الدراجات النارية تتحول إلى «سيارات إسعاف» لإنقاذ مصابي التحرير

بعضهم استخدمها لجلب المؤن وزجاجات المولوتوف للمتظاهرين

محتجون يحملون زميلا أصيب في اشتباكات ميدان التحرير فوق دراجة نارية باتجاه مستشفى ميداني (إ.ب.أ)
TT

تقول الحكمة القديمة «الحاجة أم الاختراع». المصريون طبقوا هذه الحكمة بشكل مبتكر لأنه لا توجد حاجة أكثر إلحاحا من إنقاذ حياة شخص مصاب، فحولوا الدراجات النارية إلى سيارات إسعاف تحمل مصابي وضحايا الأحداث الأخيرة بميدان التحرير إلى المستشفيات بعدما تعذر دخول سيارات الإسعاف إلى الميدان إما بسبب الحصار الأمني أو نظرا لزحام المتظاهرين أنفسهم، بالإضافة إلى رفض المصابين ركوب سيارات الإسعاف الحكومية بسبب مخاوف من تسليمهم للشرطة.. كما كان للدراجات النارية أدوار أخرى في جلب الطعام والمياه وزجاجات البنزين (المولوتوف) التي يستخدمها بعض المتظاهرين في ضرب الشرطة.

مصطفى عمرو شاب مصري يبلغ من العمر 23 عاما ويعمل نجارا، التقته «الشرق الأوسط» في شارع طلعت حرب المؤدي لميدان التحرير وهو يستقل دراجته النارية ويرتدي على وجهه قناعا بدائيا لحمايته من الغاز المسيل للدموع الذي تطلقه قوات الأمن المركزي على الميدان بكثافة.

مصطفى كان يحاول دخول الميدان بعدما انتهى من توصيل شاب أصيب في الأحداث إلى مستشفى قريب على حد قوله. وأضاف مصطفى أن «الأمر شديد الصعوبة، أول مرة أشارك في نقل المصابين إلى المستشفيات، نقلت حتى الآن ما يقرب من 50 مصابا، بعضهم أصيب باختناق، وآخرون أصيبوا برصاص حي أو مطاطي في أنحاء متفرقة من الجسد».

وعن طريقة وضع المصاب على الدراجة النارية أوضح مصطفى أنه يتم وضع المصاب على الدراجة النارية خلفه مباشرة، ثم يجلس وراءه أحد الشباب، غالبا ما يكون أحد أصدقائه، ليمسكه كي لا يسقط» أثناء سير الدراجة. وأضاف أن «البعض يرى أن في الأمر خطورة خاصة إذا كان المصاب به كسور في العظام، ولكن ما باليد حيلة».

أما عبد الله مراد وهو طالب بأحد المعاهد العليا، فقال، وهو ينتظر توقف المواجهات في شارع قريب من مقر وزارة الداخلية لكي يساعد في نقل المصابين: «أنا في الميدان منذ يوم السبت الماضي، وكل يوم عدد المصابين في تزايد، ولكن الفارق هو أن درجة خطورة الإصابات كانت أكبر يوم الأحد».

ويضيف قائلا إن «أحد النشطاء وزع علينا أقنعة لنتمكن من المرور عبر سحب الغاز المسيل للدموع دون أن يؤثر علينا لنتمكن من نقل المصابين والقتلى إلى المستشفيات».

وتابع قائلا «يوم الأحد نقلت جثث ستة قتلى على الأقل وأغلب الإصابات كانت جراء طلقات نارية وفي أماكن قاتلة، ربما يكون أصحابها توفوا.. لا أعلم.. لكن ربنا كريم».

وعن سبب مشاركته في نقل المصابين والقتلى رغم أن هذا الأمر قد يكلفه حياته، قال عبد الله «كنت أشارك من قبل في المليونيات وشاركت في مظاهرات إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك، ولكني رأيت أن هذا النشاط أكثر فاعلية وتأثيرا من مجرد الهتاف، فمجهودي قد أنقذ حياة مصاب».

أحمد عبد النبي، وهو عامل توصيل طلبات بأحد مطاعم الوجبات السريعة بميدان التحرير روى حكايته قائلا: «توجهت إلى مقر عملي بميدان التحرير صباح يوم السبت الماضي كالمعتاد، لأفاجأ بإغلاق المطعم نتيجة الأحداث، وخلال ذلك اعتدت قوات الشرطة على عدد من المتظاهرين بالميدان، ووقع عدد كبير من المصابين فاستنجد بي البعض لنقل المصابين للمستشفيات، ومنذ ذلك الوقت لم أعد لمنزلي، وطوال الوقت أوصل المصابين للعلاج بعد أن كنت أنقل لهم الوجبات الجاهزة».

وأضاف «يوم الأحد الماضي نقلت مصابا توفي ورأسه على كتفي، كان مصابا في نصفه العلوي.. تلا الشهادة في أذني قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.. لن أنسى صوته ما حييت». وقال «لن أعود إلى منزلي إلا بانصراف آخر متظاهر، فوجودي هنا معناه فرصة لإنقاذ حياة شخص».

وعلى الجانب الآخر، وبالإضافة إلى استخدام بعض المتظاهرين الدراجات النارية لجلب المؤن من طعام ومياه وبطاطين، يستعين آخرون بنفس الدراجات لتوصيل زجاجات البنزين (المولوتوف) في محاولة من المتظاهرين لصد هجمات الشرطة التي ظلت طيلة يومين تحاول إخلاء الميدان من المحتجين. وقال عبد الكريم، وهو ناشط حقوقي، عن طريقة إيصال البنزين إلى الميدان، إن عددا من الدراجات النارية تملأ تنكها من محطة الوقود، وتفرغ أكثر ما فيه بالميدان ثم تتم تعبئة البنزين في زجاجات المشروبات الغازية، وسدها بقطعة من القماش، واستخدامها عند الضرورة عن طريق إشعال القماش وإلقاء الزجاجة الحارقة على الهدف.