المظاهرات العنيفة تعزز القلق بشأن الانتخابات البرلمانية

مخاوف من ثورة ثانية ضد القيادة العسكرية

اشتباكات في ميدان التحرير بين شباب الثورة وقوات الأمن المركزي أمس (أ.ب)
TT

نشبت معارك طاحنة بين قوات الأمن المصرية والمتظاهرين، يوم الأحد ثاني أيام الصدامات المميتة التي أدخلت البلاد في مأزق سياسي قد يدخل أول انتخابات تشهدها مصر بعد الثورة نفقا مظلما، قبيل أسبوع من انطلاقها.

وفي أعقاب الاجتماع الطارئ الذي عقده قادة المجلس العسكري ليلة الأحد، أصدر المجلس بيانا عبر فيه عن أسفه عما آلت إليه الأحداث، لكنهم أكدوا على رفضهم مطالب المتظاهرين بالتنحي وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، مقترحين عوضا عن ذلك الالتزام بالجدول الزمني المقترح الذي يبقيهم في السلطة حتى عام 2013.

وفي بيان منفصل، أشارت رئاسة الوزراء المدعومة من المجلس العسكري إلى أن الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في الثامن والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي لن تؤجل، واتهمت المتظاهرين من معارضي المجلس العسكري بإثارة الاضطرابات في محاولة لتعطيل الانتخابات.

لكن الواضح أن الاضطرابات قد بدأت في إثارة توترات بعض كبار المسؤولين، فقدم عماد أبو غازي وزير الثقافة المصري استقالته يوم الأحد معللا ذلك برد الشرطة على المتظاهرين. وكان ما لا يقل عن 12 شخصا قد لقوا مصرعهم وأصيب أكثر من 1.000 شخص خلال اليومين السابقين، بحسب وزارة الصحة، من بينهم 80 شخصا من قوات الأمن.

كان الجيش يحظى بتأييد واسع قبل تسعة أشهر عندما ساعد المتظاهرين في الإطاحة بالرئيس مبارك، لكن المجلس العسكري الحاكم، الذي يقوده محمد حسين طنطاوي، الذي كان وزيرا للدفاع في عهد الرئيس السابق، بات موضع انتقادات واسعة نتيجة قلق المصريين من استفادة أعضائه من الثورة لحماية مصالحهم الخاصة.

بحلول يوم الأحد الماضي، امتدت الاحتجاجات إلى مدن ساحلية مثل الإسكندرية والسويس وإلى مناطق أخرى من البلاد، لكن في الوقت الذي تمسك فيه القادة العسكريون بمواقفهم، طالبوا المصريين بالتكاتف معا للمساعدة في الانتقال البطيء للسلطة. ويبدو أن الجيش يعول على استمرار شعبيته في مناطق واسعة من مصر في وقت أبدى فيه كثيرون سخطهم على الثوار، واعتبار القوات المسلحة العمود الفقري للبلاد في خضم الأزمات السياسية والمالية التي تشهدها البلاد.

وقال اللواء محسن الفنجري، عضو المجلس العسكري في اتصال هاتفي بالتلفزيون الرسمي يوم الأحد: «لن نقبل أي دعوات لتأجيل الانتخابات، ونحن نؤكد أن القوات المسلحة والشرطة قادرة على عملية تأمين وقيادة مصر من خلال هذا النفق الذي نحن عالقون فيه».

تعليق الحملات الانتخابية:

مع حلول ليل القاهرة، اندلعت الحرائق بميدان التحرير، ميدان العاصمة الشهير، الذي كان مقر الثورة التي استمرت على مدار 18 يوما، والتي أدت إلى سقوط مبارك في فبراير (شباط) الماضي، وكانت مجموعة من رجال الشرطة قد أضرمت النيران في عدد من الخيام والأغراض الأخرى التي تخص المتظاهرين، خلال اشتباك المتظاهرين الذين يلقون الحجارة على قوات مكافحة الشغب في الشوارع الجانبية. وقد علقت عدة جماعات سياسية حملاتها، وتصاعدت التساؤلات حول ما إذا كانت الانتخابات ستؤجل أم إنها سيشوبها العنف.

ويقول شادي حميد، الخبير المصري في مركز «بروكينغز - الدوحة»: «هذا يصب في مصلحة الجيش، فسوف يقولون: (هناك حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في شوارع مصر، وهذا هو السبب في حاجتنا إلى البقاء في السلطة لحماية الاستقرار، ولحماية الأمن في البلاد). وآخر ما نحتاجه هو المزيد من العنف قبل أسبوع من الانتخابات، وسنسمع المزيد والمزيد من الدعوات لتأجيل الانتخابات خلال الأيام المقبلة، وهو ما قد يمثل كارثة بالنسبة لمصر».

سبقت الاشتباكات احتجاجات ضخمة يوم الجمعة الماضي هيمنت عليها جماعة الإخوان المسلمين، القوة السياسية في مصر الأكثر تنظيما، والسلفيون، الذين طلبوا بالمسارعة في الانتقال السريع إلى الحكم المدني ورفض الوثيقة التي تم تمريرها الشهر الحالي والتي ستوجه عملية كتابة دستور جديد وتوسع من صلاحيات الجيش.

وقد غادر معظم الإسلاميين، الذين بدوا حتى وقت قريب مترددين في مواجهة الحكام العسكريين، الميدان بحلول مساء الجمعة، في الوقت الذي واصلت فيه مجموعة صغيرة من المحتجين اعتصامها داخل الميدان. وخلال يومي السبت والأحد، حاولت الشرطة إخراجهم مستخدمة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والخرطوش، مما دفع الآخرين للنزول إلى الشوارع.

وترى سارة محمد، 19 عاما، طالبة جامعية، التي قالت إنها لم تغادر في الميدان ليلة السبت وعادت بعد اختبار نصف الفصل الدراسي ليلة الأحد لتوزيع الطعام والأدوية على المصابين، أن «هذه حرب من أجل الحرية، والثورة لم تكتمل بعد، فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي لا يزال في السلطة كان تابعا لحسنى مبارك طيلة 30 عاما. لقد أقمنا هنا لمدة 18 يوما وأطحنا بمبارك من السلطة، وسوف نقوم بذلك مرة أخرى». تم نقل المصابين بواسطة الدراجات إلى المستشفيات الميدانية المؤقتة في الميدان، كما أطلقت الشرطة النار بشكل متقطع على الحشود، واتهم المتظاهرون وزارة الداخلية يوم الأحد باستخدام الذخيرة الحية، وهو ما تنفيه الوزارة. وامتلأت الشوارع بالحطام، وأغلقت المحلات التجارية في جميع أنحاء الميدان، وتحولت أجزاء من وسط القاهرة إلى ساحات معارك، في الوقت الذي توقع فيه المحتجون وقوع ثورة ثانية، لكنها هذه المرة ضد القيادة العسكرية.