أزمة محروقات تواجه الحكومة السورية.. ومواطنون واثقون أنها لن تنتهي قبل نهاية النظام

جهات حكومية تؤكد أنها «مفتعلة» وأن السبب هو العقوبات الاقتصادية

صفوف طويلة في حمص بانتظار تعبئة قوارير الغاز (رويترز)
TT

لم ينتظر أبو أحمد كي تحل الحكومة السورية أزمة المازوت، ومع وصول أول يوم بارد في السنة هذا العام، سارع إلى تحويل مدفأة مازوت إلى مدفأة حطب. كيف ذلك؟ سأله الجيران، لأن هذا غير ممكن. فأجاب: «لا أحد يسألني كيف، لقد تدبرت الأمر لأني على يقين أن أزمة المازوت طويلة ولن تجد حلا قبل أن يسقط النظام!».

أبو أحمد وكثر غيره من السوريين، يربطون بين النظام الحالي وأزمة الوقود التي تعيشها البلاد. فهم يعتبرون أن العقوبات الاقتصادية التي فرضت على سوريا، ومنع شراء النفط السوري، يعد سببا أساسيا في الأزمة. إذ أن المازوت والغاز من المواد المدعومة، والدولة لا يمكنها الاستمرار في توفيرهما من دون أن يكون هناك واردات للخزينة العامة. ويضاف إلى ذلك مشكلة أهم، تتعلق بالحل العسكري الذي اختاره النظام للقضاء على الاحتجاجات، ما يعني نشر مئات الدبابات في طول البلاد وعرضها، وهو أمر يحتاج إلى آلاف الليترات يوميا لتسييرها. وما يزيد من سوء الوضع، الانفلات الأمني في بعض المناطق الذي يؤدي إلى عمليات نهب وسرقة تتعرض لها صهاريج الوقود، من قبل عصابات المهربين الذين أطلقت يدهم في تلك المناطق.

الموالون للنظام يظنون أن السبب الأساسي في أزمة الوقود التي تعاني منها سوريا، هو العقوبات الاقتصادية، والعصابات المسلحة التي تسرق صهاريج المازوت وتتعمد هدرها في مجارير الصرف الصحي للانتقام من النظام ومن مؤيديه. وقد وقعت أكثر من حادثة من هذا النوع في ريف حماه وإدلب، إلا أن المحتجين كانوا ينسبونها للشبيحة وعصابات التهريب المتعاونة معهم. وأيا كانت الأسباب، فإن أزمة المازوت إحدى أهم الأزمات التي تواجه الحكومة السورية، والتي أدت إلى أزمة في توفر مادة الغاز التي باتت تستخدم للتدفئة، وأيضا في زيادة استهلاك الطاقة الكهربائية.

والشهر الماضي، عادت وزارة الكهرباء إلى فرض سياسة التقنين. وراحت الكهرباء تنقطع يوميا بشكل روتيني بمعدل ساعتين أو أكثر، حسب المناطق. وتتنامى المخاوف لدى السوريين من حصول أزمة في توفر الكهرباء بعد تلويح تركيا بوقف إمداد سوريا بالكهرباء، ضمن حزمة عقوبات تفكر بفرضها على النظام السوري. ويرى موظفون حكوميون أن هذه الأزمات «مفتعلة»، ويردون ذلك إلى أن كثرة الحديث عن شح المازوت جعل كثيرين من الناس تسارع، وقبل حلول الشتاء، إلى تخزين المازوت بكميات مضاعفة، ما أدى إلى ظهور أزمة مع حلول الشتاء حين أصبح الطلب ملحا... هذا عدا صعوبات التوزيع جراء الوضع الأمني السيئ.

ومع أن المؤسسة العامة للمحروقات أكدت أنها «زادت مخصصات الشهر الماضي بنسبة 17% وسيتم زيادة مخصصات الشهر الحالي بنسبة تتراوح ما بين 15 إلى 20%»، فإن حدة الأزمة لم تتراجع، وشكى عدد من محطات الوقود من عدم وصول الكميات التي تمت زيادتها، ولا تزال مخصصاتهم ثابتة كما كانت مع تزايد طول طابور المواطنين أمام أبوابها. وصار مألوفا في المدن السورية أن يشاهد طابور غالونات بلاستيكية مصفوفة مثل دمية القطار، تلتف على عدة أدوار لتشغل كامل مساحة المحطة وتمتد نحو الرصيف، وأصحابها إلى جوارها يقفون مجموعات يتبادلون الأحاديث ريثما يصلهم الدور. وإلى جانبهم، طوابير الشاحنات والسيارات بانتظار التزود بمادة المازوت إضافة لصف عشرات الغالونات لتعبئتها بشكل فردي، وسط ازدحام سير خانق.

ورغم مأساوية الأوضاع الاقتصادية والإنسانية والأمنية في سوريا، فإن الناشطين الشباب حولوا تلك الأزمات إلى مادة للتندر ووزع رسم كاريكاتوري لبرميل مازوت وقد تحول إلى قبر، إلى جواره مدفئة تنتحب. كما غير عدد من السوريين صور بروفايلاتهم على موقع «فيس بوك»، إلى صورة طابة المازوت الخاصة بالمدفئة، وقد كتب عليها «خلصت»، في تهكم على الكلمة الشهيرة التي أطلقها إعلاميون مدافعون عن النظام في حديث عن انتهاء الأزمة منذ 6 شهور، بأنها «خلصت»، أي انتهت.

بشار، أب لطفلين، يعيش في منطقة لا تشهد أحداثا في ريف طرطوس، يرى أن أزمة المازوت ليست وليدة الظروف الراهنة، بل هي أزمة قديمة وقد وعدت الحكومة بحلها منذ عامين. ويقول: إن المادة ستكون متوفرة وهناك زيادة للمخصصات لتلبي الطلب، إلا أن شيئا من تلك الوعود لم يتحقق، ويشير إلى أن اضطراب الأوضاع في البلاد جعل هذه الأزمة تطفو على السطح وتتفاقم. ويرى بشار أن «السياسات الاقتصادية الفاشلة تقودنا من أزمة إلى أخرى، فعندما رفعوا سعر المازوت تسببوا بأزمات كبيرة في الصناعة والزراعة والمعيشة، وعندما تراجعوا وخفضوا السعر مع بداية اندلاع الأحداث، تسببوا في خلخلة الميزانية وشح المادة نتيجة الإقبال عليها، وفتح الباب واسعا أمام التهريب والسوق السوداء».

من يدفع ثمن هذا الفشل هم «أصحاب الدخل المحدود»، بحسب فايزة التي تعمل موظفة في مؤسسة حكومية وتعيل 4 أطفال بعد وفاة زوجها في الأحداث. تقول: إن «تلك السياسات هي التي دفعت إلى تفجر الأوضاع في البلاد، فالمواطن لم يعد يحتمل المزيد من التخبط، وبات يفضل الموت على الحياة في كنف هكذا نظام لا يهتم بالانعكاسات السلبية لخططه على حياة الغالبية العظمى من أبناء شعبه». وتتساءل فايزة: «ألم يكن بإمكان الحكومة أن تضع قوانين تضمن عدالة توزيع المازوت على الناس، وتحد من تهريبه من قبل الفاسدين؟»، قبل أن تجيب «كان بالإمكان ولكن الفساد نخر النظام وحكومته وأوصلنا إلى ما وصلنا إليه». لتختم كلامها بالقول: «لست ضد النظام ولا أريد إسقاطه وأفضل الأمن والاستقرار على أي شيء آخر... لكن سياساتهم هي التي أسقطتهم... كانوا يعملون كمن يحفر على رأسه».

أحد العاملين في محطة محروقات في دمشق، شكى من تزايد الطلب على المازوت، وخاصة الناس العاديين من «أصحاب الغالونات سعة 20 أو 50 ليترا»، وذلك لصعوبة توزيع المازوت على البيوت، خاصة مع وجود طلبات لها الأولوية من «طبقة المدعومين وأصحاب الواسطات الذين لم يتأثروا بالأزمة وهم عادة لا يتأثرون بأي أزمة». وقد تنتظر الأسرة من ذوي الدخل المحدود ومن خارج دائرة «المدعومين»، شهرا لتلبية طلبها من شركة المحروقات، لذا فإن مخصصات المحطات التي كان يذهب أغلبها للسيارات والمركبات، لا تكفي لسد حاجة الناس الآنية ممن يطلبون 20 ليترا للتدفئة، تكفي ليومين أو ثلاثة. ويقول العامل في المحطة «غالبا تنفد المادة قبل تلبية طلبات الجميع».

في المقابل، لا تمل الجهات الرسمية المسؤولة عن المحروقات من التأكيد في وسائل الإعلام الرسمية على أن المازوت متوفر في كافة المحطات، وأنه «سيتم تلبية الطلب على المادة بما يغطي الاحتياجات كافة» ولدى شركة المحروقات نية «بزيادة مخصصات الشهر الحالي بنسبة تتراوح ما بين 15 إلى 20%»، دون أن ينفي موظفو شركة المحروقات وجود «ضغط على المادة». أما الأزمة برأيهم فهي «مفتعلة» بسبب «غياب الرقابة واستغلال بعض أصحاب المحطات حاجة المواطنين للمادة وبيعها بسعر أعلى عما هو محدد، إضافة لعدم تقديم الشكاوى من قبل المواطنين للجهات المعنية بالرقابة»، والإصرار على أن «المادة متوفرة وفي وضع جيد، خاصة مع استمرار عمليات الاستيراد وفق العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية، إضافة للعمل في الإنتاج المحلي الذي يغطي جزءا من الطلب أيضا». ويقولون إن الجهات المعنية تعمل على تفعيل دور الرقابة لمنع «احتكار المادة أو التلاعب بأسعارها»، حيث إن مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد تؤكد بدورها أن «مادة المازوت متوفرة بالمحطات وتراقب من قبل دوريات حماية المستهلك، بالإضافة إلى أن كل محافظة قامت بتشكيل لجان محلية ضمن المحافظة لمراقبة المادة» وأن «كافة الإجراءات لتأمين المادة ومراقبتها تمت بالتنسيق مع كافة الجهات المعنية بتأمين مادة المازوت ومنع تهريبها». ألزمت وزارة الاقتصاد كافة محطات الوقود بتركيب كاميرات تلفزيونية للمراقبة توضع تسجيلاتها عند الطلب تحت تصرف لجنة مكافحة التهريب أو الجهات المختصة، ويتم التدقيق بالأشخاص والكميات المسلمة والمباعة، إضافة لعدم تزويد أي محطة بالمادة في حال تنظيم ضبط عدلي بحقها إلا بعد صدور حكم قضائي بحقها. كما تؤكد المديرية على أنه تم تشديد الرقابة على صهاريج المازوت وضبط حركتها ومنع عمليات نقل كميات المازوت من محطة إلى أخرى إلا بعد الموافقة الرسمية. ومع ذلك فإن سجلات المديرية تشير إلى أن عدد ضبطيات المخالفات المنظمة لمادة المحروقات بلغ 1150 ضبطا من بداية السنة وحتى نهاية الشهر العاشر الماضي، إضافة إلى إغلاق نحو 200 محطة وقود مخالفة في كل البلاد.