبيرة مثل الرئيس أبو مازن وأبو ماهر غنيم وأحمد قريع (أبو علاء) فمن كنت تقصدين بكلامك؟

- أنا اعترف بأنني فقدت أعصابي.. يا أخي أنت تتحدث عن امرأة فقدت زوجها للتو. يا سيدي وجل من لا يخطئ. لم يكن المقصود بكلامي لا أبو مازن ولا أبو ماهر ولا أبو علاء.. كان هناك أناس آخرون.

* كان هناك أيضا ناصر القدوة (ابن أخت عرفات) ومحمد سلام (محمد رشيد مستشاره الاقتصادي) ومحمد دحلان وعدد آخر.

- لم أكن أعني رفاق أبو عمار ولا ناصر بل أناس آخرون كان في نفسها غرض في نفس يعقوب كما يقولون.. وأود هنا الاعتراف بأنني أخطأت بما صدر عني.. كانت تلك لحظات حزن وغضب شديد وأصبت بشبه انهيار عصبي وأنا أرى أبو عمار يضيع من بين يدي.

* هل حاولت شيئا خارجا عن المألوف في محاولة لإخراج أبو عمار من غيبوبته؟

- قالوا لي إنه يمكن إخراج أي شخص في غيبوبة بتعريضه لصدمة تبسطه أو تزعله، ففكرت في صورة أو صوت أرييل شارون (رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينها) ولكنني رفضت الفكرة، ففكرت بالقرآن الكريم.. وطلبت تسجيلات للشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد من محلات فيرجين في شارع الشانزلزيه. وبالفعل وضعت شريط القرآن في المستشفى وهو المستشفى العسكري الكاثوليكي.. تخيل هذا المشهد.. وأنا في تلك اللحظات أراقب أي حركة قد تصدر عنه.. ونحاول معها إخراجه من الغيبوبة. وكنت أقول له يا أبو عمار لازم تصحى وتبقى حتى تزوج زهوة وتلحق الهزيمة بشارون.. وعلى الرغم من ذلك كانت الإشاعة في الخارج تقول إنني كنت أتفاوض على أمواله. 15 يوما قضيناها إلى جانبه ولم نغادر المستشفى وتحديدا غرفته وما تخللها من بكاء ودموع ومهدئات وكان ردي هو «حسبي الله ونعم الوكيل». أعيد وأكرر أن ما صدر عني في تلك اللحظات العصيبة غلطة وجل من لا يخطئ. وأقول مجددا إن المقصود لم يكن أبو مازن وليس هذا من قبيل المجاملة أو النفاق. بهذه الإشاعات كانوا يحاولون محاربة أبو عمار وهو على فراش الموت بعدما فشلوا في مواجهته وهو على قيد الحياة.

* حسب قولك ليس هناك 20 مليون دولار ولا معاش شهري قدره 50 ألفا ولا ما شابه ذلك.

- بعدما هدأت الأمور جاء أبو علاء إلى الغرفة (أبو مازن لم يستطع زيارته أو رؤيته وهو في تلك الحال) ولم يستطع تحمل ما رآه فأغمي عليه.. إذا كان أغمي على أبو علاء فما بالك بحالي أنا؟

* آخر كلمات نطق بها أبو عمار وهو على سرير الموت - هذه مسألة مهمة سأحكيها لك. في الأيام الثلاثة الأولى من وصوله للمستشفى في باريس كان أبو عمار في كامل وعيه.

* لم تكوني معه في بداية مرضه في رام الله في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2004.

- لم أكن موجودة ولكنني حضرت إلى رام الله لنقله إلى باريس.. كان يتحدث عن القدس القديمة وكيف كان هو وشقيقه الدكتور فتحي (توفي بعده بنحو الأسبوعين) وكيف كانا يزوران خالهما أبو السعود.. وأذكر هنا أن ليلى شهيد، سفيرتنا في باريس في حينها، كانت موجودة وكانت تذكره. كان أبو عمار يسميني بالمريمية باعتبار أنني كنت من بني عيسى.. ولإبقائه واعيا كنت أطلب منه أشياء مثل اقرأ لنا صورة مريم فيرد (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) ونتنقل من سورة لسورة.

كانت إنسانية أبو عمار تفوق الخيال، وأذكر على سبيل المثال أن رمزي خوري مدير مكتبه أبلغني بأن العيد على الأبواب وأن سلام فياض (وزير المالية في حينه) ينتظر تفويضا بصرف الرواتب.. اتصلنا بسلام وبمجرد ما دخلنا عليه قال «فيه حاجة».. فقلنا لسلام انتظر لحظة حتى نشرح لأبو عمار الوضع.. فقاطعني فياض قائلا يقولون إن أبو عمار في غيبوبة فكيف سيتحدث إلي؟! فقلت لأبو عمار إن الدكتور سلام فياض على الهاتف موضحا أن العيد على الأبواب وأنه لا بد من دفع الرواتب، وبلهفة تناول منا الهاتف وقال بصوت مرتفع «أهلا يا حبيب يا سلام.. وحشتني يا أبو خالد.. وكيف بنتك يا سلام؟ وكيف خالد؟ وكيف المدام؟». بالمناسبة أبو عمار كان غاية في الأدب، فلم يكن يصدر أوامر بل كان يسبق كلامه بعبارة من فضلك.. فقال للدكتور سلام «لو تكرمت أن تدفع معاشات الموظفين.. العيد قرب وكمان ما تنساش إخواننا في مخيمات لبنان». ولم يتحامل الدكتور سلام الوضع وبكى بحرارة.. كان ذلك قبل نحو عشرة أيام من وفاته، وكان في غرفته ولم يكن بعد قد أدخل في غرفة الإنعاش.. وكانت هذه آخر رسالة قبل دخوله الغيبوبة وكأنها صحوة الموت، بعدها نقل إلى غرفة الإنعاش والعناية المركزة. وأود أن أخرج، كما يقولون، عن النص لأؤكد أن الدكتور سلام فياض مع أبو مازن هو صمام الأمان للشعب الفلسطيني. والشيء الجميل في العلاقة بينهما أن أبو مازن يعطي الدكتور سلام المجال للعمل بينما أبو عمار كان يريد أن يمسك بكل الخيوط، وهذه هي شخصيته.. وما يجري اليوم هو تكملة للمسيرة التي بدأها أبو عمار.

* يعني خلافا لما يقال فإن علاقتك مع أبو مازن طيبة وعلى ما يرام؟

- نعم طيبة جدا.. وهو يسأل عنا دائما. وعندما زار مالطا زرته أنا وزهوة وكان لقاؤه دافئا جدا.. وجلسنا لأكثر من ساعة تحدثنا فيها كثيرا عن الذكريات.

* كيف تقيمين أبو مازن؟

- أبو مازن شخص حازم وحاسم، أما أبو عمار فكان يترك الحبل للآخرين ولا يقطعه.. أبو مازن يعطي الفرصة مرة ومرتين وثلاث مرات، ولكن إذا ما تمادى الشخص المعني فإنه يحسم الأمر دون تردد، وحصل هذا مع كثير من الأشخاص، أما أبو عمار فلا يحسم الأمر حتى لو أخطأ الشخص مليون مرة.. أبو عمار صنع الانتفاضة وظل في عقلية الثورجي، أما أبو مازن فقد فهم اللعبة الإسرائيلية والدولية، وأعلن موقفه بوضوح من الانتفاضة، مع أنه كان مع أبو عمار في الكفاح المسلح. أبو مازن وضع الإسرائيليين في وضع محرج، وكما يقولون وضعهم في خانة اليك.. عمل كل ما يمكن عمله.. الانتفاضة أوقفها وأوقف الكفاح المسلح، وأعاد التنسيق الأمني، وأدان الصواريخ العبثية التي كانت تقتل مائة فسلطيني مقابل كل صاروخ يطلق.. أبو مازن واضح في سياسته ولم يجامل أحدا.. أكثر قائد أحرج إسرائيل.. فقال لهم اعملوا ما أردتم ولن تجبروني على ما تريدون.. الخيار المسلح الذين تريدونه حتى تفعلوا بنا ما فعلتموه مع ياسر عرفات، لن أحققه لكم. ولا أحد هنا يستطيع المزايدة على أحد وخصيصا حركة حماس لأنهم أول من توصل إلى هدنة مع الإسرائيليين.

* في تصورك أن أبو مازن هو القائد الأكثر أمانة في حمل رسالة عرفات؟

- نعم.. أبو مازن الأكثر أمانة ولكن بأسلوب مختلف.. حازم أكثر على طريق بناء الدولة.. أبو عمار كان الأب والختيار. أبو مازن يخوض مع إسرائيل حربا باردة جعلتهم يحدثون أنفسهم. المسؤولون الإسرائيليون فقدوا صوابهم من سياسته وجعلهم يتراكضون كدجاجة مقطوعة الرأس من بلد إلى آخر، في محاولة منهم لمنع هذه الدول من التصويت لصالح فلسطين في الأمم المتحدة. فأبو مازن إذن يكمل مسيرة أبو عمار بأسلوب مختلف. هناك اختلاف في الشخصية لكن أبو مازن ماسك على الثوابت.. وأتحدى أن يكون أبو مازن قد وضع توقيعه على شيء مع الإسرائيليين كما يحاول البعض قوله.

وهنا أود أن أقول حقيقة وهي أن أبو مازن كان إلى جانب صلاح خلف (أبو إياد)، من المعارضين لاحتلال صدام حسين للكويت، وكان ضد الوقوف إلى جانب صدام، وأقول أيضا إن الموقف من احتلال الكويت كان من أكبر الأخطاء. وأتذكر جلسة نقاش حادة وعاصفة حول الموضوع، وسجل أبو مازن موقفا معارضا للاجتياح, وغادر الاجتماع غاضبا.

* في رأيك كانت خطوة أبو مازن في التوجه إلى مجلس الأمن الدولي طلبا للعضوية الكاملة للدولة الفلسطينية صائبة؟

- بالتأكيد كانت صائبة.. وأقول للمزايدين ضجرنا من المزايدات.

* كنت تتمنين لو أن شخصا آخر خلف عرفات؟

- لا.. ما كان بإمكان أي شخص آخر أن يخلف عرفات.

* رغم الخلافات التي كانت قائمة بينها؟

- الخلاف لا يفسد للود قضية. أبو مازن لم يتقلب وكان صادقا مع نفسه، هددوه بأن يفتحوا ملفات شخصية ضده وضد أولاده فتحداهم، أعتقد أن ذلك في مقابلة أجريتها معه أنت. وليس من باب المجاملة ولا النفاق القول إن أولاد أبو مازن وهم قريبون من عمري، كانوا منذ تزوجت أبو عمار يعملون في الخليج، وكنت التقيهم عندما كانوا يزورن والديهما في تونس.. كانوا دوما يعملون في الخليج. وما داموا لا يعملون في السياسة فمن حقهم أن يعملوا ما يريدون، وبعدين طول عمرهم يعملون في الأعمال الحرة. أنا مثلا من حقي، لو قررت، أن أعمل في الأعمال الحرة لأنه لا علاقة لي بالسياسة.. والمشكلة بتحصل عندما تسيطر على أموال ومصانع في الدولة وهم لم يفعلوا ذلك.

* غدا .. «الشرق الأوسط» تنشر أول حوار مع زهوة عرفات